هل يسلم الملك عبد الله زين العابدين إلى الشعب التونسي ليقتص منه؟
ألقى الشعب التونسي بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي كما يقلى بالجرذ الموبوء في القمامة.
ظل الجرذ الموبوء جاثما على صدر الشعب التونسي لما يزيد عن عقدين من الزمن يسومه سوء العذاب، يذبح أبناءه ويعتقل شبابه ويقمع الحريات ويكمم الأفواه ظنا منه أن الشعب التونسي لن يقوم منتفضا على ظلمه وطغيانه شأنه شأن كثير من الحكام العرب الذين يحكمون الناس رغما عنهم وبمساعدة دول غربية كإنجلترا وأمريكا مثل مصر وليبيا واليمن والعراق وسوريا.. ولكن الشعب التونسي طلع بطلا لم يحسب له أي حساب، وإذا سألت السياسيين والمنظرين والمستقبليين عمن سيلقي بجرذه في القمامة قبل غيره من الشعوب لجاءتك الإجابة أن الأول هو شعب مصر، ثم شعب اليمن والجزائر وسوريا وليبيا وللغيب الترتيب.. أما الشعب التونسي فكان مستبعدا من هذا السيناريو، ومن كان قد رجحه قبل الأحداث فهو عبقري ملهم، ولا أعرف أحدا وصل هذا المستوى من النظر المستقبلي والتحليل السياسي الحصيف لأن الشعب التونسي قد أخضع للذلة، وأسكن للدونية حتى ظُن أنه قد استساغ الذل، واستمرأ المهانة، غير أن العكس هو الذي حصل، فكان بذالك شعبا يستحق أن يقتدى به في عملية الانتفاضة والحركة الرافضة للذل والخنوع..
ونحن نخشى من الغرب ـ أوروبا وأمريكا ـ أن يساهموا في ترتيب المشهد السياسي الذي لا مفر منه نظرا لغياب مشروع سياسي تونسي من طرف الأحزاب والمنظمات.. ما لدى الذين يظهرون في الساحة السياسية من مشاريع ما هي إلا امتدادات للمشاريع الغربية والتي ستستبدل زينا بشين إلى أجل مسمى في الغيب، ثم يكون ما يكون.. وسيكون إذا ارتبط بمشروع الأمة النهضوي الحقيقي والتحرري الذي يأخذ أمتنا ككل؛ جزءا من كل..
الغرب يقوم الآن بنفس ما قام به إبان حقبة الاستعمار التقليدي لأنه قد استبدله باستعمار حديث ركز فيه على الفكر والثقافة والاقتصاد والسياسة إلخ فأنجب عملاء نجباء، وهنا، هنا بالذات يظهر في الساحة التونسية فراغ كبير لم تملأه أحزاب المعارضة لأنها جزء من المشروع الغربي بصرف النظر عن لونها، فالإسلاميون والشيوعيون مثلا ليس لهم مشروع نهضوي حقيقي، وليس للشعب التونسي وعي على مبدأ مكتمل يتبناه ليعمل على تجسيده في واقع الحياة اليوم، ليس له سوى السير وراء فكر فاسد ونظام فاسد لن يختلف عن فكر جسده الجرذ بن علي ولا النظام الذي جاء به بورقيبة من قبل، فالديمقراطية مثلا هي ما يغشى المشهد السياسي التونسي، وهي ما يلوح بها الغرب والشرق والعرب وغيرهم، وهي على لسان تشرشل من أسوأ أنظمة الحكم في العالم بعد الديكتاتورية وهي شهادة من بيت غربي بحق فكرة نتنة، وهي فكرة خيالية، وهي فكرة لن تجدي نهضة ولن تحقق تحريرا، فيكفينا تأملا في فساد العالم اليوم وظلمه من طرف نفس أرباب الديمقراطية، والحديث يطول في هذا المجال ولست بصدده الآن..
إن تغيير جرذ موبوء بجرد آخر وتشكيل حكومة ائتلافية تجمع مختلف الأطياف السياسية ليس من التغيير في شيء، فالشعوب العربية ليست لديها قيادات سياسية فاعلة في المشهد السياسي العربي مؤهلة لاستلام الحكم والسير به نحو التغيير الحقيقي، لا التغيير الذي يستبدل حاكما بحاكم ويبقي على الأنظمة الفاسدة، فشعب تونس وكل الشعوب العربية والشعوب القائمة في العالم الإسلامي تحمل في تراثها مبدأ قادرا على تحقيق التغيير الحقيقي، قادرا على تحقيق النهضة الحقيقية والتحرر الحقيقي، وما تم التركيز عليه الآن في تونس لن يختلف عما هو موجود في كل البلاد العربية والبلاد الإسلامية مع فرق بسط هو تغيير حاكم بحاكم، واستمرار الحكم لنفس النظام الديمقراطي الفاسد والخادع مع بعض التعديلات التنفيسية التي يظهر فيها نوع من الحريات الخادعة تجعل الفرد والشعب والأمة مخدوعون إلا من طرف قلة قليلة منهم وفيهم..
لقد فر زين العابدين بن علي من شعبه إلى مالطا، فر لإدراكه ما فعل به طيلة سنوات كثيرة من حكمه، ثم إلى السعودية، والرجل مجرم وقاتل وسفاح.. والمفروض بهذا النوع من المجرمين ألا يجدوا ملجأ غير السجن في انتظار محاكمتهم، أما أن يغادر بن علي إلى السعودية، فلا، ثم نسمع فرنسا المنافقة تصرح بعدم قبولها وجود أسرة زين العابدين بن علي على ترابها، وتجميد أرصدة تونس وما شاكل ذلك، فذلك خدمة لسياستها الجديدة في تونس، وتونس بقبيح العابدين حين حكمه تونس مسكوت عن جرائمها، وتونس بطرد الموبوء زين العابدين بن علي مسكوت عنها أيضا بمن يخلفه، ولكن بكلام لم يكن سابقا بعد أن تأكدت من سقوطه، ولا ننسى الصمت الذي ساد العالم إبان الثورة التونسية، ظل يراقب ويرقب النتيجة ليعلق ويصرح ويشجب ويدين أو يؤيد ويساند..
لقد استضافت السعودية مجرما قد قتل شعبه وسامه سوء العذاب، والأصل أن يتم التخوف من استضافته اقتداء بشاه إيران مثلا، ولكن بما أن الحكام العرب مطمئنون على حسن قبضتهم على الأوضاع غرورا طبعا؛ لا يبالون بما يفعلونه من سلوك ضد إرادة الشعوب، فالملك عبد الله يسلك ضدا على إرادة الشعب التونسي، والمفروض أن يسانده ويؤازره في محنته لا أن يحمي القاتل..
لقد اختار الملك عبد الله حماية المجرمين، اختار أن يساهم في حماية المجرمين واللصوص بنقلهم إلى السعودية، فقد حمى المجرم القاتل والسفاح زين العابدين، ولم يكتف بذلك، بل بعث بطائرة لنقل ذوي زين العابدين بن علي وهم لصوص يجب أن يحاكموا ويزج بهم في السجن لا أن ينقلهم معززين مكرمين إلى السعودية، إنه بذلك يظهر عداءه للشعب التونسي، ومعاكسته لإرادته في التغيير ومحاكمة طاغيته زين العابدين، فأي جرأة على شعب تونس هذه! وأي إهانة للشعب التونسي تلك! ثم ما الذي دفع به إلى سلوك ذلك السلوك؟ هل دخلت أمريكا على الخط فضمنت لابن علي سلامة حياته إن هو غادر وترك السلطة وليس له من مأوى سوى دولة السعودية وهي دولة تقع تحت نفوذها؟ وهل من بين الفاعلين في تونس عميل أمريكي مرشح لحكم تونس من المدنيين أو من العسكريين؟
ليس للملك عبد الله وليس للسعودية كي تكفر عن ذنبها وتتبرأ من جريمتها إلا أن تسلم زين العابدين بن علي للشعب التونسي ليحاكمه على إجرامه، وإذا قرر الشعب ما قرر فلا بد من احترام إرادته، فالقاتل شرعا وعقلا وعرفا يقتل، وعليه فلا شيء غير تسليم زين العابدين بن علي ومحاكمته، فهل تستجيب السعودية؟
هل يسلم الملك عبد الله زين العابدين بن علي للشعب التونسي ليقتص منه؟
...........
طنجة الجزيرة
طنجة في: 16 يناير 2011