صفحة من تاريخ الصحافة الساخرة
كانت الشمس سكرى وهي تجمع ما تناثر منها وقد استترت بشجرات بعيدة في الأفق .. حتى لتحسب احمرار السماء في ذلك الوقت خجلا من الكون كله يقدمه وما يدري أيُغفر له أم لا ، وتحت كافورة قائمة على الشاطئ الغربي للوادي وقف شيخ أو هكذا بدا من ردائه يتكئ بكتفه على الكافورة وقريبا منه يجلس شاب آخر قد جمع ثيابه عليه كما يفعل الخائف .. كان كلاهما ينظر للأفق البعيد .. يتبع الموج الهادئ بنظره وفي عقله موج آخر ثائر فائر ، فهو الآن ( الشيخ ) مطارد مطلوب وهذا الشاب هو خادمه الذي خرج معه .. وكل جندي في مصر من جنود الخديوي أو جنود الانجليز يبحثون عنه .. مرت صور كثيرة في ذهنه وهو في موقفه هذا .. الاسكندرية .. دمياط والمنصورة .. قصر الوالدة باشا الأميرة خشيار خانم أم الخديوي اسماعيل بجاردن سيتي .. وخليل آغا .. ثم قهوة متاتيا بالعتبة الخضرا وصورة كبيرة ملأت خاطره .. صورة شيخه جمال الدين وقد اجتمع الناس حوله في قهوة متاتيا يسمعون حديثه ، كان الأفغاني أول أمره يدعو للإصلاح الديني ويراه طريق الإصلاح السياسي والاجتماعي لكن الحديث تغير والتنديد بالظلم والاستعباد قد أخذ أسلوبا آخر .. بدأ الناس يسمعون أن لهم حقوقا لا بد أن يطلبوها وأنهم مطالبون بإبداء آرائهم في جميع شؤون البلاد .. وأصبح الحديث صريحا عن مساوئ إسماعيل ومظالم الانجليز .. وبدأت نفوس الشباب تفور وولدت حركات وعلت في الأفق أسماء وخرجت صحف وفي لحظة انهزم العرابيون وقبض على أكثرهم ودخلت البلاد في محنة عظيمة وأصبح هذا الرجل هو المطلوب الأساسي والوحيد من قبل الحكومة ..
هو عبد الله بن مصباح بن ابراهيم الإدريسي الشهير بعبد الله النديم .. صاحب مجلة التنكيت والتبكيت والطائف والأستاذ .. وكلها صحف فكاهية ساخرة كانت لسانه للإصلاح .
من هو النديم ..
وما ملابسات عصره التي ساهمت في تشكيله ..
وأساليبه في الكتابة والنقد والفكاهة ..
نثرياته و زجله ..
هذا هو الحديث هنـــا .. فاسمعوا .
بدأت مصر حياة جديدة .. فالقاهرة تحقق حلم الخديوي اسماعيل في أن تكون عاصمة تفوق في حسنها باريس وفينا .. (( ولم تكن إلا سنوات حتى قامت القصور على شواطئ النيل بين الجزيرة والروضة وفتحت المدارس ومدت السككك الحديدية واتصل البحران في مشهد فذ في التاريخ شهده ملوك أوروبا )) .. وأسرف إسماعيل في الاستدانة حتى أرهقت مصر بديونها وفتحت الباب للأجنبي في التدخل بشؤونها ..
في تلك الفترة كانت الحياة الداخلية تتشكل بصورة جديدة ، في القاهرة والمدن الكبيرة على الأقل .ظهرت الصحافة السياسية وأصبحت هناك حركة قومية دستورية ترمي إلى تقيد سلطة الحكومة المطلقة .
افتتحت أول مدرسة لتعليم البنات وبدت بوادر الحركة النسائية . وافتتحت المسارح وانشئت دار الاوبرا وأخذت الحياة الثقافية اشكالا جديدة لم تعرفها البلاد ويمكن القول أنها كانت فترة ميلاد للثقافة الجديدة .
( حاسس أني لو فضلت أتكلم بهذا السرد هنقعد سنة ومش هنجيب سيرة النديم بكلمة ، وبناء عليه نترك التفصيل )
يتبــع ::..
سأحرص في هذا الموضوع على تقصي أكثر الاسماء المهمة التي سأوردها إما بالحديث أو الإحالة إلى صفحات قد تحوي ما يفيد .( بعد الانتهاء طبعا )
كذلك أوقفني تاريخ الصحافة الساخرة في مصر وهو تاريخ حافل جميل أتمنى أن يهتم به أحد الأعضاء هنا ويساهم في إبراز بعضه .. ومن القول أن ملحق أيامنا الحلوة في جريدة الأهرام كان قد خصص زاوية صغيرة بعنوان ( 127سنة ابتسامات ) للمرور على أبرز الصحف الساخرة لكن تقريبا توقفت هذه الزاوية ..
كمان .. ولا كفاية ..
كل الود .