الصندوق الحديدي يمتلئ بالنقود ثم يفرغ وهكذا هي دورة الايام يا عبد الودود .كل شيئ بات ينذر برحيل الاماني والاحلام .وانت تخلع القرية عنك وترتدي عوضا عنها المدينة .لم يبق منها الا بضع ارغفة من خبز التنور قد وضعت في صرة كانت قد وضعتها والدتك وكأنها تضع حنانها معها لتكون لك زوادة طريق . عشرون عاما وانت تدور كحمار الطاحون وانت مغمض العينين لكي لاترى الحقيقة المرة التي تدور حولها . لم يعد يربطك شيئ بالقرية بعد وفاة والدتك الا الذكريات .. وتذكرت شيخ القرية الذي يوزع بركاته على القرية كلها .فهو في أول الولائم والاحزان .. يمسح على رؤس الايتام في النهاروعلى صدور امهاتهم في الليل لتحل عليهن بركة الشيخ . وكل اولاد القرية يحملون بركة الشيخ بتمائم مثلثية الشكل توضع على الاكتاف والشبق المتدلي من لحية الشيخ استحال الى مشنقة نصبت لك كنت تحبها اكثر من نفسك وهي كذلك الى حين حلت عليها بركة الشيخ الصور تحولت الى نهر دموع جارف ياخذ كل شيئ في طريقه وخضرة وضعت حد لحياتها وانت تدق رأسك على الجدران من خصب الشيخ .الجميع صدقوه وكذبوك وعندما غادرت القرية استدرت الى الوراء تنظر اليها النظرة الاخيرة وقبل ان تصعد الى الحافلة حاولت الصراخ لكن بلا صوت ..! تلك العرافة كانت تأخذ منك نصف الراتب لكي ترفع عنك سحر الشيخ وقد طلبت منك ان تحضر لها ديك قد خرج من بيضة ديك .وحتى الان لم تعثر عليه .وعلى رغم قناعتك من دجلها الا انك ادمنت الذهاب اليها .لم تجد من تشاركك الفراش وتقتسم حلاوة الايام معك .ومن تلك التي ترضى ان تدفن نفسها في الحياة مع امثالك فالغرفة او الكهف التي تسكن لاتعرف الشمس طريقا اليها . المال وحده يا عبد الودود يصنع السعادة او هكذا يخيل اليك ولكن ما العمل ؟ الراتب يذهب قبل ان يستقر في الجيب . ماذا لو أخذت كل الاموال التي في الخزنة وغادرت بلا عودة ؟ امك رحمها الله كانت تقول: ثلاثة اشياء لايمكن اخفائها الحب والحبل وركوب الجمل . لم تقل عن السرقة او الاختلاس .ويقول شيخ القرية من يسرق بيضة يسرق جمل .وماذا لو انك نمت مثل اهل الكهف واخذت الاموال معك ؟ المسألة بسيطة الغرفة التي تسكنها تشبه الكهف وقد كانوا ستة او سبعة او ربهم اعلم بهم وانت والفقر والغربة والنحس والضياع كذلك . غدا اول الشهر احمل جميع الرواتب وغادر ان جميع من ترى قد اناموا ضمائرهم قبل ان يناموا وانت لست افضل منهم فهم كثرة وانت ومن معك قلة ! ومن قال: ان الكثرة دائما على حق ؟! تقدم من الصندوق وافرغ كل ما فيه وحين هم بالخروج تذكر اطفال الموظفين وقال ماذنبهم ؟ خرج الى الشارع اخذ وجبته المعتادة وبدأ رحلة البحث عن ديك من جديد