ها هي ترقد بجسدها المتهتك الملفوف بلفافات الشاش والقطن فوق سرير بغرفة ضيقة بالمستشفى ... ، بصعوبة بالغة استطاع الأطباء إدخال خرطوم الأكسجين فلم تكن تستطيع حتى التقاط أنفاسها ....... الكل يعلم أنها مجرد فقط دقائق أو ساعات قليلة متبقية لها ..... وهي لا تقدر حتى أن تُخرج أنّات أو آهات تخفف من شدة الألم ......فقط تنتظر عفو السماء عنها عله يعجل بمنيتها ..... بصعوبة بالغة ومن فتحة ضيقة أعلى عينيها التي تكاد تكون مقفلة تستطيع أن ترى شبحُ لرجلُ جالس على كرسي متحرك ومن خلفه صبيُ صغير ..... تمنت لو تستطيع فقط أن تطلب منهما السماح لكن شفتاها قد التصقتا .... تمنت أن تشير بيدها لكن هيهات فلم تستطع حتى تحريك إصبع يدها ..... أرادت أن تحتضنهما خاصة ذلك الصبي الذي تنسكب من عينيه دموعاً اتخذت لها مجرى على بلاط الحجرة ...... لكن أبداً ... ما كان منها إلا أن استسلمت لواقعها المرير ....... ثم راحت تسترجع ذكرياتها ... عندما كانت تلك الفتاة المدللة ابنة صاحب اكبر الشركات والمصانع ...... كانت تنفق في اليوم ما يكفي لأكثر من مائة أُسرة ..... وذد على ذلك نعمة الجمال الوافر التي أنعم الله بها عليها ..... فكم حطمت قلوب باعت لهم الهوى المصطنع لتتلذذ بإذلالهم ....... من بين تلك القلوب كان ذلك الرجل الجالس على الكرسي أمامها والتي تمنت لو تتحقق من نظراته لها الآن هل هي نظرات إشفاق أم تَشَفّي ؟ ...... فقد كان يعمل بإحدى شركات والدها وكان شديد الاعتزاز بنفسه ..... مهذب ....... لا ينظر قط لما هو فوقه ....... بالطبع كان ذلك عِزُ ما تبغي ..... شاغلته بنظراتها المسمومة أوهمته أنه الفارس الذي تريده وتتمناه وكان هذا هو الطعم الذي ألقته لتصطاده ..... وقد بلع الطًعمُ كما رسمت وخططت ..... وتجرأ وراح يطلب يدها ليفاجئ بسيل من الشتائم والكلمات الجارحة والأصل والفصل .... فكأنما اصطادته من جانب الشط لتلقي به في قاع المحيط .... نعم..... فكم هو صعبُ أن يشعر المرء بالانكسار في مشاعره .....كم هي الحسرة التي يشعر بها خاصة وأن كل ذلك على مرأى ومسمع كل العاملين وذد على ذلك فصله من عمله مصدره الوحيد للرزق....... لكن دوام الحال من المُحال ....... أيام قليلة تمر على ذلك الحادث حتى تتعرض هي ووالدها لحادث سيارة أشد وأصعب فقدت فيه والدها ونظرها ...... تخرج من المستشفى لا تجد إلا أحد أقاربها الذي أوهمها أنه يحبها منذ زمن بعيد وكم تمناها حتى حصل على ما أراد .... بالطبع كان المُراد كل أموالها .... ثم تركها تتسول ........ قليلًُ من أصدقائها وصديقاتها ما كانوا يعطفون عليها ..... بملبس أو مأكل وأحياناً مأوى ........ كثير ما كان يتهرب منها أصدقائها التي طالما أغدقت عليهم بالهدايا و العزائم في الماضي .... ومصادفة يسوق لها القدر نفس الشاب الذي أهانّته و حطمته ...... كانت تتسول بالشارع الذي يمر به كانت ثكلى من قلة الأكل والنوم ... أقترب منها يعطيها من فضل الله عليه ..... أدام النظر أليها ... تحقق ...... !!!!!!!!!!!! سبحان الله !!!!!!! نفس الملامح !!!!!!! نفس القوام!! ربما أنحف قليلاً .. أقسم في باله أنها تكاد تكون هي تلك السيدة التي حطمته من قبل ...... قطع حالة الشرود التي سيطرت عليه قائلاً : من أنت ؟ ومن أين ؟.... أجابت : من أنت ؟ هذا الصوت أكاد أعرفه من أنت ؟ ..... عرفها بنفسه : ما أن فرغ من حديثة حتى راحت في حالة من البكاء المصاحب بعبارات نصف كلاماتها غير مفهوم من شدة البكاء ...... كان من بينها .. سامحني .......أخطأت في حقق .... زادة دهشته!!!!!!!!!! من أنت ؟ : ألا تعرفني ؟.. وراحت تقص عليه ما حدث لها ................... ثم انحنت على يديه تقبلها طالبة العفو والسماح ...... ................
وبشهامة الرجال أبى على نفسه أن يزيد من إذلالها فمد يده ليطبق على يديها برفق ...يشعرها بدفء مشاعره أو ربما أراد أن يذيل أثر الجرح القديم الذي سببته له ...... ثم عرض عليها أن تذهب معه .... ولم يكن أمامها من مناص فوافقت ...... وفي منزل أحد أصدقائه التي قامت زوجته بالاعتناء بها وتغيير تلك الملابس البالية ...........
ما زالت تتذكر كيف أنه عرض عليها الزواج مرة أخرى ...... تتذكر بحر الكلام المعسول الذي أغرقها به ....... نعم تتذكر حياتها معه بعد الزواج وكم كانت سعادة بالغة أحاطها بها ....... لم تشعر قط أنها عمياء ......كان هو عينيها التي تبصر ...... كان يصف لها كل صغيرة وكبيرة في كل مكان يتواجدان فيه...... تتذكر عندما كان يتغزل في جمالها .... وهو يصف عينيها كم هي جميلة .....صافية...... نقية...تتذكر عندما كان يأتي من عمله منهك ومع هذا يقوم بكل أعمال المنزل ......لم يشعرها قط بعجزها ...... تتذكر تلك الأيام الجميلة عندما رُزِقَت بالولد الذي ذاد بهجة الأسرة السعيدة وكم تعب هو في تربيته ...... تتذكر عندما بدأ الطفل في نطق بعض الكلمات وقتها كانت في قمة الفرحة والبهجة بمولود ها الذي ملئ حياتها وآنس وحدتها ....... وكبر الطفل إلى أن أصبح صبي .... والزوج يكد ويكدح بالعمل لتوفير حياة كريمة لأسرته ويعود مسرعاً للمنزل ليكمل أعمال المنزل التي لا تنقضي ....... تتذكر عندما كان يداعبها ولَدُها ...... تتذكر عندما كانت تقول له ليت الله يُعِيد إليّ نظري لحظة واحدة كي أراك يا قُرة العين....... تتذكر تلك اللحظة المشئومة التي عاد فيها بصرها ...... نعم مشئومة لسان حالها يتمنى لو لم يعود ذلك البصر ...... يومها عاد الزوج المنهك من عمله كعادته ..لكنه هذه المرة كان التعب قد نال منه ...... تتذكر عندما كانت تنتظره خلف الباب كعادة كل يوم ليطبع قبلة الشوق على جبهتا .....كانت تترقب طرقعات نعليه على درجات السلم ...... تتلهف لاستنشاق رائحة عرقه ..... نعم رائحة عرقه كانت تشعرها برجولته ... كنت تتأهب لتتعلق برقبته فيحملها إلى أقرب مقعد يداعبها وتداعبه تزيح عنه ما به من عناء وتعب طيلة يومه ....... ......... ها هو الباب يُفتح ..... تندفع هي مسرعة نحو الباب تحلق بذراعيها ..... أرادت أن تتعلق به كالعادة ..... لكنها لا تسمع الكلام المعتاد ..... أمسكت برقبته ..... حاول هو أن يتشبث بها فلا يقدر على الوقوف ... حاول ألا يسقط على الأرض ....... لكنه ما استطاع الصمود فخر واقعاً جاذبها معه فارتطمت رأسها بالحائط ..... بسرعة قامت من وقعتها فوجدته مطروح على الأرض .... صرخت فاستيقظ الولد من نومه ...... ظلا يحاولان إفاقته لكن ما من جدوى ولا حراك ولم تدرك أو تشعر بأنها كانت عمياء فأبصرت ...... ولم تستطيع أن تتأمل ولدها كما كانت تريد ...... تجمع بعض الجيران وتم نقل الزوج للمستشفى ...... وبعد الكشف والفحص قيل لها أن حالة زوجها بالغة الصعوبة وأنه ربما لا يفيق من غيبوبته وأنها عبارة عن عجز في بعض خلايا المخ قد تؤدي بحياته ........ أخذت وليدها في حضنها ..وضعت أسفل ذقنها على رأسه .. لفت ذراعيها حوله كأنها تخشى أن تفتقده هو الآخر .. ثم راحت تتمايل للأعلى وللأسفل تنعي مصيبتها ... تتذكر تلك اللحظات التي عايشتها وكم كانت مريرة عليها فقد انطفأت شمعتها وذبلت وردتها وراح عنها سندها في الحياة .... جلست بجواره تتحسس جسده الذي أصبح هزيلا بعد أن كان كله حيوية ونشاط ..... تتأمله بنظراتها تناديه ...قم يا حبيب الروح .... والطفل ينظر لهما وعيناه تنذر ف منها الدموع..... ومرت الأيام وأصبح أمر واقع تعايشا معه... فكل يوم تنتظر وليدها بعد المدرسة لتذهب به للمستشفى .................تتذكر تلك اللحظة التي دخل عليها ذالك الطبيب الشاب الذي لم يحترم حرمة زوجها الغارق في غيبوبته وأمطرها بوابل من كلمات الغزل واصفاً إياها بأنها أجمل ما رأت عينه بل هي أجمل نساء العالم ..... في البداية لم تُعِره اهتماماً وكأنها لم تسمع منه شيئاً ........ تتذكر عندما ذهبت للمنزل وجلست تفكر في أحوالها وأحوال زوجها الذي لا أمل في شفاءه ..... ثم ضغطت بكلتا شفتيها وسحبتهما للخلف وهي تطأطأ برأسها ... ثم تذكرت كلام ذلك الطبيب فتبسمت ...... على الفور اتجهت للمرآة ونظرت لنفسها .... ظلت تبحلق في وجهها تارة وفي جسمها الممشوق تارة أخرى تستدير يميناً وشمالاً ثم تمد يدها تعبث بها في شعرها الناعم الطويل ........ ظلت تتأمل أنوثتها قائلة :إن ذلك الطبيب له كل الحق فكم أنا جميلة !!!!!!! وفي الصباح لم تنتظر قدوم ولدها من المدرسة وراحت تبحث عن علبة ( المكياج ) التي لم تستعملها منذ زمن بعيد .. فتزينت وتجملت وذهبت للمستشفى وعندما كانت بجوار زوجها المتمدد على السرير فلم تشعر بحنين الشوق تلك المرة لكن كانت نظراتها كلها ضيق وملل ....... ثم انطلقت عيناها في كل اتجاه تترقب قدوم ذلك الطبيب الوسيم ذو الوجه المشرق الذي يقدر الجمال ....... لم تدم طويلا حتى جاء ذلك الطبيب الذي ما أن رآها حتى انطلق لسانه ينظم أبيات الشعر والغزل والتي كانت بالطبع في غاية الشوق لتسمعه ....... سريعا ما تألف بين قلبيهما ...... كانا ينتظران بشغف متى يريحهم الله من ذلك البلاء الذي يعكر صفوهما ويؤجل زواجهما ...... أهملت كل شئ حتى ابنها الوحيد أهملته فترك المدرسة وجلس بجوار والده عله يصحو من غيبوبته فيجده بجواره ........ وفي أحد الأيام يسمع الابن مجموعة من الأطباء يتهامسون عن حالة والده وقدوم طبيب عالمي قد يكون عنده حل أو إجراء عملية لكنها تتطلب أموال ...... يقاطعهم ذلك الصبي الصغير أن كل الأموال موجودة لأجراء العملية لوالده ...... الكل ينظر للولد باستغراب لكن أحدا لم يرد عليه .
لكن الولد صمم و بأي طريقة على إيجاد المبلغ المطلوب.
نزل ذلك الصبي للشارع يبحث عن حل ... ينتظر عودة والدته ... لكن تفكيره هداه لفكرة قد توفر له المال بطريقة سهلة وهي سرقة المبلغ من إحدى المحلات الكبيرة ....... تسلل في خلسة باتجاه خزينة المحل الذي وقع عليه الاختيار ...... و ظن منه بأن أحد لم يراه حاول سرقة الخزينة ........ وكان بالطبع سهل جداً أن يمسك به أحد العاملين بالمحل ........ على الفور تم إبلاغ الشرطة التي أخذته ومعه صاحب المحل ......... و في قسم الشرطة راح الصبي الذي لم يكف عن البكاء في سرد قصته أمام كل الحاضرين الذين أدمعت أعينهم على موقف الصبي تجاه ولده بعدما تركته تلك الزوجة بعد كل ما فعله من أجلها .......... على الفور تنازل صاحب المحل عن الشكوى ضد ذلك الصبي وتركه ليذهب لأبيه ...... لكن لابد من إكمال المحضر حتى يخرج ذلك الصبي من القسم ....... فلابد من وجود ضامن للصبي يتعهد بعدم قدوم الصبي على فعل مشابه وحسن تربيته و إلا سيودع إصلاحية لتربية النشء الضال أمثاله ..... فتم استدعاء الأم التي كانت في قمة السعادة بعدما تخلصت من ذلك الكابوس الملقى بالمستشفى ، بعدما تم تطلقها عن للضرر من زوجها العليل والذي لا رجاء من شفاءه عن طريق المحكمة...... بالطبع حضرت ومعها ذالك الطبيب إلى قسم الشرطة لتفاجئ بفعلة ابنها الذي ظن أن والدته ستصفعه على وجهه ثم تأخذه من القسم ...... نظرت لابنها نظرة استهجان وعتاب لأنه أخرجها من فرحتا بفعلته تلك ..... وهنا خاطبها رئيس القسم أنها ستوقع على ضمان وإذا قام ابنها بفعل مثل ذلك ستكون هي المسئولة ، ما إن همت لتوقع على تلك الورقة حتى هب الطبيب واقفاً ثم أخذها بعيدا ..... ثم قال لها إنه من الأفضل لنا أن يدخل الإصلاحية فخروجه سيسبب لنا مشاكل كثيرة ..... و أيضا يمكنك أن تزوريه بين الحين والآخر داخل الإصلاحية ....... ما عليك إلا أن تقولي إنه دائم القدوم على مثل تلك الأفعال وإنك لا تضمنينه ...... وأمام كل الحاضرين نطقت بما أملاه عليها الطبيب ...... وهنا صرخ الطفل ... ارتمى على يدها ...... مناجيها أستحلفك بكل ما هو عزيزٌ عليك أن تخرجيني من هنا ...... أمي..... تذكري حتى ولو شئ بسيط مما كان أبي يفعله من أجلك ..... أمي ...... تذكري يوم كنت عمياء عندما كنت تقولين ليت الله يرد بصرك لحظة واحدة لتنظرين لي ... ها أنا ذا يا أمي أنظري لي ....... لكنها تمسك بحقيبتها رافعة رأسها لأعلى حتى لا تقع عينيها عليه فتشعر بلحظة عطف تضعفها تحاول التملص من يد ابنها ... تدفعه بعيد وتمضي... فيرتمي الابن على قدم والدته يقبلها قائلا أُقسم ألا تريني بعد اليوم ولكن أُخرجيني من هنا .... يحتضن إحدى ساقيها فتدفعه بالأخرى ..... تمشي فتجره معها على الأرض ..... هنا أرد ذلك الطبيب إنهاء تلك القصة بأن أمسك بالطفل ودفع به بعيداً ....... ذلك الموقف أدمى كل الحاضرين الذين راح البعض منهم يجفف دموعه ....... تقدم صاحب المحل من الصبي وأخذه بين يديه واضعاً يدا على رأسه والأخرى يمسح بها دموعه . ثم انحنى يقبله قائلاً : لا تقلق يا بني .. ستخرج معي وسأعالج والدك مهما كلف من أمول.....
وخرج الصبي مع ذالك الرجل بعدما وقع هو على التعهد أمام رئيس القسم ....... أياما تمر وتبدأ مرحلة العلاج تؤتي بعض التحسن ...... بدأ الأب يحرك جزء من أطرافه .... ثم لسانه قليلاً .... والولد يفرح كلما يجد تحسن ملحوظ لوالده ......
كانت هي في تلك الأيام تجهز لزواجها السعيد ....... قد أعدوا كل شئ ..... لم يتبقى سوى تحديد يوم الزفاف .... كل شئ تمام فقط سيرهقها إعداد كشف للمدعوين ....... سنقيم فرحنا في أفخم الفنادق ....... تذكري ألا تُنسي أي من الأصدقاء ...... وأنت لا تَنسى أحد .... وجاء اليوم الموعود ....... كانت في قمة سعادتها ..تشعر بأن الدنيا فتحت لها أذرعتها ...... تريد لو تطير من الفرحة .... أرادت أن تكون أجمل سيدة في ذلك اليوم .. ذهبت لأفخم المحلات المشهورة ..... كل شئ كما رسمت وخططت تماما .... استقلت السيارة لتتجه للفندق المزعوم ....... لكن إرادة الله كانت الذهاب لفندق أخر ( خندق أخر ) كانت تمشي بسعة جنونية أرادت أن تسابق الريح والزمن كي تصل لتبدأ حياتها الجديدة ..... في لحظة تنقلب السيارة ....... تنفجر...... تتحول لكرة من اللهب .... لم تأتي النار فقط علي زينتها بل أكلت معها ذلك الجسد الجميل الذي تفحم ....... أأأأأ ه ه ه ه ه أرادت أن تخرجها لكنها لم تستطيع كل هذا تتذكره ........ أرادت لو تستطيع خنق أنفاسها لتموت لكن هيهات لأنها في الأصل لا تقوى على التقاط تلك الأنفاس ..... تمنت لو يعود بها الزمن مرة أخرى لكن؟؟؟؟؟؟ لسان حالها يقول ليت هذا ما هو إلا كابوس ...... أو ليته فيلم سينمائي أشاهده ......... هل أنا شريرة لهذه الدرجة ؟
وكانت آخر ما تمنت ( ليتني لم أكن أنا) ثم تموت
الولد يدفع الكرسي بوالده للخارج
تمت