يسير منكسا رأسه ..مبعثر الخطى في طريق طويل .. طويل لا نهاية تلوح له..
يقف كل لحظة.. يظل متشبثا بأمل بعيد .. يبتسم..ثم يعبس..و يكمل المسير ..
على طرف الطريق بيت مهجور يأوي إليه إن لم يجد مكانا يؤويه .. بيت متهالك كنفسه المرهقة.. يقتحمه ..فتفر منه أشباح نفسه .. يجثم في أي مكان قد يصل له الضوء يوما ما..يسند رأسه إلى الحائط..يوسع المكان المظلم نظرا تمتلئ عيناه بالعتمة .. فلا يبصر غير نفسه تطفو في الظلمة .. ينصت لشيء ما يهمس خفية .. ينصت أخرى .. هل من أحد يشاركه المكان..ليس يدري !!
- هل من أحد هنا؟!
يقولها و عزة تأخذه ..فمن يقتحم بيته المتداعي .. هل هو مشرد أو مهجر أو فقير؟!
يصرخ ثانية..و لا صوت يسمع ..و الظلمة تمنعه من أن يكتشف هذا المتطفل..
يعاود جلوسه و يسند رأسه من جديد مفكرا فيما حوله.. فكل ما حوله تفاصيل مؤلمة.. و ضياع و غربة مريرة..الهمس يزداد وضوحا هذه المرة .. و قلبه يزداد وجيبا أيضا..
بارتجاف يقول : هل من أحد ؟
يشعر بأنه أخطأ حينما اقتحم البيت .. لكنه سكنه منذ أسابيع .. لم يكن به أحد غيره و غير مرآة متصدعة على جدار .. كانت هي المؤنسة له نهارا .. بل هي الصديقة .. التي يتحدث لها فلا تمل .. و يقف أمامها يناجيها بكل حزن اعتمر قلبه .. و قد يبصر دمعة تسكب على وجنته فتنسكب مثلها على صفحتها البراقة..تشبهه كثيرا ..و يشبهها ..فهما عاشا الوحدة لزمن..عاشا الضياع لسنوات أيضا..
تعود الأصوات ..و الظلمة تشتد أيضا ..و البيت يعزف على وتر الخوف معه..
يجثو على ركبتيه ..يزحف لمكان قد يعثر فيه على موقد قديم ..يزحف كاتما أنفاسه..
لكنه يبتلع لعابه المتحلب في فمه فيشعر بصوته تسمعه كل الآذان .. يتلمس بكلا كفيه المكان .. لا أثر لموقد قديم ..و لا أثر لبقايا طحين كان هنا .. يستوي قاعدا يدرك أنه قد وقع في مؤامرة .. مؤامرة لسرقة الموقد و الطحين .. و مؤامرة تدبر في ظلمة قاتلة .. ألقى نظرة نحو مكان كان به باب .. المسافة بعيدة جدا و الموت قد يكون أقرب منها .. و النهار مازال بعيدا جدا..الزمن يتعثر فلا يسرع أبدا .. إنها مؤامرة من الزمن أيضا .. كل ما حوله غدا مؤامرة.. روحه أيضا مؤامرة..و الأصوات الغريبة التي ترتفع من حين إلى آخر مؤامرة مدبرة..
"لكم أنا أحمق" يهمس خفية فلا أحد يسمع .. "لو كنت .. ظللت بلا بيت لكنت الآن حيا!! "
.