علماء الرّياضيّات يفنّدون فرضيّة وجود الثّقوب السّوداء
قام علماء الرّياضيّات بنفي فرضيّة الرّقابة الكونيّة القويّة، وأجاب عملهم على أحد أهم الأسئلة في دراسة النّسبيّة العامّة، لتغيير الطّريقة الّتي نفكّر بها حول الزّمكان.بعد أن تم اقتراح النّسبيّة العامّة بـ 40 عاماً تقريباً قام علماء الرياضيات بإثبات واحدة من الأسئلة الأكثر تعقيداً في دراستها.وأثبت علماء الرّياضيّات “ميهاليس دافيرموس” و”جوناثان لوك” في ورقة نُشرت على الإنترنت في الخريف الماضي أنّ فرضيّة الرّقابة الكونيّة القويّة الّتي تتعلّق بالأعمال غير الظاهريّة الغريبة للثّقوب السّوداء خاطئة.كما أرسل “إيغور رودنيانسكي” عالم الرياضيات في جامعة برينستون بريداً إلكترونيّاً يقول فيه “برأيي الشّخصي فأنا أرى أنّه إنجاز عظيم وقفزة نوعيّة لفهم النّظريّة النّسبيّة العامّة”.وبالنّسبة لفرضيّة الرّقابة الكونيّة القويّة فقد تمّ اقتراحها عام 1979 من قبل الفيزيائي “روجر بنرونز”، والّتي كان من المفترض أن تكون وسيلة للخروج من الفخ.كما أنّ نظريّة “ألبرت أينشتاين” للنّسبيّة العامّة سادت لعقود من الزّمن كأفضل وصف علمي لظواهر واسعة النّطاق في الكون.ومع التّطوّر الرّياضي في السّتينيّات تبيّن أنّ معادلات أينشتاين انحدرت إلى تناقضات عند تطبيقها على الثّقوب السّوداء.واعتقد “بنروز” أنّه إذا كانت فرضيّة الرّقابة الكونيّة القويّة صحيحة فيمكن تجاهل هذا النّقص في القدرة على التّنبّؤ كحداثة في الرّياضيات وليس كبيان صادق عن العالم الفيزيائي.خذل هذا العمل حلم “بنروز” وفي ذات الوقت حقّق طموحاته مُظهراً أنّ حدسه حول الفيزياء داخل الثّقوب السّوداء كان صحيحاً.خطأ النّسبيّة
في الفيزياء الكلاسيكيّة يمكن التّنبّؤ بالكون؛ أي إذا كنت تعرف القوانين الّتي تحكم النّظام الفيزيائي، وتعرف حالته البدائيّة ستكون قادراً على مواكبة تطوّره الّلانهائي في المستقبل.وينطبق هذا القول في حال كنت تستخدم قوانين نيوتن للتّنبّؤ بالحالة المستقبليّة لكرات البلياردو، أو معادلات ماكسويل لوصف الحقل الكهرومغناطيسي، أو نظرية أينشتاين للنّسبيّة العامّة للتّنبّؤ بتطوّر شكل الزّمكان.“هذا المبدأ الأساسي لجميع الفيزياء الكلاسيكيّة يعود إلى ميكانيكا نيوتن “. هذا ما قاله “ديمتريوس كريستودولو” عالم رياضيّات وشخصيّة بارزة في دراسة معادلات أينشتاين. وقال: “يمكنك تحديد التّطوّر من البيانات الأوّليّة.”ولكن في السّتينيّات وجد علماء الرّياضيّات حالة فيزيائيّة في نطاق معادلات أينشتاين أخفقت في وصف كون قابل للتّنبّؤ وهي الّتي تشكّل جوهر نظريّته في النّسبيّة العامّة.لاحظ علماء الرّياضيّات والفيزياء أنّ شيئاً ما حدث بشكل خاطئ عندما قاموا بتطوير نشوء الزّمكان داخل ثقب أسود دودي.ولفهم الخطأ تخيّل نفسك واقعاً في الثّقب الأسود..أوّلاً: ستجتاز حدود الثّقب (أفق الحدث)، نقطة الّلاعودة (على الرّغم من أنّها تبدو مثل الفضاء العادي).هنا لا تزال معادلات آينشتاين تعمل كما ينبغي بشرط أنّ التّنبّؤ بحتميّة الزّمكان سيتطوّر في المستقبل.صورة توضيحيّة
وبالاستمرار بالسّفر داخل الثّقب الأسود ستمرّ في أفق آخر يُعرف بأفق كوشي، وهنا تصبح الأمور مشوّهة، وستعطي معادلات أينشتاين العديد من التّكوينات المختلفة الّتي يمكن أن تنكشف للزّمكان، تكون جميعها مختلفة ومع ذلك فكلّها تستوفي المعادلات.لا يمكننا معرفة الخيار الصّحيح من خلال النّظريّة بالنّسبة للنّظريّة الفيزيائيّة.. إنّها خطيئة أساسيّة فيزيائيّة كبيرة.قال “إريك بويسون” عالم الفيزياء في جامعة جيلف في كندا: “إنّ فقدان القدرة على التّنبّؤ الّتي يبدو أنّنا نكتشفها في النّسبيّة العامّة كان أمراً مقلقاً للغاية”.واقترح “روجر بنروز” فرضيّة الرّقابة الكونيّة القويّة لاستعادة القدرة على التّنبّؤ بمعادلات آينشتاين.
تقول الفرضيّة أنّ أفق كوشي هو مزيج من الفكر الرّياضي، وقد يكون موجوداً في حالة مثاليّة حيث لا يحتوي الكون إلّا على ثقب أسود دوّار واحد فقط، وحسب قول “بينروز” فالسّبب هو أنّ أفق كوشي غير مستقرّ.وقال بأنّ أيّة موجات جاذبيّة عابرة ستنهار في أفق كوشي إلى نقطة التّفرّد، وهي منطقة ذات كثافة لا نهائيّة تعزل الزّمكان بعيداً.نتيجة لذلك فمن غير المنطقي السّؤال عمّا يحدث للزّمكان بعد أفق كوشي؛ لأنّ الزّمان والمكان كما يُنظر إليه ضمن نظريّة النّسبيّة العامّة لم يعد موجوداً.وقال “دافيرموس”: “هذا يعطي طريقة للخروج من هذا الّلغز الفلسفي”، وهذا العمل الجديد يُظهِر أنّ حدود الزّمكان الّتي أُنشئت في أفق كوشي هي أقلّ تفرّداً ممّا تخيّله “بنروز”.أثبت “دافرموس ولوك” عالم الرّياضيّات في جامعة ستانفورد أنّ الوضع في أفق كوشي ليس بسيطاً، وأنّ عملهم هو تفنيد للبيان الأصلي لبينروز للتّخمين الكوني القوي للرّقابة الكونيّة، ولكن ليس إنكاراً لوجود أفق كوشي.وبناء على الطّرق الّتي وُضعت من قبل “كريستودولو” قبل عقد من الزّمن، والّذي كان مستشار دافرموس في كليّة الدّراسات العليا، فقد أظهر الزّوجان أنّ أفق كوشي يمكن أن يشكّل بالفعل تفرّداً، ولكن ليس النّوع الّذي يتوقّعه بنروز.إنّ التّفرّد في عمل دافرموس ولوك أكثر اعتدالاً من عمل بنروز – حيث يجدان تفرّداً ضعيفاً “شبيهاً بالضّوء” حيث كان يتوقّع أن يكون له “تفرّد” شبيه بالفضاء.هذا الشّكل الأضعف من التّفرّد يمارس سُحباً على نسيج الزّمكان لكنه لا يفسدها. هذا يعني أنّ المسافرين الّذين يعبرون أفق كوشي لا تمزّقهم قوى المد والجزر، فقد يشعرون بقرصة لكنّهم لا يُمزّقون؛ لأنّ التّفرّد الّذي يتشكّل في أفق كوشي هو في الواقع أكثر اعتدالاً ممّا تنبّئ به فرضيّة الرّقابة الكونيّة القويّة، ولا يتعذّر على الفور في نظريّة النّسبيّة العامّة من النّظر إلى ما يحدث في الدّاخل.وقال “هارفي ريل” عالم الفيزياء في جامعة كامبريدج: ” لا يزال من المنطقي تحديد أفق كوشي لأنّه يمكن للشّخص -إذا رغب- أن يمدّد الزّمن باستمرار إلى ما بعده”.لقد أثبت “دافرموس ولوك” أيضاً أنّ الزّمكان يمتدّ إلى ما وراء أفق كوشي، كما أثبت أنّه من نقطة البداية نفسها يمكن أن يمتدّ بعدّة طرق.وقال دافيرموس: “هناك العديد من الامتدادات الّتي يمكن للمرء أن يستمتع بها، وليس هناك سبب وجيه لتفضيل أحدها عن الآخر”. مع ذلك – وهنا الدّقّة في عملهم – لا تعني هذه الامتدادات في الزّمكان أنّ معادلات آينشتاين تمتدّ إلى ما بعد أفق كوشي . تعمل معادلات آينشتاين من خلال قياس كيفيّة تغيّر زمن الفضاء مع مرور الوقت، أمّا في الرّياضيّات فإنّه يأخذ مشتقّات التّكوين الأوّلي من الزّمكان، ولكي يكون من الممكن الحصول على مشتق يجب أن يكون الزّمكان “سلساً” بما فيه الكفاية، وخالٍ من الفراغات المتقطّعة.يشير “دافرموس ولوك” أنّه في حين أنّ الزّمكان موجود خارج أفق كوشي، فإنّ هذا الفراغ الممتدّ لم يكن سلساً بما فيه الكفاية لتلبية معادلات أينشتاين، وهكذا حتّى مع الرّقابة الكونيّة القويّة – الّتي تمّ تأكيد عدم صحّتها – فإنّ المعادلات لا تزال بمنأى عن مخاطرة إخراج حلول غير منطقيّة.“من المنطقي أن نتحدث عن أفق كوشي ومع ذلك “لا يمكن أن تستمرّ أبعد من ذلك كحلّ لمعادلات آينشتاين”، قال ريال. “لقد قدّموا أدلّة مقنعة إلى حدّ كبير على صحّة ذلك في رأيي”.
يمكنك التّفكير في هذه النّتيجة كحلّ وسط على الرّغم من أنّه يمكنك تمديد الزّمكان إلى ما بعد أفق كوشي،الّتي لم تتمكّن معادلات أينشتاين من حلّها.ولكن على وجه التّحديد يبدو أنّ حقيقة وجود الأرضيّة الوسطى تجعل عمل “دافيرموس ولوك” مشوّقاً للغاية.وقال رودنيانسكي: “هولاء الأشخاص يكتشفون حقّاً ظاهرة جديدة في معادلات أينشتاين”.****رابط المقال الأصلي بالّلغة الإنكليزيّة: هنا****ترجمة: ديمة غبّاش.مراجعة علميّة: نسرين قصّاب.تدقيق لغوي: نور رجب.تصميم غرافيك: علا حموي.
عن موقع حبر