أيها السّادة
أما وقد حططت رحلي وألقيت بزادي وزوادي في هذه الفلاة ... فإني استميحكم عذرا بدقائق معدودات ...
أنفث فيها لكم ما يجيش في صدري ... واعتذر مسبقا لو أن في كلامي شيئا من الإطالة ...
ذلك أنني - وأنا بين ظهرانيكم - يتعاورني شعوران :
فأما الأول : فشعور بالانبهار .... إذ صافحت عيناي ما سال به مدادكم على صفحات هذا الملتقى البالغ الفرادة
وأما الثاني :شعور رائع بالانصاف ... !!!
الانصاف ممن ؟ وبم ؟ قد يقول قائلكم ..
فأما الانصاف ... فإنكم انتصفتم للثقافة الرفيعة من أدعياء الثقافة وسماسرتها في هذا الفضاء العنكبوتي ...
إني - أيها السادة - ولوقت خلا كنت أنعي حظ الثقافة والأدب الرفيع ... أجل ...كنت أنعي قلة ما يحفل به هذا الفضاء الالكتروني من زادٍ للأدباء وطلاب المعرفة يقيمون فيه أودهم ويشحذون به قرائحهم ...
وإن كنتُ أرى بعضا ممن يلتحفون بقشور الثقافة هنا وهناك إثناء تجوالي وأنا أذرع أروقة الانترنت جيئة وذهابا ... فما تقع عيناي إلا على ثلة ممن ينتسبون للثقافة والادب زورا وبهتانا ...وهي منهم أشد نكرانا ... فلا وشيجة بينها وبينهم
وكنت - ويا لسوء حظي - انتسب في بعض تلك الأندية وأنا اتعلل بالأماني وقد روضت جموح شكي فلعلي اجد ما اصبو إليه ... وكنت أحمل نفسي ما لا تطيق من مؤونة الصبر ... ولكن الحقيقة تأبى إلا أن تهتك حجب الظلام ... فأدركت بعد طول لأي أن ما كنت أتعلل به إن هو إلا محض أوهام ...
وما مثلي ومثل تلك الاندية العقيمة إلا كمثل مسافر في صحراء ...ركن إلى مهمهٍ قفر وهو يحسب أنه عثر على أنهار من عسل ولبن ... فما أن لسعته الشمس بسم أشعتها ... حتى أفاق وأدرك أنه قائم على بسيقان على الوحل .
فضربت صفحا عن هذا العفن الذي عشش وفرخ وضرب بجرانه حتى لا تكاد تميز الغث من السمين والتبر من التراب ... فألوذ بمكتبتي المتواضعه اطالع منها شيئا من زاد المعرفة اتبلغ به ... وقد انقطعت امالي من مكان اركن اليه في هذاالبحر الالكتروني الساحق العميق .
كنت أرى أقزام الثقافة يتفاخرون بالغثاء الذي يكتبون ... وهم ينسخون - من هذا المكان وذاك - ويلصقون .... فلا أشك أن هؤلاء القوم مخبولون .... وبما أوتوا من فتات العلم يتشادقون .... يمضغون شعارات الثقافة وهم أبعد ما يكونون عن الثقافة ...ولا أشك أنهم متأمرون على الثقافة المسكينة ... فلكم أن تعجبوا بعد ذلك من مبلغ ما استبد بي من الحزن وما تمكن من فؤادي من اليأس .... حتى أدرت لهذا الانترنت ظهري وغسلت منه يدي .
وتلحفت بصمتي وأنا أتميز من الغيظ .... وانتصبت علامات الاستفهام على لساني مثيرة زوبعة من الاسئلة لا تكاد تثور حتى تهدأ ولا تكاد تهدأ حتى ثور .... وطرق باب فؤادي بيت حافظ ابراهيم - رحمه الله - إذ يقول على لسان العربية الشريفة وهي ترثي حالها :
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما يعز عليها أن تلين قناتي
أيهجرني قومي - عفا الله عنهم - إلى لغة لم تتصل برواة
فأدركت أن الحزن الذي تملكني قد تملك حافظا ..فمضى ينفث هذه الزفرات الحسرى .. ولكن ما عساي ان افعل ولم أوت ملكة حافظ في نظم ما يختلج شعوره ليطفيء به لظى حرقته ....
وما هي إلا أن جاءت تلك اللحظة التاريخية حين ضغطت على ذلك الرابط وأنا أبحث في أحد الموضوعات وإذا بي أقف على هذا البحر الخضم ....
وإذا بي - وقد بلغت مني الدهشة ما بلغت - وقد خيل إلي أني استشرف من على ربوة الجاحظ وهو يحبر كتبه هنا ، وذاك المبرد يملي كامله في اللغة على تلاميذه ... وهذا النابغة وقد ضربت له قبته يمارس النقد ... فيرفع من شأن هذا الشاعر ويحط من قدر ذاك ... بل وإني اسمع صهيل شعر المتنبي في قاعة سيف الدولة ...وذاك الاصمعي يروي اصمعياتة ويخلب ألباب مستمعيه وهو يتفنن باستخراج دقائق اللغة محللا وشارحا لها.
وبعد أن أفقت من غيبوبة الدهشة ... وذهبت عني انتفاضة الرعشة ... علمت ان في هذا المكان الف الف جاحظ والف الف مبرد ومتنبي ... فاكتست مدامعي بثوب الفرحة ....وطرب مني البنان والجنان .... وتذكرت قوله تعالى (( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ))
أجل إنكم وبإذن الله الحق الذي تدمغ به باطل ادعياء المعرفة والأدب ....
أما الآن وقد قرت عيني بلقياكم ، وانفرجت أساريري برؤيا محياكم ، فإني اتقدم خالعا قبعتي في بلاطكم الشريف ... راجيا منكم أن تسبغوا على ( قُــليمي ) شرف مصاهرة أقلامكم الجليلة الخطر ... الحبلى بالدر والدرر ...عسى أن يكتسي - أي قلمي - بمطر الذي تقذفه سماء بيانكم ، وارعى غيث الادب التي تجود بها غيوم فكركم . واصطلي بدفء البيان الذي تلهج به ألسنتكم ...
فهل تردون مطلب هذاالمسكين أم تؤتونه سؤله ؟ وما إخالكم بذلك تظنون وتبخلون ... فماذا أنتم قائلون ؟!
http://www.merbad.net/vb/showthread.php?t=9402