هل ماتت فكرة «العروبة»؟
د. يوسف الحسن
- من أسئلة اللحظة الموجعة الراهنة، سؤال «العروبة» الجامعة، والمحفزة للعمل العربي المشترك، والساعية للنهوض ولبناء تكتل عربي معافى وحداثي ومنفتح.
- سؤال نطرحه بمرارة: هل حقاً ماتت فكرة العروبة؟ أم إنها في غفوة عميقة، بفعل الإخفاقات العربية المتواصلة لمشروعات التعاون والتنسيق والتكامل والتضامن، في إطار وحدة المصالح والمخاطر والتحديات إضافة إلى حال الكرب الذي سكن النفوس والأوطان؟
- هل فقدنا كجماعة عربية، البوصلة، فضاعت أمامنا السُبُل، وانفرط الخيط الناظم الذي شكل فكرة العروبة الجامعة؟ لماذا ضعف الوعي بالانتماء إلى المشترك العام، في هذه الأزمنة التي سمتها الكبرى هي الاضطراب، وفقدان الثقة بالنفس، واليأس؟
قال صاحبي ونحن نشارك في ورشة عمل، نظمتها قبل أيام جامعة دولية، للبحث في «مستقبل النظام الإقليمي العربي»: «لعل السبب الرئيسي يكمن في الشعور بالانهزام النفسي، وهو الشعور الذي يدفع بنخبة عربية إلى الارتداد على العروبة، وإنكارها»، وذكّرنا صاحبي بالهزائم العربية والانكسارات، والهياج بين النظم وداخلها، منذ أكثر من خمسة عقود حتى الآن.
وأضاف صاحبي، متسائلاً:
«هل حملت فكرة العروبة شيئاً من العنصرية المنغلقة، والشوفينية والتطرف والكراهية للغير، حتى ينكرها البعض؟ وهل نحملها وزر نظم سياسية، وأخطاء أحزاب عقائدية سلطوية، رفعت شعارات العروبة، وأنشدت حباً وهياماً بها، ثم تقاتلت، وغردت خارج سرب العروبة نفسها؟».
- قلت لصاحبي: «لقد احتاجت أوروبا لنحو عقد من الزمان فقط، للتخلص من اقتتالها الدموي في الحرب العالمية الثانية، لتبدأ رحلة اكتشاف الذات، وتشييد أول نواة لتكامل أوروبي حقيقي فاعل على الساحتين الداخلية والخارجية».
- لقد طال الأمد، واستفحل الخطر في ديارنا العربية، وغاب الهدف الجماعي والإرادة الجماعية، وتكلست مؤسسة العمل العربي المشترك، دوراً وإدارة وإمكانيات مالية ونظماً ومبادرات، وصارت محل تندر في المجالس والمؤتمرات العربية منها والدولية على حد سواء.
وليس ببعيد، ما قاله وزير خارجية تركيا، عن مؤسسة الجامعة العربية، من نقد وقح أثار الكثير من الوجع في الوطن العربي.
- لم تكن فكرة العروبة النقية يوماً من الأيام فكرة عنصرية أو شوفينية، ولا توجد أدلة تاريخية تثبت أن العروبة بهويتها الثقافية الجامعة، وبمكوناتها الثقافية الفرعية، كانت منغلقة، أو ظلامية.
- وتساءلت في ورشة العمل المذكورة قائلاً:
«مَنْ مِنْ أجيالنا في خمسينات وستينات القرن العشرين، انشغل يوماً بأسئلة مَقيتة، على غرار: هل صلاح الدين الأيوبي كان عربياً أم كردياً؟ وهل الزعيم الفلاني، أو جارك هو شيعي أم سني أم مسيحي أم درزي أم زيدي أم أباضي.. إلخ؟».
- كانت «المواطنة» هي الأساس في فكرة العروبة، والتضامن والتكامل والتعاون، هو الهدف المنشود.
- ما يجري في هذه الأيام، ويتداول من تبريرات متهافتة حول موت فكرة العروبة، كهوية جامعة، وثقافة ومصالح مشتركة، لا يعني سوى المزيد من التدهور والتفكك، وصولاً إلى الهشاشة الداخلية والمعرضة للاحتراق خارجياً.
- صحيح، أننا نمر بمرحلة انتقالية صعبة وخطيرة، إن على مستوى الدولة الوطنية، أو على مستوى فكرة العروبة ومؤسساتها، حيث تم تدويل قضايانا وأزماتنا العربية، وتعزيز الهزيمة واليأس في نفوس الأجيال، وانتهينا إلى الوقوف أمام امتحانات عسيرة.. نمتحن فيها إرادتنا العربية الجماعية، باستعادة النظام الإقليمي العربي وتطويره، واحترام قواعده المؤسسة على فكرة العروبة الجديدة، المدركة والواعية لذاتها ولعصرها.
- ليس عيباً، أن نعاود الاستماع إلى قصائد لنزار قباني تنتقد حالة العروبة الراهنة، ونردد معه «على العرب السلام». أو نستحضر أشعاراً لمظفر النواب، أو لفنان أضحكنا وأبكانا مثل دريد لحام أو عبد الحسين عبد الرضا، وغيرهم من الشعراء والأدباء وكتّاب الدراما.
لكن العيب، أن نتنكر لهويتنا الثقافية المشتركة، ولفكرة العروبة، وأن ننعى لغتنا، ونشوه روح تراثنا الإنساني، ورموزاً لقيادات تاريخية في حضارتنا العربية الإسلامية.
- قال لي صاحبي، وهو يردد نشيد «بلاد العرب أوطاني»: «يا صديقي إن ما نفتقده اليوم، هو غياب الإرادة السياسية لدى النخب والساسة، والقادرة على إحداث الفرق في الوضع العربي المتجه إلى الهاوية والتفكك».
- لكن كيف تتأتى هذه الإرادة السياسية؟ كيف «نُصنّعها» ونغذيها بالأمصال، ونقويها بالضغوط الشعبية التواقة إلى العمل العربي المشترك، والمتحررة من التعصب والهويات الفرعية القاتلة والمعطلة لتماسك المجتمعات الوطنية؟
- كيف ندرب ونعلم الأجيال، التفكر بعقلانية، وأن البيت المتماسك أفضل من البيت الممسوك، وأن العروبة كهوية مشتركة وجامعة، هي البوصلة السليمة لبناء أمة كتلة عربية إنسانية حضارية؟.
هذه أسئلة شائكة.. وبقدر ما هي موجعة.. فإن طرحها ضرورة كبرى.