على مدى ثلاث ليال، احتفت نيويورك أواسط الشهر الماضي بأدونيس، في عيده الثمانين الذي تزامن مع صدور ترجمة جديدة لقصائده إلى الإنكليزية عن مطبعة «جامعة ييل»، تحت عنوان «قصائد مختارة» (نقلها إلى الإنكليزيّة الشاعر والأكاديمي الليبي خالد المطاوع). وسبق وصول أدونيس إلى نيويورك مقابلة طويلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» على طريقة المقابلات التي تسبق زيارات الرؤساء والملوك. في نيويورك، قدم أدونيس ثلاث أمسيات قرأ فيها مختارات من قصائده.
الأمسية الأولى أقيمت في 92y، وهو مركز ثقافي يهودي يحتضن نشاطات ثقافية واجتماعية. ثم حلّ «مهيار» ضيفاً على المركز الثقافي العربي الوحيد في نيويورك، وهو مركز «ألوان للفنون» الذي أسسه ويديره أحمد عيساوي. هناك، امتلأت القاعة بالحضور. وقد أطلق صاحب «مفرد بصيغة الجمع» بعضاً من مواقفه المعهودة عن تخلف العرب التي لم ترق الجمهور العربي. إلا أنّ هذا الأخير أيّد نظريته لأنّها تتعلّق بالوضع السياسي البائس في الدول العربية، بينها قضايا الحرية الإبداعية، والفساد والدكتاتورية. ورأى أدونيس أنّ اللغة العربية بخير، إلا أنّ العقل العربي المتخلف هو المشكلة الحقيقية. ثم تطرق إلى العولمة، ورأى أنّ من يحاربونها في الوطن العربي هم أكبر المستفيدين منها. لكنّ نظرته إلى العولمة كانت في بعض نواحيها تبسيطية، خلطت بين استيراد النظم السياسية والفكرية والاقتصادية والثقافية أو فرضها على دول العالم، وبين استيراد السلع والبضائع الاستهلاكية.
أما ندرة الأدب العربي المترجم إلى اللغات الأجنبية، والإنكليزية خصوصاً، ففسّرها الشاعر بالعنصرية الغربية نحو كل ما هو عربي. ولعل أبرز ما قاله أنّه يثق بالمستقبل العربي. إذ رأى أنّه رغم التطور الغربي والتفوق الحالي، إلا أنّه أينما حلّ في الغرب، يشعر بأنّ تلك البلاد هرمة متعبة ليس فيها حياة. في حين أنّه يشعر في البلاد العربية بروح وثابة من الشباب، مضيفاً أنّ المستقبل هو للشباب العربي، لكن ما يحتاج إليه هو نافذة من الحرية للخلق والإبداع.
أمسية أدونيس الثالثة والأخيرة في نيويورك كانت في المقر الجديد لـ«بيت الشعر» الذي ضاقت قاعته بالحضور. هكذا، اضطر كثيرون إلى متابعة الأمسية عبر شاشة في الطابق الثاني من المركز الجميل والمشرف على نهر الهدسون على بعد خطوات من مركز التجارة العالمي أو ما يسمّى حالياً «النقطة الصفر». وكما في أمسيتيه السابقتين، قرأ أدونيس من أشعاره، لكن هذه المرة من قصيدة واحدة هي «قبر من أجل نيويورك». وخلال الأمسية، رأى أنّ في العالم إمبريالية فكرية فرضها الغرب، ما جعل الشعراء ينسون باقي العالم. ورأى أنّ كلمة عرب لا تدل على جنسية، بل على لغة يستعملها كل العرب للإبداع. وعمّا إذا كانت حياته خارج سوريا قد أسهمت في فهمه اللغة والأدب الغربيين، أجاب خاتماً: «أنا مقتنع أكثر من أي وقت مضى بأنّ الآخر هو أنا، وأنا هو الآخر».
الأخبار اللبنانية
الثلاثاء ٣٠ تشرين الثاني ٢٠١٠