وصلت الرسالة التالية للمربد :
المشروع التجديدي والتصحيحي في الفقه والسياسة مدرسة الامام الشيخ حسين المؤيد الفقهية انموذجا
داود سلمان الشويلي
مر الاجتهاد الشيعي الاثني عشري - ضمن المنظومة الفقهية الاسلامية - بمراحل عدة ، فضلا عن تعدد المدارس الفقهية الشيعية الاثني عشرية ، وتعدد الفقهاء والمجتهدين والمراجع الذين يتبعهم العامة من الشيعة ، واختلافهم ، ابتداء من سبعينات القرن الماضي (بعد وفاة مرجع المذهب السيد محسن الطباطبائي الحكيم) بصورة علنية بين العامة من الشيعة.
وتوزعت المرجعيات المشهورة علنيا - على اقل تقدير – بين النجف ولبنان وقم ، فكان في مرجعية النجف السيد ابو القاسم الخوئي ( ت : 1992 /اذربيجاني – الاصل) ، وفي لبنان السيد محمد حسين فضل الله ( عربي الاصل) ، فالسيد الخوئي ومن بعده السيد السيستاني( فارسي الاصل ،والمرجع الشيعي الأول في النجف ، والمقبول به من مراجع التقليد في قم ) (1)لا يعترفان بنظرية الفقيه التي يمثلها الخميني ، وكذلك السيد فضل الله ، وفي تسعينات القرن الماضي ، وبوجود مرجعية السيد السيستاني ، والخامنئي ، قامت بعض المراجع في قم والنجف، بحملة شرسة كان سببها ان السيد فضل الله قد طرح نفسه كمرجع شيعي مستقل ، واغضبت ارائه التاريخية والفقهية مراجع النجف وقم ، ووصل الحال بهم الى اصدار فتوى بحرمة تقليده ، و اخراجه من المذهب وقع عليها (21) مرجعا ، ووصل الحال ببعض رجال الدين ان اصدروا كتبا تصف فضل الله بالضال والمفسد والخارج عن الملة ، لا لشيء سوى انه بحث عميقا في التاريخ بموضوعية وتجرد العالم ، وقال ما يخالف الموروث الشيعي في مسائل كثيرة تاريخية وفقهية .
وإذ نشير الى هذه المرجعيات الثلاث ، فلا يعني ان ساحة المرجعية قد خلت من غيرهم ، ان كان ذلك في النجف او قم ، فحين برز الصدر في التسعينات من القرن الماضي ومن ثم قتله، برزت ظاهرة الاعلان عن المرجعية من طلابه وطلاب غيره ، كاليعقوبي والصرخي والمالكي والبغدادي والحائري، فضلا على وجود اربع مراجع زاملوا السيد الخوئي ومن بعده السيستاني في العراق كالفياض والحكيم والنجفي.
في ذاك الوقت ، ظهر على ساحة المرجعية الامام الشيخ حسين المؤيد ، ليس كمرجع فقهي خاص بالشيعة فحسب ، بل كان يحمل مشروعا نهضويا على مستوى الفكر الاسلامي بصورة عامة ، والفكر الشيعي الامامي بصورة خاصة ، وفي الوقت نفسه على مستوى الفكر السياسي الانساني والعربي والعراقي.
***
الامام الشيخ حسين المؤيد ( 1965 ) مرجع ديني ، من عائلة عراقية عربية، علمية ، اذ كان والده طبيبا من جهة ، ومن جهة اخرى ينحدر من عائلة دينية، وهو شخصية معتدلة منفتحة على الواقع ، وصاحب استقلالية، و له مشروع نهضوي ، في الحياة العامة و في الفقه.
ادهشتني الكثير من ارائه (فتاويه) الدينية في الكثير من الامور ، وقد اختلف – في بعضها - مع جل علماء الاسلام من كافة المذاهب دون ان ينسى الاصول،لا لانها – تلك الاراء /الفتاوي - انطلقت من مبدأ فقه الواقع ، بل لانها تأتي من مرجعية بحثية علمية موضوعية دقيقة بعيدا عما هو سائد من بعض الاراء الفقهية السابقة والتي تحمل اشكالاتها بداخلها ، وذات الطابع الخرافي والاسطوري ، مما اعطى تلك الاراء / الفتاوى سمة الاجتهاد الذي ما زال بابه مفتوحا في الفقه الشيعي.
وعلى المستوى السياسي ، وجد سماحة الامام الشيخ ارضه العربية مغتصبة وما زالت امريكا تقود العالم المستسلم (عالم القطبية الواحدة) من كارثة انسانية الى اخرى ، وبحجج واهية ، وما زالت ارض فلسطين الجريحة مستعمرة اسرائيلية بحماية امريكية ، وزاد الطين (فيضانا) احتلال وتدميرالعراق .
فراح الامام الشيخ المؤيد بعقله النير، وفكره المنفتح، يقدم مشروعه النهضوي الذي يجمع مع اصالة تراثنا الاسلامي الانساني ، والعصر الذي نعيش فيه، وذلك من خلال دراسة ذلك التراث بعمق العالم المتجرد ،ومن ثم النظر فيه بصورة نقدية موضوعية، واعمال فكره تصحيحا وتجديدا ، ان كان ذلك على مستوى الفكر الشيعي ضمن منظومة الفكر الاسلامي ، او على مستوى الفكر السياسي ضمن منظومة الفكر السياسي الانساني.
فعلى مستوى الفكر السياسي ،كان له مشروعه النهضوى الذي جسده من خلال مجموعة من الطروحات الفكرية والسياسية التي تتسم بالوضوح والمعالجة الدقيقة العقلانية ، وارتفع صوته في المؤتمرات والندوات ، وفي المحاضرات والخطب الدينية منددا بالاحتلال، واضعا ذلك المشروع لحل الاشكالات السياسية والمجتمعية التي جاء بها الاحتلال لبلده العراق ، وراح يناظر ويناقش ويبشر بهذا المشروع حتى تحول ذلك الرجل ذو العمامة البيضاء الى داعية نهضة للعرب وللانسانية، فاعاد لنا الوجه المشرق للنهضة العربية التي برزت بداية القرن الماضي على يد الامام محمد عبدة وزميله الافغاني - وغيرهما- ومشروعهم النهضوي.
اما على مستوى الفكر الاسلامي ، فقد كانت ارائه التصحيحية والتجديدية تجد صداها بين المؤمنين ، ليس في عمليات استنباط الاحكام الشرعية الفقهية ضمن منظومة الاجتهاد الشيعية فحسب، بل تعدى ذلك الى تصحيح ما حمله لنا التاريخ من محطات كانت سببا في فرقة الامة الاسلامية ، فجاء مشروع سماحته التصحيحي والتجديدي في الزمن الذي بدأت الافكار المفرقة يتعالى صوتها على المنابر والفضائيات ، واعادتنا الى اجواء قانون الغاب ونحن نعيش زمن التقدم والتطور العلميين في الاتصالات (شبكة الانترنيت خاصة) الذي اصبح فيه عالمنا قرية صغيرة.
ان الانفتاح الفكري ، والجدال العقلي ، والربط بين التراث الاسلامي بكل مدارسه وبين عصرنا ، كان من اهم ما يتصف به مشروعه النهضوي الذي جسده في مؤلفات كثيرة .
واذا اقتربنا كثيرة الى خصوصيات مذهبي السنة والشيعة ، وهما المذهبان اللذان تصارعا على ارض العراق خاصة بعد الاحتلال (2003) ، نرى ان مشروع سماحته النهضوي (تصحيحا وتجديدا) كان عاملا في تهدأة ذلك الصراع ، من خلال محطات كثيرة كان اهمها مبدأ التقارب بين ذينيك المذهبين ، من خلال :
- الدعوة النظرية والعملية الى التقارب بين المذاهب ، حتى وصل الحال بسماحة الامام الشيخ الى تقديم مشروع الفقه التقريبي ، أي الفقه الذي يعتمد الصحيح في المذاهب كافة، وهو ما زال سائرا عليه في مرجعيته، على اعتبار ان تلك المذاهب ما هي الا مدارس فقهية تختلف فيما بينها في المسائل الفرعية التي يمكن تحصيلها بالاجتهاد اعتمادا على القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة .
- تصحيح اخطاء المصادر التاريخية التي كتبت بهدف الفرقة بين ابناء الامة الاسلامية ، وبدوافع شتى، ايديولوجية وسياسية.
- اعادة النظر في الكثير من الفتاوى التي قيلت في زمن كانت المواجهة الايديولوجية والسياسية على اشدها بين المذاهب ، وتحت دوافع شتى ربما اهمها التدخل الخارجي للنيل من وحدة امة الاسلام ، ومن ثم الاسلام كدين سماوي.
- اعادة العمل بالاجتهاد الشيعي الفعال بعد ان توقف عند البعض في عصرنا ،وبما يتصف به من اختلاف عن العصور التي سبقته لاسباب شتى ، فأصبح المتأخر يكرر ما قاله المتقدم في الكثير من المسائل الفقهية التي تبنى – عند بعض المتقدمين – على ما يتضارب مع القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة بسبب لافتة غير صحيحة مرفوعة عندهم ان ( ما خالف العامة فخذوا به) ، ولاسباب سياسية - ايديولوجية، ولتأثيرات خارجية.
- توثيقه للحديث النبوي كدليل شرعي بعد القرآن الكريم يبني عليه رأيه الفقهي وفتواه ، آخذا بنظر الاعتبار الظروف الزمكانية، دون ان يخل ذلك بالاصول الاسلامية.
كانت – وما زالت - ارائه الفكرية واجتهاداته الفقهية تصب في خدمة الوحدة الاسلامية ، فهو صاحب مشورع حلية الصلاة خلف الامام السني (2)، وعدم مشروعية سب الصحابة ، وحلية صلاة التراويح ،وغير ذلك من الاراء والفتاوى التي تهدف الى بناء وحدة اسلامية قوية.(3)
***
ان السياسيين و المثقفين و الإصلاحيين، فضلا على المؤمنين في المجتمعين العربي والاسلامي، مدعوين الى الاقتراب كثيرة من طروحات هذا الامام، ومعرفة افاقها الواسعة للخروج من ازمات عديدة وقعت وستقع داخل الكيان العربي الاسلامي ، وفي اللحمة الاسلامية ، التي نحن مدعوين الى تجاوز كل ما لحق بالامة الاسلامية من اسقام لتبقى هي الهدف المنشود، كما اراد لها الله سبحانه ان تكون:
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران:110) واذا كان العالم الاسلامي قد فقد برحيل المرجع الديني السيد فضل الله فقيها ومصلحا ، فإن مدرسة الاجتهاد التي يقودها سماحة الامام الشيخ حسين المؤيد هي من ضمن المدارس الاقدر على التواصل الانساني والاسلامي في عالم يتسع ليضيق ويضيق ليتسع.
***
الهوامش:
1 – هذا لا يعني عدم وجود مرجعيات اخرى في مدن المرجعيات والحوزات العلمية الشيعية.
2 – لا ننكر ما قام به ابناء التيار الصدري من صلاة تجمع بين ابناء المذهبين في العراق بعد الاحتلال الامريكي للعراق.
3 – من مؤلفاته:
- الاسلام منهاج الحياة.
- مقارنة بين مشروع الحداثة الاوربية ومشروع النهضة العربية الاسلامية.
- المنظومة الفكرية.
- نشوء الدولة في المجتمع البشري.
- الاشراف الرباني على المسيرة البشرية.
- الانسان بين المدرسة الربانية والمدرسة الوضعية.
- دور النهضة الاسلامية بعد عصر الحداثة.
- حوار الاديان.
- عقبات حركة النهضة الاسلامية.
- دور الدين في وضع الحضارة.