".. لم يكن دوستويفسكي هو كاتب القرن العشرين الأكثر عصرية ومتعة فحسب، بل ثمة كلالمبررات للافتراض بأن القرن الحادي والعشرين سيجري تحت رايات " الجريمة والعقاب" حسب رأي الكثيرين من النقاد والمحللين.".
إن لدوستويفسكي روحا ما زالت تتعذب في كل منا، وفي كل مرة نقرأ لهذا الرجل فكأننا نقوم بعملية استحضار لتلك الروح المعذبة، تغوص بنا في أعماق الإنسانية الكالحة، نسبر أغوار أنفسنا نحن، نخرج منها شبه مخنوقين، ولعلنا نصل إلى نتيجة سبقنا إليها بقوله " أنا إنسان مريض "! .
وكم كان -هذا الرجل المصروع - جريئا حين تكلم عن أكثر أفكاره شذوذا، ليثبت أن لاشيء أعمق من الإنسان، وأن البعض ،على علّاتهم، لا بأس بهم في النهاية!
في هذا الموضوع سنُنهض الروح الدوستويفسكية ذاتها ليس بأقلامنا بل بأقلام وعيون أولئك الذين كتبوا عنه مستهلين الحديث بسرد طويل ذو شجون لقصة حياته كما تقدمت روايته الأكثر خلودا " الجريمة والعقاب "، نسرد بعدها قراءات ومقالات أو حتى دراسات عن بعض رواياته الشهيرة، وملامح شخصياته المشهورة التي تحمل في طياتها ملامح العابرين به كوالدته المصدورة، أو والده السكير، ولعلنا نكمل حديثنا بتأثيره على الأدب العربي بصفة عامة...
يرى توماس مان أن دوستويفسكي هو "أول مبدع نفساني في الآداب العالمية على مر العصور"...
إن الاهتمام العالمي بإبداع دوستويفسكي ليس وليدالمصادفة. فهذا الإبداع يتميز باندفاع إنساني جارف وشعور عميق بالرأفة "بالمذلين والمهانين". إنه مامن شك في أن دوستويفسكي هو منشد الأمل وداعية لبث روح الثقة والإيمان بالإنسان. كما يرى كثير من النقاد بأنه مؤسس للتيارات الأدبية المتصلة بعلم النفس في القرن العشرين مستشهدين بذلك، بالفرويديين والوجوديين وغيرهم"..
سيبقى الأدب الروسي خالدا بكتّابه العظــام، وستبقــى بصمــاته مادام فينـا..