Results 1 to 2 of 2

Thread: الله في فكر الفيلسوف الهولندي باروك سبينوزا

Hybrid View

Previous Post Previous Post   Next Post Next Post
  1. #1 الله في فكر الفيلسوف الهولندي باروك سبينوزا 
    المدير العام طارق شفيق حقي's Avatar
    Join Date
    Dec 2003
    Location
    سورية
    Posts
    13,621
    Blog Entries
    174
    Rep Power
    10
    الله في فكر الفيلسوف الهولندي باروك سبينوزا

    «



    الله في فكر الفيلسوف الهولندي باروك سبينوزا
    بقلم يوحنا بيداويد
    ملبورن- استراليا
    20/9/2010

    ينحدر اصل الفيلسوف الهولندي باروك سبينوزا (1632 – 1677) من عائلة يهودية مهاجرة من اسبانيا في القرن السابع ميلادي. في بداية دراسته انكب على دراسة الكتب التاريخية والدينية لبني قومه واظهر نباغة عالية في فهم مواضيعها، مما جعل كبار الكنيست اليهودي ان يعلقوا امالا كبيرة عليه، حيث توقعوا ان يصبح علامة كبيرة في تاريخ الشعب اليهودي المضطهد والمهاجر بين دول العالم في حينها. لكن بعد ان هضم الكتب الدينية اليهودية وتاريخها واطلع على افكار الفلاسفة اليهود الكبار من امثال ابن ميمون وليفي بن جيرسن وابن عزرا وكتب ابن جبريل الصوفية، تأثر اخيرا بفكرة الحلولية التي كانت عند موسى القرطبي، الذي ادعى وحدة الله والكون المادي، فرشقه مجمع الكنيست اليهودي بالحرم بعد ان فشلت كل المحاولات معه ان يعود عن ضلاله (1). طرده والده من البيت وصلى الجموع المؤمنة في الكنيست وطلبوا من الله انزال الللعنات عليه، ومقته المسيحيون من البروتستانت والكاثوليك على الرغم من ان معظم فلسفته كانت حول الله، اما ارثذوكس اعتبره هرطوقي. اما صديقه الفيلسوف الالماني لبينتز الذي كان مدين الكثير، ابعد نفسه منه ولم يذكره بكلمة من مدح له.

    لكن هذا الفيلسوف لقد اظهر قوة تحمل منقطعة النظير، حيث تحمل الانسلاخ من بين قومه ومقاطعتهم له تماما، فعاش وحدة قاتلة بلا رحمة حينما وجد نفسه مطرودا حتى من بيت ابيه وعائلته، لقد لاقى ضربتين متتاليتين في وقت واحد، وهي فصله عن بني قوميه ومجتمعه وخسارته لعقيدته الدينية. فشبه الكاتب والمؤرخ الكبير الامريكي ول ديورانت حالته كمن تُجرى له عمليتين جراحيتين في ان واحد.

    قضى ثلاثة وخمسين سنة من عمره في حياة بسيطة جداً، حياة متقشفة في طعامه وملبسه. يقال ان بعد رفض التراجع عن افكاره الفلسفية تمت محاولة القضاء عليه، لكنها فشلت فاضطر الى تغير اسمه من باروك الى بندكت والتنقل من امستردام الى هوكو، والعيش بقرب من عائلة مسيحية التي كانت تساعده وتعد له الطعام. اثبت طوال عمره ان المال لا يؤثر عليه على الرغم من فقره وملابسه المهلهلة احيانا.

    في احدى المرات زاره احد اعضاء مجلس الشورى حينما وجد ملابسه مهلهلة، لامََهُ كثيرا على ذلك وعرض عليه ثوبا جديداً، فاجبه سبينوزا: " ان الثوب الجميل لا يزيد من قدر الرجل، ثم اضاف من غير معقول ان نلف الاشياء الزاهدة بغلاف ثمين". وقد زاره ورساله الكثير من المشاهير والشخصيات السياسية ، ففي احد المرات عرض عليه التاجر الهولندي الغني انذاك ( سيمون دير فري) مبلغ الف جنيه كهدية منه، لكن سبينوزا رفضها واقنعه ان يترك ثروته لاخيه الفقير عوضاً ان يعطيها لشخص غريب مثله.
    كل من عرفه عن قرب احبه على الرغم من فكره الهرطوقي الملحد،اما الحكومة الهولندية كانت متساهلة مع ارائه اللاهوتية الحديثة.

    كتبه هي :-
    1- كتاب تحسين العقل 1665
    2- الاخلاق مؤيدة بالدليل الهندسي 1665 لكن نشر عام 1977
    3- مباديء الفلسف الديكارتية 1667
    4- رسالة في الدين والدولة 1667
    تم نشر الكتاب الثالث والرابع في عام 1970 بعد مماته بثلاث سنوات ووضعت في قائمة السوداء فورا. مما استدعى ان يتم نشرهما تحت اسماء مختلفة او مستعارة.


    يقول الكثيرون، لقد بالغ البعض في مدحه، لكن في الحقيقة هو فيلسوف نادر يستحق التقدير بكل جدارة، حينما كان يعيش البعض اعتبروه ممارس السحر. من خلال كتبه الاربعة تطرق سبينوزا الى اللاهوت والله والميتافيزيقية ثم عرج الى السياسية وعلم النفس واخيرا صب فكره في القيم الاخلاقية التي عدها مهمة جدا للمجتمع الانساني.

    في النظام السياسي:
    كتب رسالته في الاعوام الاخيرة من حياته. اتبع نظام الذي وضعه الفيلسوف الانكليزي توماس هوبز على الرغم من التناقض الكبير بينهما، والذي يعتمد على القانون الذي تشرعه سلطة البلاد المنتخب ديمقراطياً، فكل ما هو مخالفا لهذا القانون هو شرا وكل ما هو مطابقا له فهو مفيدا. ففي افكاره انتعشت امال الديمقراطيين والاحرار في هولندا في ذلك الوقت، يُقال منها استقى جان جاك روسو الفرنسي افكاره التي تغذى بها شباب الثورة الفرنسية في بداية القرن التاسع عشر.

    بالنسبة لسبينوزا يرى الفلسفة السياسية تنبع من الاختلاف في النظام المولود من الطبيعة العمياء وبين الاخلاق النابعة من الشعور بالمسؤولية بعد انتظام المجتمع. فيقارن بين المجتمعات البدائية ويقول : " لم يكن هناك خير وشر ويشك بوجود مفهوم الفضيلة عندهم ، فالقانون السائد كان قانون االقوة او الغابة" .
    في تعليق جميل له حول دور قانون الطبيعة في الحياة الاجتماعية يقول : " ان قانون الطبيعة وشريعتها لا يقيد رغبات الانسان ولا يعارض الصراع بين الناس، ولا يمانع الخيانة والبغض والغضب او اي شيء ترغب النفس فيه"


    الفلسفة الميتافيزيكية وهوية الله :
    ربما يكون اكبر اثر تركه سبينوزا هو في فلسفته الميتافيزيقية، فالكثير من المعلقين والمفكرين يدرجونه في قائمة الملحدين و من مدرسة الحلولية. فهو يتفق مع الفيلسوف الاغريقي بارمنداس بان الوجود واحد، وانه هناك مادة واحدة في الكون التي هي الله او الطبيعة. لايوجد اي مواد دقيقة حسب النظرية الذرية لديمقريطس تملء الفراغ. وهو عكس ديكارت الذي قسم الوجود الى ثلاثة طبيعات المادة والروح والله. كان اهتمامه منصب في مفهوم الله اكثر من العقل والمادة، مادام الله هو خالق كل الاشياء وكذلك له القدرة على ازالتها الى العدم، لكن تفسيره يختلف كليا عن تفسير الفلاسفة الاخرين عن تدخل الله في الطبيعة بحيث يجعلك ان تفهم بان الله و الطبيعة شيء واحد كما هي الفلسفة الحلولية. فمن هنا نبعت الفكرة بأنه من المدرسة الحلولية.

    هناك ثلاث مصطلحات مهمة في فلسفة سبينوزا هي:-
    الجوهر : يعني به الحقيقة الثابتة التي يرتكز عليها بناء العالم والمتمثلة بالقوانين التي تُسير الطبيعة.
    الصفة : يعني بها مظهر من مظاهر الحقيقة او الجوهر غير المتناهية كالامتداد او الفكر.
    العرض: يعني بها الشيء المجسم او اي فكرة او حادث ، وجوده وقتي لكنه زائل وغير ثابت. فأنت وجسمك وفصيلتك ونوعك كواكبك وكل الاشياء المحيطة بك هي صور واشكال وهيئات زائلة (اعراض) لحقيقة ابدية خالدة، ثابتة، غير متغيرة تقع وراء هذه الاشياء وتحتها. (يشبه تصوره هذا ما ذكره افلاطون في نظريته المثل ).

    كيف يفسر سبينوزا الحقيقية التي تقع تحتها كل الاشياء؟.
    إن جواب هذا السؤال يشكل قلب الفلسفة باروك سبينوزا. الحقيقية عنده تعني الجوهر كما قلنا، ولكن لا تعني فقط المادة التي لها الكتلة او الجسم الذي يكون الشيء منه ، كأن نقول الخشب مادة الكرسي. من خلال شروحاته يصل القاريء الى نقطة يفهم ما يعنيه سبينوزا بالجوهر هو النظام الشمولي الابدي المعروف وغير المعروف لهذا الوجود.

    يعني سبينوزا دائما بكلمة الجوهر الطبيعة والله معاً. فهو يتصور ان الطبيعة والله هما وجهان لنفس الصفحة. فيرى هناك طبيعة فعالة لها القابلية للخلق والابداع وهناك الطبيعة المخلوقة التي تشكل عالم المادة وما تحتوي من المخلوقات مثل الغابات والهواء والماء والنهر والنبات كل الاشياء الموجودة في الطبيعة. هكذا يصل الى المرحلة النهائية ليرى الكون والطبيعة ( الطبيعة هنا لا يقصد بها الطبيعة المادية فقط وانما كل شيء له وجود من جوهر وعرض وصفة) كلها تشكل الجزء الفعال (اي قوة فاعلة) التي يسميها الله وفيها اشياء مخلوقة وهي اعراض الاشياء او المواد الموجود في العالم.

    فإذن سبينوزا ايضا كالافلاطون يرى ان في الوجود شيئان هما الجوهر والعرض، الجوهر يمثل الحقيقية الابدية، والعرض هي الاشياء الطارئة الزائلة ولكنهما في ارتباط شديد مع بعضها بحيث كل جزء من العرض هو نتيجة لارادة او خلق الجوهر.
    لكن سبينوزا في شروحاته رفض الاتهام الذي وجه اليه من كل الجهات بأنه حلولي، لا سيما من رجال الدين اليهودي لانه يقول ان الطبيعة المادية والله شيء واحد. وانما يعني ان كل الاشياء تتألف من طبيعة الله الخالدة اللانهائية كما ينشأ من طبيعة المثلث ان زوايا الثلاثة تساوي 180 درجة. إذا الله هو السلسلة السببية الكامنة وراء كل شيء ، وهو القانون الذي يركب العالم والاشياء. ويضرب سبينوزا مثالاً اخر فيقول : " فتشبه العلاقة بين هذا الكون المتماسك من الاعراض والاشياء مع الجوهر(الله) بمثابة الجسر الذي يعتمد وجوده على تصميمه وبنائه وتركيبه والقوانين الرياضية والميكانيكة التي اعتمد عليها مصممه" ؟؟؟
    اذا الاستنتاج الاخير من فلسفة سبينوزا هي ان القوانين الموجودة في الكون وارادة الله هما شيء واحد.

    المادة والعقل ليس شيء واحد عند سبينوزا. فهو لم يتبنى فكرة ديكارت (2) الذي فصل المادة عن العقل في الطبيعة ووضع سلطة الله فوق الاثنين ولا عن ما يربط الفكر والامتداد؟
    بالنسبة له الفكر والامتداد هما صفتان لله . وإن الله غير محدد، لا متناهي، وكذلك صفاته غير منتهية، لانعرف عنها اي شيء، كل الذي نعرفه عن الله هو طريق الارواح المنفردة والقطع المادية المنفصلة التي ليست اشياء وانما مواضيع عن الله نفسه، لايوجد خلود للروح الانسان كما هي في المسيحة وبقية الاديان، لكن هناك هناك رغبة للاندماج والاتحاد اكثر فأكثر مع الله. الاشياء المحددة معروفة عن طريق حدودها المنتهية او عن طريق الظواهر الطبيعية او عن طريق المنطق .

    سبينوزا لا يرى الله شخصا كما تصوره لنا الكتب الدينية، كما شرح موضوع الخير والشر والجمال والقبح ووضح انها تعابير انسانية نسبية لا تمت للحقيقة باي شيء لذلك ان شخصية الله ليست كما يتصور الانسان انها تسمع او تتكلم او ترى.
    ويضرب مثلا مرة اخرى فقال: " لو كان بمستطاع المثلث ان يتحدث لقال ان الله مثلث الاضلاع مثله ، وقالت الدائرة ان الله دائري الشكل مثلي !) هكذا يريد سبينوزا ان يرجع كل الصفات الحقيقية الى الله نفسه

    الحرية:
    يظن سبينوزا كل شيء في هذا الكون يجري تحت نظام منطقي دقيق، لذلك لا يوجد مجال لوجود حرية الفرد (الاختيارية) كما يبدو لعقلنا، كل شيء يحدث في الطبيعة هو اتي من احدى طرق تدخل الله الخفية في الطبيعة ولهذا من المستحيل منطقيا حدوثها بطريقة مغايرة. من هنا يكون موضوع الخطئية والخير والشر هو موضع الشك.

    الخير والشر:
    سبينوزا لا يتفق مع تعاليم الدين اليهودي او اي ديانة اخرى في تفسير مفهوم الخير والشر، ويرى ان ما تظنه شرا لنفسك قد يكون خيرا لشخص او مجموعة اشخاص اخرى، فإذن الخير والشر هي قيم نسبية اعطاها الانسان للمواضيع العامة حسب فائدته او مضرته منها.

    القدرية:
    بما ان كل شيء يحدث هو نتيجة لتدخل الله بصيغة او اخرى، اذن العالم جبري وليس
    مقصودا، اي ان العالم مجبر على ان يسير في طريقه، لانه هناك قانون تسوقه ، ولاننا نفهم الامور بغايات ونفسر كل الامور تجري كأنها تتأثر بنا او بمصلحتنا لكن في الحقيقة هذه النظرة قاصرة عن معرفة الحقيقية، فالعالم كله متكامل متحرك بصورة شمولية لهذا فإذا مصطلح الخطئية يفقد معناه ويصبح غير موجود اصلاً، لانه كل الاجزاء تتحد بقانون او الارادة الشاملة من النظام الكلي.

    كتاب الاخلاق:
    كان شرحه معتمد على المنهج الهندسي في الشرح والبرهان، فكانه يتحدث عن السطوح والمساحات والخطوط والاجسام الهندسية والبديهيات الاقليدية. فكل مقطع تراه يضع تعاريف وبديهيات و جمل تعليمية مع براهين ثم يخلص الى النتائج واحكام مساعدة وملاحظات واخيرا المسلمات. اراد سبينوزا التخلص من النظام الغائي (ما يجلب النفع) للانسان ( اي كل شيء في الطبيعة هو خلق كي يخدمهم ويجلب لهم نفعاً) وايجاد معيار اخر للحقيقة .
    قسم كتابه في الاخلاق الى خمسة مواضيع مهمة هي ( الله، النفس وطبيعتها واصلها، الانفعالات، عبودية الانسان واخيرا قوة العقل وحرية الانسان)
    في الموضوع الاول خلص الى نتيجة مفادها : " اذا كان تصور الله خاطئاً، فإن صورة الانسان لا يمكن ان تكون صحيحة" فالله بحسب تعريفه " هو الجوهر الذي لا يحتاج الى جوهر اخر مشتق منه " وكان تعريفه هنا مشتق المبدأ الاول في تثليث الفيلسوف الكبير افلوطين.

    العقل والاخلاق :
    انواع القيم او الاخلاق هي ثلاثة حسب طريقة او اسلوب تطبيقها والغاية من منها.
    اولا- الاخلاق الانسانية اللينة التي هي التواضع والتسامح والتضحية من اجل القريب هي اخلاق الموجودة في الديانة المسيحية والبوذية وتميل الى النظرة الديمقراطية في ادارة الحياة.

    ثانياُ – الاخلاق التي تعتبر الفضلية تنبع من استخدام القوة، (المبدأ الذي اتى به فيما بعد نيشته وقبله ميكافيلي ). وهي عكس المجموعة الاولى وفيرى ان المبدعين والعباقرة يخسرون فرصتهم في الوصول الى هدفهم.

    ثالثاً- الاخلاق المستمدة من المعرفة الحقة التي نادى بها فلاسفة العظام للاغريق من ارسطو وافلاطون وسقراط وغيرهم. لان من خلال المعرفة يمكن اتخاذ القرار الصائب حسب الحاجة.
    لكن سبينوزا حاول ايجاد حل توفيقي بين النظريات الثلاثة في الاخلاق. فهو لايريد معارضة الطبيعة التي هو مؤمن بانها حقة لان منبعها من الجوهر، ولانه يجري فيها القانون الشمولي الاعم الذي يمثل الله او الجوهر نفسه، لذلك يكرز جهوده على الدفاع عن الذات وعدم التضحية بها من اجل الاخرين، فهو يراها كقانون طبيعي بان الذات تدافع عن ذاتها بصورة غريزية دوما. لكنه لا يبتعد كثيرا عن تعاليم المسيح ، فهو يجعل من الفهم مفتاح لحل كل المشاكل كما في لدى فلاسفة الاغريق، لكن في نفس الوقت يتفق مع نيشته بأن التواضع لا يخلق الا الضعف والتشاؤوم الشقاء وانحطاط الذات . فهو يؤمن يجب العيش بحسب الرغبة او الانانية المزروعة طبيعيا في الانسان، يجب ان يدافع عن ذاته والا لن يكن هناك من يدافع عنه.

    نظريته في المعرفة:
    بما ان الصفات الحقة هي حالات من صفات الله، لذلك ان افكار النفس الانسانية تكون صحيحة اذا ما تم تنسيبها الى الله، لان كل فكرة حقة ( افكار الحقة هي الافكار التي لا تحتاج الى البرهان بل واضحة ويقينية بموجب الواقع) هي عائدة الى الله.
    هناك ثلاث انواع من المعرفة وهي :
    1 - المعرفة الحسية الناتجة من الانفعالات التي تعطي صورة لمفهوم النوعي غير المنظم ، لذلك يمكن ان تكون خاطئة وغيركاملة او حقيقية.
    2- المعرفة العقلية وهي معرفة ناتجة من استدلالات تتعامل مع مفاهيم العامة.
    3- المعرفة الحدسية تقوم على معرفة العلاقة القائمة مع المطلق.

    انفعالات الانسان:
    تطرق سبينوزا الى هذا الموضوع باسهاب في الفصل الثالث من كتاب ( الاخلاق) ،
    فخلص الى وضع مبدأ رئيسي مهم وعده المبدا الاول او الرئيسي " كل شيء فيه نزعة قوية للحفاظ على كينونته الذاتية"
    اما الانفعالات فميز ثلاثة ثلاثة رئيسة منها وهي الشهوة او الغزيزة في حب البقاء ثم الفرح والحزن.

    نقده
    من يقرا تاريخ الفلسفة بلا شك سوف يرى ان المعرفة الانسان هي كالسلم الذي اول من يضع اقدامه على درجاتها هم الفلاسفة والمفكرين والانبياء والمصلحين والعلماء. سبينوزا رغم عمره القصير لكن كان مثالا اخر لسقراط الذي قبل التضحية من اجل كشف الحقيقة او قولها في وجه اصحاب السلطة في زمانه. محاولاته كانت قريبة من المعرفة الانسانية في عصره لكن بالتأكيد حاول دفع غشاء هذه المعرفة درجة اخرى الى اعماق الحقيقة لكشف معنى الجوهر وعلاقته المباشرة بالوجود وظواهره. يصف المؤرخ والفيلسوف الامريكي ول ديورانت موته بخسارة كبيرة منيت بها البشرية عندم توفى هو في الثالثة والخمسين من العمر حينما وصل الى اوج عطائه الفكري للانسانية.

    ...........
    1- عرض الكنيست اليهودي مبلغ الف فلوراس (عملة نقدية في ذلك الزمان) مقابل تخليه عن توجيه فكره الفلسفي الناقد للديانة اليهودية في بداية حياته لكنه رفضها.
    2- تفسير ديكارت لوجود كله: ديكارت فسر وجود العالم كله بطريقة ميكانيكية الية ورياضية. حسب ديكارت ان الله دفع العالم دفعة واحدة كما قال اناكسجوراس قبله بالف سنة، فكل الاجسام عبارة عن الة، ولكن خارج هذه الة يوجد الله، كما يوجد خارج الجسم الروح .

    المصادر:-
    1- د. هادي فضل الله ، مدخل الى الفلسفة، دار المواسم، الطبعة الاولى، بيروت ،2002.
    2- 4 - المطران كوركيس كرمو، الانسان وااله ،الجزء الاول، مؤسسة اورنيت للطباعة والنشر، مشيكان،1987
    3- د. حسن حنفي، نصوص من الفلسفة المسيحية في القرون الوسطى، 2005، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت.
    4- المطران سليم بسترس، اللاهوت المسيحي والانسان المعاصر،الجزء الاول، منشورات المكتبة البولسية، بيروت،1989
    5- د. حربي عباس عطيتو، ملامح الفكر الفلسفي والديني في مدرسة الاسكندرية القديمة، دار العلوم العربية، بيروت، 1992
    6- عبد القادر صالح، العقائد والاديان، دار المعارف، بيروت،2006 ، ص248
    7- - S.E. Ffrost, Jr Basic Teaching of the Great Philosophers, Doubledy, New York,1962
    8- بيتر كونزمان واخرون، اطلس الفلسفة، ترجمة د جورج كتورة، المطبعة الشرقية، الطبعة الاولى،1999 .
    9- 1961 Bettrand Russel, History of western Philosophy, ninth edtition,George Allen & unwin ltd
    10- ول ديورانت، قصة الفلسفة،مكتبة المعارف،الطبعة الرابعة،بيروت، 1979 .

    Reply With Quote  
     

  2. #2  
    المدير العام طارق شفيق حقي's Avatar
    Join Date
    Dec 2003
    Location
    سورية
    Posts
    13,621
    Blog Entries
    174
    Rep Power
    10
    من هو إله سبينوزا الذي يؤمن به أينشتاين بدلاً عن الإله الشخصي أو إله الأديان؟

    جمال علي
    18 أكتوبر 2017



    الإله عند سبينوزا:

    هل يمكن لسبينوزا (1632 – 1677) إلا أن يكون في الصفوف الأولى في معركة الفلسفة الكبرى من أجل الحقيقة؟ لقد وجد سبينوزا نفسه في وسط يهودي محافظ، ونشأ بين أكناف العائلة والجماعة التي كانت أقلية وقتئذ في هولندا، وتربى تربية دينية أظهر فيها علامات الحصافة والنبوغ، لاسيما من خلال المناقشات والمحاججات التي كان يجريها بين يدي أساتذته. درس التلمود والتوراة، ودرس فلاسفة اليهود أمثال موسى بن ميمون وابن عزرا وبعض علماء اللاهوت اليهودي، لقد تزاوج عطش المعرفة في عقل سبينوزا مع توقد العقل، فكان أكبر من أن تضمه طائفة أو أن يحتويه مذهب، لقد طالع سبينوزا أهم النتاج الفلسفي في عصره؛ فقد قرأ فلسفة كل من فرانسيس بيكون (1526 – 1561)، توماس هوبز (1588 – 1679)، رينيه ديكارت (1596- 1650).
    إلا أنه خص هذا الأخير بالعناية والاهتمام حتى أنه عُدّ من الديكارتيين حاله في ذلك حالُ عدد من معاصريه من الفلاسفة أمثال نيقولا مالبرانش (1638 – 1715) وغوتفريد لايبتنز (1646-1716)، كانت قراءات سبينوزا وآراؤه تثير قلق الأوساط الدينية اليهودية المحافظة حتى ضاقت به بعد أن رفض كل محاولات الإغراء، فكانت فتوى الطرد والنبذ واللعنات التي أصدرها الكنيس اليهودي بامستردام في مواجهته في عام 1656، واستتبع هذا الطرد طردا آخر وهو طرد من العائلة والحرمان من الميراث.
    كما نبذه الفلاسفة المتملقين للتيار الديني، وعلى الرغم من أنه كان محسوباً على الديكارتيين، إلا أنه تجاوزهم وذلك بتجاوز ديكارت نفسه، حتى لقد قيل بأنه كان أكثر ديكارتية من ديكارت؛ فديكارت توقف عن تطبيق منهجه عند أعتاب الدين، وكان سبينوزا من الجرأة بمكان أن تجاوز تلك الأعتاب مطبقاً المنهج النقدي والقراءة التاريخية على الكتابات الدينية المقدسة، وقد قيل بأن السبينوزية هي ديكارتية متطرفة، وهذا ما يفسر ردور الفعل المتطرفة حيال سبينوزا وفلسفته، وهكذا كان سبينوزا حراً متخففاً مما قد يبطّئ خطاه في سبيل الحقيقة.
    إلى أي مدى كانت فلسفة سبينوزا وتصوراته عن الإله والإنسان والأخلاق متفردة عن الخطاب والتصور الديني و الفلسفي الشائع وقتئذ؟ وما سر الشعور بالخطر الذي اكتنف التيار الديني الموجود في هولندا والمتمثل في البروستانت والكاثوليك واليهود، أخذا في الاعتبار أن هولندا في تلك الفترة كانت تعد واحة التسامح والحريات مقارنة بفرنسا الكاثوليكية المغرقة في التعصب، وأخذا في الاعتبار أن كثيراً من الآراء التي قال بها سبينوزا لم تكون جديدةً كلياً.
    فعلى سبيل المثال تحدث المتصوفة قبله مطولاً عن واحدية الجوهر والحلول، وآراء جرسونيدس (الحاخام ليفي بن جرشون 1288-1344) الرافضة للمعجزات والخوارق والذي يقدم العقل على الوحي، وابن عزرا (إبراهيم بن منير ابن عزرا 1092-1167) الذي اعتقد بخلود المادة وأنكر الخلق من عدم.
    وكتابات كرسكاس في امتداد الجوهر ورفض العلل الغائية في الكون، و جوردانو برونو (1548 – 1600) واحدية الجوهر وتجانسه و وحدة الروح والمادة، فعلى الرغم أن هذه الآراء كانت موجودة قبل سبينوزا، إلا أن سبينوزا كان بحق الوعاء الذي استوعبها جميعا، ومن ثم قدمها في شكل خطاب فلسفي “متسق” وبمنهجية هي الأجدر على تقريب الإنسان من الحقيقة، والأقوى على حمل الآخر على الاقتناع، أعني بذلك المنهجية الرياضية/الهندسية، إذاً فالفارق في حالة سبينوزا يتمثل في ثلاثة عناصر وهي جُرأة المضمون، وحداثة المنهج ، وقوة الاتساق. وهذه العناصر بالتحديد هي التي ميزت آراء سبينوزا عن المتصوفة.
    يعد كتاب سبينوزا “الأخلاق مبرهناً عليها على النهج الهندسي” رحيق فكر سبينوزا، ذلك أن الرجل بدأ كتابته عام 1663 ولم ينشر إلا بعد وفاة صاحبه عام1977، وما بين الكتابة والنشر كانت المراجعة وإعادة المراجعة والاستماع إلى تعليقات الخواص من الأصدقاء ونقدهم، وعلى الرغم أن سبينوزا أراد نشر كتابه قبل وفاته بعامين وقدمه للمطبعة إلا أنه سمع بأن اتحاد اللاهوتيين أراد أن يصدر فتوى ضده، فسحب الكتاب من المطبعة.
    يحتوي كتاب سبينوزا “الأخلاق”والذي اعتبر “لحظة حاسمة في تاريخ الغرب الفلسفي…” على خمسة أقسام على الترتيب : في الله، في طبيعة النفس وأصلها، في أصل الانفعالات وطبيعتها، في عبودية الإنسان أو في قوى الانفعالات، في قوة العقل أو في حرية الإنسان. وكما يظهر من عنوان الكتاب فإن سبينوزا تبنى المنهج الهندسي في عرضه للكتاب، فهو لا يسترسل في مناقشة مواضيعه؛ وإنما قدمها وناقشها في صورة تعريفات، بديهيات، ومصادرات، وقضايا، وبراهين، وحواشٍ، لقد استفتح سبينوزا كتابه الأخلاق بمقالة عن الإله، مناقشاً فيها تصوره عن الله، وهذه الافتتاحية مهمة لسبينوزا وهي بمثابة تأسيس ميتافيزيقي للأخلاق، لأنها “تبين لنا ما ينبغي معرفته لكي يصبح المشرع الأخلاقي ممكنا”.
    إن تصور سبينوزا عن الإله حتم عليه مفارقة ديكارت في إحدى آرائه الجوهرية، ففي حين أن ديكارت كان يقول بالجوهرين؛ أي أن الكون مكون من ثنائية: مادة/جسم، وروح/عقل، ولكل منها جوهره المستقل وقوانينه النظامية، وأن الأصل فيهما الانفصال إلا أن اتصالهما الظاهر هو اتصال عارض لا أكثر.
    نجد أن سبينوزا يقول بوحدة الجوهر؛ أي أن ثمة جوهراً واحداً فقط، ولهذا الجوهر صفتان/حالان وهما: الفكر والجسد (=الامتداد)، وأن هذا الجوهر هو عبارة عن قوانين أزلية ناظمة وحاكمة لهذا الكون بكل ما فيه، و تتجلى هذه القوانين بمخلف الأشكال المادية في هذا الوجود، فهذه التجليات المادية (=الجسد/الامتداد) مهما اختلفت إلا أنها تعبر عن ذات الجوهر، ومردها إلى قوانين الجوهر المسيرة لها، وأن اختفاء أيٍّ من هذه التجليات لا يعني بالضرورة عدم وجود الجوهر.
    وبهذا الفهم يكون هناك تطابقٌ بين الإله والطبيعة، من حين أن الإله هو ذات الجوهر (=القوانين) المسيرة لهذا الكون، وأن كل ما هو موجود في الطبيعة هو بمثابة ترجمة دقيقة لتلك القوانين (=امتداد)، يقول سبينوزا في القضية رقم (11): “الله ، أعني جوهراً يتألف من عدد لا محدود من الصفات المعبرة كل وواحدة عن ماهية أزليه ولامتناهية واجب الوجود”، أما القضية رقم (15) فتوضح بأن “كل ما يوجد إنما يوجد في الله، ولا يمكن لأي شيء أن يوجد أو يتصور بدون الله”.
    وفي معرض رد سبينوزا على منتقديه في مسألة أن الامتداد الجسماني لا يليق بالله لأنه متناه وغير أزلي، يقول سبينوزا: إن الماء يتكون ويفسد بما هو ماء، ولكنه لا يتكون ولا يفسد بما هو جوهر، وحتى يوضح سبينوزا هذه المسألة بشكل أدق قام باشتقاق مصلطحي “الطبيعة الطابعة” و “الطبيعة المنطبعة”، أما الطبيعة الطابعة فهي ذات الجوهر (=الإله) أي مجمل القوانين الدقيقة المسيرة لهذا الكون، أما الطبيعة المنطبعة فهي التجليات المادية لتلك القوانين (=الامتداد أو الجسد).
    إذاً فإله سبينوزا موجود بدليل وجود القوانين التي تسير وتحكم لأشياء في الكون، وهذه الأشياء كما يشير سبينوزا في القضية رقم (33): “لم يكن بالإمكان أن تنتج عن الله بطريقة أخرى وبنظام آخر غير الطريقة والنظام اللذين نتجت بهما”، وهذه القوانين ليست لها “أي غاية محددة مسبقا وأن كل العلل الغائية لا تعدو أن تكون إلا مجرد أوهام بشرية”، وهذا الأمر يستتبع أن لا مجال إطلاقاً للقول بالبعث والحساب، وإن كان ثمة معنى للخلود، فالخلود بالنسبة لسبينوزا يكون في أن الإنسان ما هو إلا امتداد للجوهر الأزلي الخالد، ولما كان الإله بحسب توصيف سبينوزا “يتصرف بقوانين طبيعته وحدها”، فإنه لا مجال للخوارق أولتعطيل قوانين الطبيعة الناظمة.
    وأن الجهل بالعلل والأسباب وقوانين الطبيعة هو الذي يحمل البشر على تصديق أن قوانين الطبيعة تعطلت استجابة لصلاة أو دعاء؛ ذلك أن الناس “يحكمون على الأشياء وفق استعدادهم العقلي، وإنهم يتخيلونها أكثر مما يعرفونها”، وهذا الأمر ينطبق كذلك على رؤية البشر للخير والشر وللقبيح والحسن، فهم إنما ينظرون إلى هذه الموضوعات كما تبدو لهم هم لا بما هي عليه؛ فهذه الأشياء “لا يكون تقدير ما لها من كمال إلا بالنظر إلى طبيعتها وقدرتها، بمعنى أن هذه الأشياء لا تكون أكثر أو أقل كمالاً لكونها تروق للحواس أو تنفرها أو لكونها تلائم الطبيعة البشرية أو تقززها”.
    إن رؤية سبينوزا للإله تتمثل في “تأليه الطبيعة و تطبيع الإله” وذلك بالمعنى العميق لهذه العبارة لا بالمعنى الشعاراتي، وهذه الرؤية بالذات تجد أرحب قبول من جانب المشتغلين بالعلم الطبيعي، أي بمعنى أن ثمة جوهرا خالدا أزليا، قوانين شاملة لا تتغير ولا تتبدل، وهدف الإنسان كشف هذه القوانين لمعرفة العلل الكامنة، وعندما سئل آينشتاين إن كان يؤمن بالإله، أجاب أنه يؤمن بإله سبينوزا، وقد عرف عنه محبته الخاصة لسبينوزا، لدرجة أن عدداً من دور النشر حاولت مراراً حثه على الكتابة عن سبينوزا إلا أنه كان يرفض في كل مرة.
    الحرية والمسامحة عند سبينوزا:

    يرى سبينوزا أن الحق الطبيعي هو القواعد التي تتميز بها طبيعة كل فرد، وهي القواعد التي ندرك بها أن كل موجود يتحدد وجوده وسلوكه على نحو معين، فمثلاً يتحتم على الأسماك، بحكم طبيعتها، أن تعوم وأن يأكل الكبير منها الصغير، طبقاً لقانون طبيعي مطلق. وأعلى اسبينوزا من قيمة العقل متأثرا بما جاء به ديكارت. وقال بعدم جدوى تحكيم العواطف لما في ذلك من حتمية للوقوع في الخطأ فقال :”الانسان الذي تتحكم به العواطف لا يرى إلا جانباً واحداً من الموقف”.
    الحرية عند سبينوزا:

    يرى اسبينوزا أن الانسان هو كائن بشري يتميز عن الكائنات الأخرى بالعقل وبالارادة وبالحرية، والحرية الفكرية والدينية حق مكفول لكل فرد، لقد آمن سبينوزا بالحرية في كافة مظاهرها وكان فيلسوفاً حراً دافع عن حرية الرأي وحرية الأديان فالمرء يستطيع أن يفكر وأن يصدر حكمه، ويتكلم بحرية تامة بشرط ألا يتعدى حدود الكلام، وأن يعتمد في ذلك على العقل وحده لا على الخداع والغضب والحقد.
    كان سبينوزا في القرن السابع عشر من الذين قاموا بدور بارز في تأصيل التسامح الديني والفكري، ومن أقواله: “ما لا يمكن منعه يجب السماح به”. وهذا المبدأ هو الأهم في شؤون الإيمان والقرار الحرّ، وهو الفضيلة التي لا غنى عنها للتطور والتعايش.
    ويتلخص مبدا الحرية عنده بعدة نقاط هي:


    • يستحيل سلب الأفراد حريتهم في التعبير عما يعتقدون.
    • لا يهدد الاعتراف بهذه الحرية حق السلطة العليا أو هيبتها، ويستطيع الفرد الاحتفاظ بحريته دون تهديد لها الحق بشرط ألا يسمح لنفسه بتغيير قوانين الدولة المعترف بها أو بأن يفعل شيئاً ضد القوانين القائمة.
    • يستطيع الفرد أن يتمتع بهذه الحرية دون أن يكون في ذلك خطر على سلامة الدولة أو ضرر يصعب ايجاد علاج له.
    • لا يجلب التمتع بهذه الحرية أي خطر على التقوى.
    • إن تمتع كل فرد بحريته لا يهدد سلامة الدولة، أو التقوى أو حق السلطة العليا، بل هو بالاضافة إلى ذلك ضروري للمحافظة على ذلك كله.

    التسامح عند سبينوزا:

    التسامح عند سبينوزا هو الاعتراف بحرية الآخر، الدينية والاجتماعية والعقلية. فيقول:”لايتمثل التسامح في اعتبار أن أي رأي صحيح، ولكن الاعتراف بالحرية الكاملة للغير في التفكير بذاته، والتعبير عن آرائه”. التسامح مشروط بالسماح لكل فرد في التفكير والتعبير عن آرائه من جهة، ومحاربة هذه الآراء إن كانت خاطئة ولا تنسجم مع الطبيعة ونظامها من جهة آخرى.
    يجب طاعة الدولة لأنها تمثل الجميع بعد أن فوضوها إما بالضرورة، أو طبقاً للعقل، وأن يلتزم الأفراد بالقوانين لأنها وضعت للمصلحة العامة، ومن المستحيل أن تجتمع الغالبية العظمى على ضلال، فمن واجب السلطة أن تقوم بالمقابل بحماية الناس ورعايتهم وضمان حقوقهم، وحرياتهم. إن من واجب الفرد أن يفعل ذلك إن أراد أن يكون عادلاً تقياً، لأن العدالة تتعلق بمشيئة السلطة العليا وحدها، فمن الفسوق أن يفعل المرء شيئاً طبقاً لرأيه الخاص في هذا المجتمع الكبير ضد مشيئة السلطة العليا التي هو أحد رعاياها، لأنه لو استباح الجميع لأنفسهم أن يفعلوا ذلك لعمت الفوضى، وأدى ذلك إلى انهيار الدولة، والمجتمع والفضيلة.
    هل كنا سبينوزا ملحداً؟

    في مقدمة كتابه علم الأخلاق كتب عن الله وقال أعني بالاله “كائناً لا متناهيا إطلاقا، أي جوهراً يتألف من عدد لا محدود من الصفات تعبر كل منها واحدة منها عن ماهية أزلية لا متناهية”. والجوهر هو ما يوجد وهو علة ذاته، ولا يحتاج لعلة خارجية وهو الواجب الوجود والمطلق والأزلي والشامل، وتكمن الأزمة الحقيقية في أن سبينوزا جعل لإله (صفات غير محدودة) لا يعرف منها سوى صفتي الفكر والإمتداد، وجعل هذه الصفات صفات وصفية وليست أشياء مستقلة بذاتها.
    والإله عند سبينوزا ممتد على نحو عقلي ومجموعة الأحوال الكلية الممتدة ينسب إلى اله والأحوال الجزئية البسيطة لا تنسب إلى اله.
    ونسبة الإمتداد إلى اله هو سبب اتهام سبينوزا بالهرطقة أو الإلحاد، فعندما نتأمل تعريفه للإله ونضيف لهذا التعريف وصفه للإله بأنه ممتد -والإمتداد من صفات المواد- فنحن أمام إله مادي تماما هو علة ذاته، وهو إله غير مفارق لهذا العالم -عكس إله الديانات السماوية- فإله سبينوزا هو الطبيعة إذا نظرنا إليها من ناحية الإمتداد، والطبيعة هي الله منظورا إليها من اتجاه الفكر، والعلاقة بينهما هي علاقة محايثة لا علاقة مفارقة.
    نقد سبينوزا للكتب المقدسة عند اليهود:

    يعتبر سبينوزا من أوائل المفكرين الغربيين الذين تجرأوا على تكذيب التوراة واعتبارها محرفة ومتناقضة وغير منطقية وكاتبها ليس موسى بن عمران النبي، بل هو شخص آخر، واستدل على ذلك بآية في سفر التثنية تقول “في يوم عبوركم الأردن إلى الأرض التي يعطيكم الرب إلهكم تنصبون لكم حجارة عظيمة وتطلونها بالكلس ومتى عبرتم تكتبون عليها جميع كلام هذه الشريعة لتدخلوا الأرض التي يعطيكم الرب إلهكم أرضا تدر لبنا وعسلا، كما قال لكم الرب إله آبائكم).
    وعلق سبينوزا على هذا القول في رسالته عن اللاهوت “نستنتج من ذلك أن سفر موسى الذي كتبه لم يكن من الأسفار الخمسة، بل كان سفرا مختلفاً كلية أدخله مؤلف الأسفار الخمسة في سفره في المكان الذي ارتآه”. يضيف المؤرخ “أن موسى أعطاه الأحبار وطلب منهم قراءته أمام الشعب في أوقات معلومة وهذا يدل على أن السفر كان أقل حجما بكثير من الأسفار الخمسة، إذ كان من الممكن قراءته كله في مجمع واحد بحيث يفهمه الجميع”.
    وكذلك وجه النقد إلى جميع أسفار التوراة وانتهى إلى أن كاتبها شخص واحد وصفه بالمؤرخ فيقول سبينوزا “إذا نظرنا إلى تسلسل هذه الأسفار كلها وإلى محتواها رأينا بسهولة أن كاتبها مؤرخ واحد أراد أن يروي تاريخ اليهود منذ نشأتهم الأولى وحتى هدم المدينة المقدسة لأول مرة، والواقع أن طريقة تسلسل هذه الروايات تكفي لوحدها لإثبات أنها تضم رواية مؤرخ واحد”.
    ويقول سبينوزا: لقد احتفظ اليهود ببقائهم في أوروبا بسبب كراهية المسيحيين لهم ودفعهم الإضطهاد للوحدة والتماسك لاستمرار بقاء جنسهم، وكان من الممكن لولا هذا الإضطهاد دمجهم وسط الشعوب الأوربية عبر الزواج وابتلاعهم وسط الأغلبية الكاسحة من المسيحيين.
    سبينوزا الفيلسوف المركزي في الفلسفة الحديثة:

    لسبيناوزا أهمية كبرى في الفلسفة الحديثة فهو أول من تجرأ على نقد المقدس، وهو التوراة، وعلى التنظير لدولة وطنية تعامل الناس دون النظر لخلفياتهم الدينية أو العرقية، وهو أول حول الفكر الأوروبي عند حديثه عن العلة الأولى للأشياء يتحدث عن الطبيعة كعلة أولى عوضا عن استعمال تعبير الله ذو (الدلالة الدينية).
    وكذلك لسبينوزا دور كبير في هدم فكر الإيمان بالمعجزات وهناك جملة تنسب إلى هيغل فيلسوف ألمانيا العظيم يقول فيها: إما أن يكون المرء سبينوزيا أو لا يكون فيلسوفا على الإطلاق. ولأرنست رينان مقولة قالها أثناء حفل تدشين تمثال سبينوزا في لاهاي “ربما لم ير أحد الله عن كثب مثلما رؤي هنا من قبل سبينوزا! فهذا الشخص الذي اتهموه بالإلحاد كان حتما أقرب إلى الله من معظم رجال الدين في عصره.. وكان في استقامته، ونزاهته، وزهده في الحياة، مثلا أعلى في الفكر الفلسفي).
    كان للفلسفة السبينوزية تأثير كبير في علمنة العلوم التجربية و تحويلها من علوم عقلية إلى علوم مادية.
    ولم يكن فيلسوفا لا أدريا أو ملحدا، فقد كان يؤمن بإله هو علة أولى لهذا العالم وهذا الإله (الطبيعة) يدير هذا العالم بقوانين محكمة مثل قانون الجاذبية الأرضية، ولا نستطيع الكشف عن ماهية هذا الإله إلا عبر هذه القوانيين وبالمختصر، وسبب اتهامه بالإلحاد كما أسلفنا هو نقده للمقدسات اليهودية والمسيحية.
    لقد كان للفلسفة السبينوزية تأثير كبير في علمنة العلوم التجربية وتحويلها من علوم عقلية إلى علوم مادية، فالمادة من بعد سبينوزا أصبحت مع هربرت سبنسر لا تفنى ولا تستحدث من العدم، أي أنها أصبحت علة لذاتها، وجاء البرت أينشتاين في القرن الماضي ليثبت أن المادة نفسها ماهي إلا طاقة مجمدة، وذلك عبر معادلته الشهيرة، وبالتالي تم تعديل قانون سبنسر ليصبح الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، بل تتحول من صورة لأخرى، وهذا القانون الذي يلقن لأي مبتدأ في العلوم التجربية ما كان ليكون لولا سبينوزا.
    ماذا قال بحقه بعض الفلاسفة والعلماء:

    سبينوزا نقطة حاسمة في الفلسفة الحديثة، الرهان هو: سبينوزا أو ليس هناك فلسفة… فالفكر يجب أن يصعد إلى مستوى الإسبينوزية قبل أن يصعد إلى ما هو أعلى منها، أتريدون أن تكونوا فلاسفة؟ إبدأو بأن تكونوا سبينوزيين — هيجل
    أنا مندهش، مبتهج، أنا لا أعرف سبينوزا جيدا، لكن أحس بنفسي منجذبا إليه ليس فقط لأن له نفس إتجاهي… هذا المفكر، غير العادي، والذي كان وحيدا بشدة، قريب لي بشدة — نيتشه
    لا أعرف غير سبينوزا الذي عقل بشكل جيد، لكن لا أحد يستطيع قراءته — فولتير
    أعترف بكل سرور باعتمادي على تعليمات سبينوزا، رغم أنني لم أتكلف عناء الإشارة إليه باسمه — فرويد
    كم أحب هذا الرجل الشريف، وحتى الكلمات تعجز عن ذلك، إنه لم يخش البقاء وحيدا مع هالته المشعة — أينشتاين
    Reply With Quote  
     

Similar Threads

  1. Replies: 0
    Last Post: 23/07/2015, 07:52 AM
  2. سبينوزا و مذهب القبالة ـ ترجمة: عبد القادر ملوك
    By طارق شفيق حقي in forum فسيفساء المربد
    Replies: 0
    Last Post: 09/06/2015, 11:30 PM
  3. الفيلسوف...... الجزائري...... ترنتي
    By سالم سليم in forum فسيفساء المربد
    Replies: 7
    Last Post: 25/06/2009, 08:18 PM
  4. Replies: 0
    Last Post: 15/04/2006, 08:40 PM
  5. الفيلسوف.. السوري.. لوقيان
    By سالم سليم in forum فسيفساء المربد
    Replies: 8
    Last Post: 28/01/2005, 04:19 PM
Posting Permissions
  • You may not post new threads
  • You may not post replies
  • You may not post attachments
  • You may not edit your posts
  •