العراق قطعة اثرية نادرة
عبد الستار النفاخ
لو عملنا مسحاً ميدانياً على المستويين البيئوي والتوثيقي لاغراض الوقوف على الاماكن التاريخية والاثارية من حصون وقلاع واسوار وخنادق وخانات لخرجنا بمحصلة مفادها : ان العراق قطعة اثارية نادرة الوجود، ولو وضعت هذه القطعة في زجاجة لاصبح النظر اليها له ثمن، ولهذا الحكم شواهد كثيرة وادلة ناصعة ملأت بطون المأثورات اضافة الى ما تحتضنه الارض العراقية الذي ما زال غافياً تحت طبقات الارض، يقول يعقوب سركيس ان اثار العراق المستخرجة لا تساوي الا 10% مما هو في باطن الارض .
ولهذا اعتبر العراق ووادي النيل في رأس القائمة الدولية. ولاشك ان للامتداد التأريخي الضارب عمقاً في غور الزمن اثر في امتلاك العراق هذا الكم الهائل من الاثار فالتقادم الزمني له بصماته المعروفة ولكن مع الاسف الشديد ان القائمين على هذا المفصل الحيوي لم يعطوه الاهمية التي يستحقها من التنقيب، فكل الذي توصل اليه علماء البحث والاثار لا يشكل الا نسبة يسيرة مما هو يرقد في طبقات ارضنا العراقية الحبيبة، ولو ألتفت هولاء المعنيون بشؤون الاثار والتراث الى عصر فؤاد سفر وانستاس ماري الكرملي ويعقوب سركيس لوجدوا البون الشاسع بينهم وبين العصر الذي عاشه اولئك العلماء .
وبغض النظر عن التقسيمات الادارية المعاصرة، فأنني لا اجد قضاءً او ناحية او مركز محافظة يخلو من تلك النوادر الباهرة، فاذا القيت نظرة عاجلة على محافظات العراق من الموصل حتى البصرة فأنك تصطدم بعدد هائل من الاثار والدلائل الحضارية الشامخة فقد تبنت مجلة سومر والجزيرة الموصلية والتراث الشعبي مهمة نشر ما عثر عليه علماء الاثار من لقط ثمينة ورقم مميزة وانصاف اجدر مهمة.
من اين نبدأ والى اين ننتهي، هل نبدأ من خرصباد الموصل ام من ابلة البصرة ام من سجن الحجاج بن يوسف الثقفي في واسط ام مدائن بغداد ام قلعة الشيلان في النجف ام سومر الناصرية ام من اسد بابل فالكل مدعاة للفخر والاعتزاز لقيمتها المعنوية والتي تحلم الكثير من الدول العالمية ان تكون بمستواها، وها هم اليوم تراهم يفتخرون بأسوار الصين وبرج ايفل وبعض الشخصيات في بريطانيا وامريكا.
من هذا المنطلق كان العراق محط انظار الغربيين والشرقيين للبحث عن كنوزه المطمورة في طيات ترابه. فقد جابت البعثات الألمانية والفرنسية الارض العراقية للتنقيب والوقوف على هذا التراث الحضاري ورغم ذلك فأنهم لم يصلوا الا الى مقدار يسير من هذه الاثار العظيمة ومن اغرب الحوادث التي شهدها الفرنسيون هي غضب مياه القرنة عندما التهمت اثار خرصباد الموصل، فأن المياه ابت ان تخرج تلك الاثار الى خارج حدود العراق وما زالت راكدة في قصر شط العرب جنوب القرنة.
يعجز القلم عن تعداد مواقع الاثار في العراق، ولك ان تتجول في اثار الموصل وقلعة كركوك وحديثة الانبار وقلعة تكريت واشنونة ديالى وقلعة بغداد واسوارها وحصونها والشرقاط وامتيازاتها والاخيضر وغرابته وواسط الوسيط وشيلان النجف وابلة البصرة ومسجدها العامر منذ عهد الامام علي (ع) وايشان الخزاعل واور الناصرية وسادة السماوة وعزير العمارة.
لاشك ان الحديث عن القلاع والحصون والاسوار والخنادق والابراج والاربطة له علاقة وطيدة بالحركات الامنية اضافة الى العوامل السياسية والتباري في انشاء المدن لتكون اثراً خالداً يحكي قصة الماضي العراقي السحيق وللمزيد من الاستقصاء في معرفة الاثار العراقية يتوجب الرجوع الى مباحث عراقية لمدير الاثار الاسبق المرحوم يعقوب سركيس والدليل التاريخي على مواطن الاثار في العراق وخطط الكوفة للمستشرق الفرنسي (لويس ماسنيون) والمدن في الاسلام حتى العصر العثماني لشاكر مصطفى ومجلة سومر وخطط المقريزي وغيرها الكثير.