مَعايِيرُ التـّقييم.. و سُبُلُ التّقويـمْ
لا جَرَمَ أنّ لكلّ عملٍ إبداعيٍّ – فيما يراه القارئُ و الناقد و يتفقان عليه – فلسفة ..!
وما دامتِ تساقُ هذه الفلسفة ُ تبعًا لموروثاتٍ و مناهلَ خاصّةٍ، فلها خصوصية ُالفروق الفرديّةِ في الاجتهاد و البحث و التحصيل.. فلابدّ أنّ ما يترتّبُ عن ذلك سينعكسُ سلبًا أو إيجابًا .. قبحًا أو جمالا على نصوصنا .
و إذ نجتهدُ بعدها في أنْ نسمّيَهُ بما نشاءُ منْ صنوفِ الأدب المختلفة..و لكنّ هذه الأخيرةَ تترشّحُ بمعاييرَ نقديّـةٍ ، هي الأخرى في الأصل علاماتٌ جماليّةٌ..تتراوحُ بينَ " الموضوعيّةِ و الذاتيّـةِ " و التي تحتاجُ إلى نظر على مستوى :
- الصّياغة / الطرح من الناحية اللغوية و الفكرية.
- التـّحجّج / النقد بالدليل .
و عليه فالتقويم – في نظري – يجبُ أنْ يطالَ المعاييرَ الثلاثة َ الآتية َ :
أ / الحسّ الجماليّ " التذوق ".
ب / النقـد وردّ النقــد.
ج / مصير العمل الإبداعيّ بينَ الاعتراف و التـّزمّت ".
أ / الحسّ الجماليّ " التذوق " :
فكيفما تكون قيمة ُ الموروث و طبيعة ُ المنهل و نوعية ُ التأثّر ..يكونُ مستوى التذوق و بلاغة ُ الحسّ الجماليّ . و هذا أعقدُ و أشدُّ المعايير حساسيّة ً..! ثمّ إني أعتقدُ أنّ الناقدَ و المبدعَ على السّواء ..و صولا إلى قمّةِ الانتشاءِ لديهما ، في مقاسمتهما للنص..سينجحان ما كانَ حسّهُما الجماليُّ بمكان ٍ منَ الرّفعةِ و الرّقةِ و التّشرُّبِ الحرِّ ، من ينابيعَ رَأيَاهَا أصلا و أملا لرشف رحيقها..
و هذا أصلُ التقويم ..و أجدى أنْ نعتنيَ به و نهتمّ..
ب / النقـد وردّ النقــد:
وهنا أيضا يتعقّدُ الأمرُ إزاءَ التّحجّج منَ الطـّرفيْن ِ..بناءً على عمليّةٍ نقديّةٍ مُمحّصة ، متخلّصةٍ إلى فكرتيْ
" الحيادِ و الشّرف " ..فالناقدُ يتشبّثُ بتلابيبِ النّصّ ، باحثا عن خِرْقاتٍ ليُرقّعَها ، أو عن أوسمةٍ ليُوَشّحَ بها بزّة َالنّصِّ.. و لكنّنا – وفي الأغلب – نراهُ مُشرِّحًا لا شارحًا.. مُرَغّبًا لا مُحَذرًا ْأو منفـّرًا ..مُسهّلا عمليّـة َ المُهادنةِ و المجاملةِ المجانيّة اللاطائلَ منَ التحلي بها..!
فكيف بمبدع ٍأوْ مبتدئ ٍ يودّ أنْ تكونَ له قدمُ صدقٍ و أثرٌ مهيبٌ في كوكبةٍ تساوَى فيها الحيادُ والموضوعية بالمشاركةِ و الانحياز.. و الشّرفُ بعدم الالتزامْ ..!؟ و أين يجدُ صاحبُ النصّ مكانَهُ إذا لم يقفْ مناشـدًا .. مستجديًـا علمَ و صدقَ الناقـد ، راضٍ بنزاهته و كفاءته..وقد علمَ أنه يريدُ أنْ يكونَ موجودا..؟
و السّؤالُ " كيف..؟ " لا محلَّ له منَ الإعراب عنده.
ج / مصير العمل الإبداعيّ بينَ الاعتراف و التـّزمّت ":
فيما يكتنفُ الإحباطُ الشّعورَ العامَّ لدينا ،فتحتقنُ و تتشنّجُ عواطفُنا حينما يكشفُ أحدُهمُ الخطأَ في نصٍّ من نصوصنا..إذ يبرزُ نوعُ الشّخص ِالكامِن ِ فينا..و المبدعُ و الناقدُ الحقيقيان ، الباحثان عن مداءاتٍ لتقدّمِهما خدمة ً للغتهما و حرصًا على ازدهار مصداقيتهما.سيتخلصان من هذا الشّعور بما يحفظ " ماءَ الوجهِ والنّصّ " معا، بأسلوبِ التقدير بالآخر أو ما أسمّيه " الشكرَ البديلَ " الذي تقفُ معادلة ُ " الاعترافِ بالخطإ رضًى.أو التـّزمُتِ به سُخطا و مكابرة ً.."عائقًا أمامَ دفع عجلةِ الإبداع – بمنظورَيْها – إلى أفق الفائدة و دفءِ المشاركةِ البنّـاءَه.. !
إذا وفـّرنا فكرًا و عزمًا و صدقًا للمعايير الثلاثة المهمّة ..سيتقوّمُ الجذعُ وبعدها لا خوفَ على الفروع من ريح ٍ عاصفْ.. !
الجزائر : فيفري 2008