احمد النظيف - خاص عربي برس
"إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة فاعلم أنه لص" - حديث -
لعبت مدرسة علماء السلطان دورا كبيرا في تاريخ العالم الإسلامي منذ ظهورها في منتصف القرن الأول للهجرة على أيام سلاطين بني أمية و حتى أيام الثورات العربية القائمة هذه المدرسة التي ارتبطت بمفهومي التبرير و التشريع لتجاوزات الحكام على المستوى الداخلي بقمع كل صوت مخالف و حرمانه من الجنة في مرحلة أولى ثم إخلاده في الجحيم في مرحلة ثانية أو على المستوى الخارجي بتأييد التدخلات الاستعمارية و معاهدات الصلح المذلة .ولعل كل تجارب تحالف الديني بالسياسي في التاريخ كانت خيارات وقتية أو ثانوية بالنسبة للحكام غير أن تجربة تحالف أل سعود و كهنة المذهب الوهابي تعد تجربة استثنائية تجاوزت التكتيك لتصبح ترابط استراتيجي حيوي أي لا بقاء للوهابية بدون ال سعود والعكس صحيح في صورة مماثلة لتحالف الكنيسة مع في أوروبا في العصر الوسيط .ليفرز هذا التحالف كيانا سياسيا قائما على شرعية لاهوتية و يلعب أدوارا خطيرة في المنطقة العربية و الإسلامية منذ نشأته، ولا يزال كذلك معتمدا خيار التستر بالإسلام لضرورات التحصين الداخلي خاصة مع توفر رمز مقدس ( الحرمين) يزيد من فرص التضليل والمناورة و خيار أخر وهو الارتهان للأجندات الأنقلو - أمريكية لضرورات التحصين الخارجي .ثنائية التستر و الارتهان هذه تحمل داخلها مفارقة كبرى من الناحية الشرعية تبددها في أذهان الناس مؤسسة دينية ضخمة بسلاح الفتاوى العجيبة و تستنجد في ذلك بسطوة قداستها على عقول البسطاء من أبناء الأمة و بتغير مسار اهتمام المتلقي من القضايا الجوهرية (العراق- فلسطين- فساد الأمراء- القواعد الأمريكية - التطبيع مع الصهاينة ....) إلى قضايا هامشية تافهة (إرضاع الكبير – السحر – قيادة المرأة للسيارة...). مؤسسة تأسست في نسختها المعاصرة على أيام الملك عبد العزيز الذي جمع من حوله العشرات من حملة الفكر الوهابي التقليدي وعلى رأسهم أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب و الذين يحملون لقب أل الشيخ ليعزز بهم سلطانه على منطقة نجد والحجاز وعسير .تفكيك المؤسسة الوهابية السعودية
بعد أن تولى الملك فيصل بن عبد العزيز(1906- 1975) وهو الابن الثالث من أبناء الملك عبد العزيز الذكور من زوجته الأميرة طرفة بنت عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ أي انه حفيد أل سعود من جهة الأب و الوهابية من جهة الأم عمل على تقوية المؤسسة الدينية الرسمية و جعلها ذراعه القوية في معاركه الداخلية ضد الطامعين في العرش من إخوته و معاركه الخارجية ضد المشروع الناصري الوحدوي خاصة وانه كان يحمل طموحات إقليمية كبيرة بدعم من الولايات المتحدة الأميركية مستغلا أكذوبة التضامن الإسلاميفعمل جاهدا على تقوية شيوخ الوهابية من خلال ترتيب البيت الداخلي للمؤسسة الدينية و إحداث هياكل واضحة المعالم تخرجها من طور العمل التقليدي إلى التخصص فكان بعض هذه الهياكل يعمل على المستور الداخلي وبعضها الآخر يحاول تصدير الفكر الوهابي للوقوف في وجه المد الناصري الذي اجتاح العالم العربي آنذاك و بذلك تأسست هيئة كبار العلماء و هيئة الدعوة و الإرشاد وهيئة القضاء الأعلى و الشرطة الدينية المعروفة باسم هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر أما على المستوى الخارجي فقد تأسست رابطة العالم الإسلاميو الندوة العالمية للشباب الإسلامي و هيئة الإغاثة العالمية ليتأسس بذلك فاتيكان الوهابية كما سماه المنظر الجهادي عمر عبد الحكيم ( أبو مصعب السوري )معتمدا على أموال النفط – البترودولار- و الإعلام النفطي صاحب الميزانيات الخيالية في دعم هذه الهياكل إضافة إلى استغلال المرجعيات الدينية للحرمين و ما مارسته هذه المؤسسة من ضخ ملاين النشرات و الكتب تحت شعار يهدى و لا يباع و التي كانت بوق دعاية للمذهب الوهابي هذا عدى أنها إشترت ضمائر العشرات من المثقفين و الكتاب العرب (مثلا أدونيس الشاعر الحداثوي يعتبر محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية مفكر تنويري..). و مع مرور الوقت ازداد انحراف هذه المؤسسة خاصة على عهد المفتي عبد العزيز بن باز و ابن العثيمين حيث شكل هذا الثنائي غطاءا فقهيا لملف الخيانة السعودي في اخطر المراحل التي عاشها العالم العربي (حرب الخليج – اتفاق أوسلو- الحرب على الإرهاب....) وتواصل هذا الانحراف بعد رحيلهما ولا يزال الحبل على الغالب حتى كتابة هذه الأسطر مع اللاحقين من تلاميذ مدرسة علماء البلاط.الجزء الثاني وقائع سنوات الخيانة – الملف الأسود)