في كل صباح تبدأ رحلة اليوم الشاقة.... وبعد أن تقفل اليد باب الغرفة وتضع المفتاح في الجيب وكأنها تغلق كل الأمور الخاصة وتعلن الخروج للأمور العامة..خطوة قدمك اليمنى ثم اليسرى تحثانك إلى السير نحو الكلية
وكما كل يوم لسانك يلهج بالبسملة وسورة الإخلاص والمعوذات والكرسي وما تيسر لك ..... تعيد ترتيب أفكارك وتنظيم حراك عقلك , في الطريق العديد من الناس يسيرون ما يشغلك أحدهم بل تحاول الهروب تلاحقك أعين وأعين وأنت ثابت الخطوة تهرب منهم.. وتقترب من المكان ذاته ,
وإذ بها تعترض طريقك مثل كل يوم تبطئ خطواتك ,يهدأ لسانك وقلبك وتبدأ عيناك تتأملان هذا الخلق الرائع... على يمين الطريق كانت كل يوم تنتظرك تلقى عليك السلام بتحريك لأطرافه,ا تزيد فيك الجمال جمالاً والإحساس بالخالق وتبقى تسلم عليك كل يوم وتأخذ لبك سحراً وجمالاً.
لازالت هذه الشجرة تحتل جزءً جميلاً من ذاكرتي ...كانت شجرة غير اعتيادية, ليست ككل الأشجار, كانت تشعر بي لأني أشعر بها فحين تراني مهموما أراها تهدأ وكأنها تفكر بي .. وحين أكون سعيداً أراها تحرك كل أغصانها وأوراقها بشكل عجيب وحين أطلب منها الدعاء أراها ترفع يدها لبارئها تدعو لي.. ...يا لتينك الشجرة.
وبعد أن مرت الأيام كان علي أن أعود لأسرتي ودعتها وداعاً حاراً وتعاهدنا على الدعاء والزيارة , في البيت انشغلت بأمور الحياة التي لا حصر لها ومرت الأيام وكانت الشجرة تمر بذاكرتي جميلة وذات يوم أحسست بشعور غريب تملكني بوجع سرى في عروقي وكأن فأساً قد ضربت خاصرتي لكنها توقفت وذبحني التفكير بالشجرة ...أخي يقول لي بأنه سيسافر إلى حلب هل أوصيه أن يمر عليها يطمئنني عن حالها ضحك من أمري ثم مشى وقبل أن يدلف من الباب تصيح به أمي : لقد أخذت الحقيبة الخطأ دائماً أنت كذلك عجول مذ خلقت.
بعد أن عاد دخل غرفته, ولم يحادثني ثم خرج وما دريت به, قتلني التفكير بحثت عنه في السوق , عند أصدقائه دون جدوى.. في الليل عاد سألته سريعاً عنها قال لي بهدوء : آه الشجرة لقد قطعت و بنوا مكانها كشكاً وقد اشتريت من عنده علبة سجائر لم يعرف كم قتلني ,كم مرة قتلني......... طاب لي الحزن وكلما تذكرت تلك الأيام أي حب كان بيننا أي مودة
أيا شجرة كانت تحس بيّ ، رحماك يا الله..
وازداد همي وانتابني ألم وسقطت في الفراش وتمكن مني المرض وأهلي يعجبون يحسبون أن مساً أو جنوناً قد ألم بعقلي ...
في الوقت ذاته كانت الشجرة تعاني من ضربة الفأس الخاطئة ...
حين بدأ العمل في المكان يقول المتعهد للعامل بعد أول ضربة فأس : لا ليس هناك، اترك تلك الشجرة اقلع هذه دائماً أنت عجول مذ خلقت ؟!
بقيت الشجرة التي أخطأها أخوه تبكي طوال الليل أرأيتم شجرة تبكي كانت تلك الشجرة تبكي و قد ملها الجيران من خشخشة أغصانها وظلت تهيج بالدعاء ...وازداد حزنها حتى ذبلت أغصانها وأوراقها وأحرق الجوى جوفها وظهرت الحروق في جذعها
وماتت
ماتت تدعو له بدوام الصحة العافية.
شباط /2003
طارق شفيق حقي