ألم الحياة و بلسم الأمل المنشود
لعل ما يميز الشعر العربي هو هذه النفحة السحرية الفالتة من الزمن ، حين يتهيأ لهذا الزمن أن يعيشه شاعر من طينة أبي القاسم الشابي ، فهو رغم ديوانه الوحيد ( أغاني الحياة ) و كتابه ( الخيال الشعري عند العرب ) ، خُلِد كما يخلد الشعراء الكبار ، فمن منا لا يردد
إذا الشعب يوما أراد الحياة + + فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجـــــــــــلي + + ولابد للقيد أن ينكســـــر
ومن لم يعانقه شوق الحياة + + تبخر في جوها و اندثـــر
وكأنه وُهِب الحياة ليمنح نفحات إكسيرها لهذا الإنسان المقيد المغلول ، ليس فقط في الردح الاستعماري السالف ، بل متى وأين ضاقت الحياة بهذا الإنسان ،
سأعيش رغم الداء والأعداء + + كالنسر فوق القمة الشماء
أرنو إلى الشمس المضيئة هازئا + + بالسحب ، والأمطار ، والأنواء
لا أرمق الظل الكئيب ، ولا أرى + + ما في قرار الهوة السوداء
وأسير في دنيا المشاعر حالما ، + + غردا . . . وتلك سعادة الشعراء
أصغي لموسيقى الحياة ووحيها ، + وأذيب روح الكون في إنشائي
وهكذا عاش ومن أجل تلك المفاهيم والنظرة إلى الوجود ، وإن كان استطاع أن يرسم لنا بشعره صورا ساحرة خلابة ، وكأنه يحس أن في عالم الأغوار عالما غير أغوار عالمنا .
إن في ديوانه " أغاني الحياة " فلسفة الشاعر ورؤيته للوجود العام الكوني تفوق نظرة الرومانسيين و الوجوديين إلى أفاق أرحب أفاق هذا الكائن البشري بكل حلمه ، وهواجسه ، و رؤاه ، ولذالك ف محاضرته عن " الخيال الشعري عند العرب " يكون متمما لرؤاه إلى الوجود والحياة وعلاقتهما بالإنسان العربي .