النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: مربوط بذكرها

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 مربوط بذكرها 
    كاتب الصورة الرمزية عبد الله نفاخ
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    سوريا دمشق
    العمر
    38
    المشاركات
    829
    مقالات المدونة
    3
    معدل تقييم المستوى
    15
    مربوط بذكرها


    حتى متى أنا مربوط بذكركم
    أهذي وقلبك مربوط بنسياني
    لهفي عليها ولهفي من تذكرها
    يدنو تذكرها مني و تنآني

    (بشار بن برد)

    أحبهاقديماًَ ، إذ كان يراها في غدوها و رواحها ، فتاة مشتعلة الأنوثة ، رقيقة النظرات ، فاتنة الملامح عذبتها ، تحتضن كتبها بحنو فيتمنى ناظرها لو كان ورقة في أحدها ، وفوق كل هذا تمشي على استحياء وفي استحيائها تغنج و دلال.


    تعلق قلبه بها وهو يراها كل يوم كذلك ، فعزم على تكليمها و وضع لذلك خطة رسم خيوطها أياماً ، وتفتق ذهنه آخر الأمر عن انتحال شخصية خيالية يدعي أنه يحمل رسالة لها منها .


    وكانت الفتاة على ما يظهر أكثر براءة مما حسبت ، فلم تجد غضاضة في الرد على مخاطبته لها ، والاستماع لكلامه وتلقي الرسالة المزعومة ، ثم انسحبا وكلاهما باسم غير ممتعض .


    و يوماً بعد يوم تكررت لقاءاتهما ، وكان أحدهما يقف في انتظار الآخر حتى مقدمه ، ولا يضيره في ذلك أكان الجو حاراً أم بارداً ، أو أطالت مدة الانتظار أم قصرت ، إذ كان الحب قد بلغ منهما – على ما ظهر – مبلغاً تتضاءل به هذه المنغصات حتى تغدو تافهة لا معنى لها .


    وفجأة ....ومن دون سبب .... ،جاء إلي فقال : قد أنهيت ما كان بيني وبينها ...!!


    أذهلني حينئذ كلامه ، فما كان بينهما إلا ما يخيل للإنسان أنه جنة من ورد و ريحان ، تمر بها نسائم الصبا و أصورة المسك ، فما كان أعجب أن يحيلها تلة ليها ينعب الغراب ، وتقوم مدفنة البين والفراق .ولم يكن ممن يسوغون أفعالهم بأسباب يبتدعونها من خارج الواقع ، فلقد صرح دون مواربة أنه لا يريد أكثر مما صنع ، وكفاه أنه كلمها ، وأشبع رغبته من الحديث مع الحسناء الرقيقة ، وقضى إربه من رؤية شفتيها تنطقان عن مثل عقد الجمان و هما تنفتحان لتقولا له بصوت يحاكي ناياً مسحورا : أحبك ، ولم يستجب لها على أنها بكت ..... و تألمت .... ورجته ....... و استعطفته ألا يتركها وحيدة في أرض خربة بلقع ، تسفيها الرياح من جنوب و شمأل ، وهي تنادي حبها الذي استسلمت له ، فلما حسبت أنه صار لها مضى مسرعاً كطير يلحق إخوانه المهاجرين في أوائل الشتاء .


    و بعد أشهر قليلة بدأ الندم يظهر عليه ، لكن دون أن يصرح به ، وكنت ألمحه يتأمل بها و هي سائرة في طريقها تأملاً ملؤه حزن و أسى ،فيما كانت هي قد تجاوزت ما حل بها ، وباتت عليها علائم قوة لم تكن من قبل ، فأخذت خطواتها تتسارع ، و جسمها يزداد رشاقة ، وغابت مسحة البراءة التي كانت تكسو وجهها لتؤول مسحة من جد و صرامة .


    بعد لواذ خمسة أعوام على الحكاية ، كنت عائداً يوماً إلى بيتي فوجدت مقابلي في الحافلة فتاة على غاية من الأناقة و الجمال كادت تذهب بلبي ، ولما طلبت النزول وجدت نفسي أتبعها مسلوب الإرادة كأنما تقودني قوداً وهي صاعدة في طريق الشارع الذي شهد القصة القديمة ،فيما أنا مأخوذ بفتنتها التي لم أر مثلها، وبشعرها الأسود المنسدل وراء شعرها كليل شاعري ،فجعلني أنسى أين أنا بل من أنا .


    ولما دخلت البناء صحوت إلى نفسي و استعدت ذاكرتي ، فإذا البناء بناء تلك الفتاة ، و إذا لها هيئة تشبهها .... بل ...... بل هي نفسها .


    مضيت مسرعاً إليه ، وقصصت عليه ما رأيت ، فلم يزد على أن ابتسم ابتسامة مشبعة بالمرارة ، ثم قال :إنني ما زلت إلى اليوم أقصد شارعها صباحاً ، وأقف لأتأملها عند ذهابها إلى جامعتها ، وقلبي يتطاير شعاعاً لهفة عليها ، فيما هي لا تأبه لي ولا تلتفت ، فقد نسيتني و ما عاد يمكن أن تفكر بي وبمن هو مثلي ....قد ضيعتها يا صديقي ...ومن ضيع فرصة مثلها ما له إلا أن يعيش في ذكراها ، لأن الدهر عادة لا يجود بمثلها إلا مرة واحدة في العمر ولا يكررها ... فلات ساعة مندم .


    أنت رأيتها ليوم يا صديقي ، أما أنا فأجد نفسي موزعاً بين عذابين ، فلا أملك ألا أراها ، وحين أراها أجد من الحسرة ما يجعلني أشيب في غلواء الشباب ، فاعرف مصيبة من يستهتر بالحب و يلعب بمشاعر غيره يوماً ، كيف يجد نفسه متمرغاً على تراب أعتابه من بعد ....دون أن يلقى المجيب .
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله نفاخ ; 19/04/2010 الساعة 10:02 AM
    ربما عابوا السمو الأدبي بأنه قليل ، ولكن الخير كذلك . وبأنه مخالف ، ولكن الحق كذلك ، وبأنه محير ، ولكن الحسن كذلك، وبأنه كثير التكاليف ، ولكن الحرية كذلك
    إمام الأدب العربي (الرافعي)
    رد مع اقتباس  
     

ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •