كانت الشمس ترسل أشعتها الحارقة وهو يسير بخطوات بطيئة بفعل الإنهاك والتعب الذي أصاب جسده , تقدم إلى الحاجز العسكري الذي انتصب منذ عشرين سنة ,تقف عنده تلك الوجوه القبيحة من ( اشكناز وسفارد ) التي لوثت أرضه, كانوا مشردين في العالم بعضهم يلبس اليرملك والقلنسوة ,تزداد صورهم الكريهة في خطف بصره عندما يجتاز هذا الحاجز , الذي فقد عنده كرامته عندما ضاعت الأرض ولا زال حتى الآن يتجرع الذل والإهانة .
يأتي دوره فيصرخ في وجهه الجندي الوقح تقدم بسرعة ,
ــ لماذا عدت ؟
ــ إنني أعود لوطني .
ــ وطنك .... يضحك ويقهقق .... هذا (يهودا والسامرا) ,
ــ كيف تسميها وطنك ؟
بلع ريقه والعرق ينزف من وجهه وراحت الذاكرة تشتعل في رأسه , رحمك
الله يا أبي .
سوف أتذكر كلماتك وأنت تلفظ أنفاسك الأخيرة .
ــ لقد تشوه التاريخ يا ابني عندما استوطن هؤلاء أرضنا , ولن نعيش في عزة
وكرامة حتي يأتي من يكنسهم منها ,فغرقت في التمني , ورحت أقول عسى ان يكون هذا قريبا يا أبي ,
ــ احضر أمتعتك هنا , أخذ الجندي القذر يبعثر أمتعته هنا وهناك وهو يقول
ــ ماذا أحضرت هذه المرة ؟
ــ ما هذه الألعاب ؟ أنها لأطفالي ,
أخذ الجندي هذه الألعاب وأخذ يجرب بعض منها وهي عبارة مسدسات صغيرة
انك تدرب أطفالك على قتالنا . رمى اثنين منها في الأرض بقوة وداس عليها حتى تكسرت و تهشمت نظر إليهما بحسرة , وأخذ يردد في داخله ,كم انتم جبناء ؟
جمع أمتعته والجندي الوقح ينظر إليه وهو يضحك ويقول
ــ في المرة القادمة عليك أن تحضر لأطفالك ألعاب أخرى ,
سار مع الجميع حتى اجتاز الحاجز , ونظر حوله فوقع بصره على ذلك الشيخ الكبير الذي أنهكه التعب من السير والانتظار . فتقدم إليه كي يساعده لكنه رفض
ــ وقال له : مازلت قوياً , يجب علينا عدم الخنوع أو الخضوع يا ابني مهما طال الزمن . احتضر اليأس في نفسه وواصل السير .