سمعنا وقع أقدام وكأن أحدا يجري ،كان المنزل من طين، وكنا نجلس حول طاولة مستديرة أرجلها الثلاثة قصيرة جدا ، كنا جميعا نجلس جلسة القرفصاء، فلا كراسي تليق مع هذه الانواع من الطاولات،ولا كراسي موجودة أصلا ، كان وقع الأقدام يقترب شيئا فشيئا ،ثم سمعنا صوتا ينادي عمتي! عمتي! لقد كان صوت يوسف الذي تاخر في الخارج عندما كان مع أصدقائه بالقرب من عين جارية لاتنضب،حيث يجلس الشباب والاطفال على أسوارها العالية ليتبادلوا اطراف الحديث مستمتعين بتلك البرودة المنعشة التي تنبعث من الماء المتدفق من أنابيبها، بينما يجلس في الجهة المقابلة لتلك العين من يكبروهم سنا، قرب دكان بقال فيستمعون لمذياع ضخم يساهمون بحصص مالية من اجل اقتناء بطارياته التي تستنفذ بعد ساعة فقط ،وكان الشباب يجتمعون عادة بعد العودة من الاشغال الفلاحية بعد صلاة المغرب مباشرة ،فكنا في تلك السنين لاننظر إلى الساعات بقدر ماندير وقتنا وأعمالنا بسماع صوت المؤذن فقط .دخل يوسف وأنفاسه تتلاحق، وبدأت عمته تضحك منه بسخرية ثم قالت له: مابك تجري وتنادي ياولدي؟ لماذا تفعل هذا ؟نحن نسكن هنا منذ زمن ولم نر يوما شبحا او شيئا يدعو إلى الفزع هكذا ،رد يوسف: لا يا عمتي أنا لا أخاف شيئا، فقط أريد ان أصل في أقرب وقت ،لاني تأخرت عن موعد تناول العشاء ولا يجب أن أترككم تنتظرونني أكثر مما يجب ، بعد تناول الطعام اقتربت منه العمة وهي تضع يدها على رأسه وتربت باليد الأخرى على كتفه وهي تهدئ من روعه وكأنها تريد أن تعمل مسحا لذاكرته لتعرف ما يجول بخاطره ، بعد قليل بدأ يفصح عما به ، حيث قال: لا أدري ياعمتي لماذا يتملكني خوف شديد من هذا الدرب الطويل المظلم كلما بدأت المسير به ،ولو استعددت لذلك بكل ما أملك من صبر وقوة ؟ردت العمة : إن الخوف موجود في نفسك وعقلك فقط، أما هذا الدرب فليس فيه شئ، وخوفك ما هو إلا وساوس وإيحاءات لا اساس لها ،ثم قالت بعد ذلك ،أرى أنك يابني لن تخاف هذا الدرب عندما تأتي عندنا السنة المقبلة ،لأنهم قالوا ستعمه مصابيح عدة نورها مبهج ، فيبعد بذلك كل مامن شانه أن يدعو إلى الخوف بالنسبة لك ،.رد يوسف :حتى ولو وضعوا الاف المصابيح سيتملكني الخوف دائما كلما وضعت قدماي في بدايته ،لذلك لن أعود ثانية إلى هذه القرية ،أو إذا أتيت لن أصل عندكم حتى لا أمر من دربكم هذا ثانية ،لأن النور الذي لا يبدأ بالنفوس أولا هو ظلام في حقيقته .
