طه عمران وادى من رموز التنوير

بقلم: وجدى زين الدين
............................

مازالت الأحزان تتوالى، فقد غاب عن دنيانا فى الأسبوع الماضى عالم ومفكر كبير هو الدكتور طه عمران وادى الأستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة، الذى أثرى المكتبة العربية بروائع فى الفكر والأدب والنقد والسياسة، إضافة إلى روائعه الواقعية فى فن القصة القصيرة.. ففى سطور قليلة بصفحة الوفيات بالأهرام نشر خبر وفاة المفكر الجليل طه وادى دون ضجيج إعلامى حوله، ودون أدنى اهتمام حول رحيل أحد رجالات العلم والفكر فى هذا البلد. وصحيح أن هذا الرجل ـ رحمه الله ـ كان يزهد الإعلام وكرس حياته للبحث العلمى
ولطلبته فى مصر والدول العربية، واتخذ منهجاً أخلاقياً رسمه لنفسه منذ أن وطئت قدماه إلى القاهرة قادماً من ريف الدقهلية ـ قرية كفر بدواى ـ إلا أن ذلك لا يمنع أبداً أجهزة الإعلام أن تهتم بمثل هذا العالم الذى أبدع فى تحليل الأدب العربى بمنهج واقعى، مطبقاً الظروف السياسية كأحد العوامل الرئىسية فى نقد الأدب.
فهو القائل فى كتابه الصادر عن دار المعارف.. شعر ناجى الموقف والأداة عندما كان يؤرخ لنشأة »جماعة أبوللو« فى الشعر، لقد تشكلت هذه الجماعة فى فترة تعد من أصعب الفترات التاريخية وأقساها فى مصر الحديثة.. لقد تهاون القصر والإنجليز واتفقا على أن يسلبا مصر أى حق ديمقراطى أو دستورى كسبته، واستطاعا بمعاونة رئىس الوزراء محمد محمود »1927 ـ 1929«، ثم اسماعيل صدقى »1930 ـ 1935«، أن يوقفا الدستور ويعطلا الحياة النيابية، ويقهرا كل رأى ويجهضا أى محاولة للوقوف ضد استبداد الحكم. وتبع ذلك الاستبداد السياسى والقهر الفكرى خراب اقتصادى وظلم اجتماعى فادحان، كما تأخرت حركة التعليم، وتعثرت كثير من الصحف والمجلات والنوادى الثقافية.
وشهدت الفترة من عام 1935 حتى نهاية الحرب الثانية عنف المد الثورى وقوة المقاومة للحكم المستبد، تبدى ذلك فى مظاهرات الطلبة والعمال وكثرة الأحزاب السياسية، ونشأة تكوينات عقائدية مثل الإخوان المسلمين والخلايا الشيوعية، كما ان نفس الفترة قد شهدت عنف الاغتيالات السياسية حيث قتل امين عثمان واحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى وحسن البنا وغيرهم. ويرى المفكر الراحل طه وادى أنه وسط هذا الاطار الملتهب والمتأزم سياسياً واجتماعياً واقتصادية ظهرت جامعة أبوللو فى الفترة مابين »1932 و1935«.
باختصار شديد استطاع طه وادى المفكر ان يوظف السياسة والاقتصاد فى درس الشعر العربى ونقده، وخرج بمدرسة نقدية تفرد بها هو دون غيره، حتى أصبح بحق سياسياً بارعاً وناقداً للأدب فقد، تمكن بمقدرة بالغة ان يتحكم فى أدوات نقده، حتى ان معظم روائعه فى النقد تتناول ظاهرتين الأولى الموقف والثانية الأداة لدى من يتناول أعمالهم بالدرس والبحث العلمى. كما ان نشأة طه وادى فى كفر بدواى التى تقع الى جوار مدينة المنصورة، كان لها أكبر الأثر فى تكوينه الشخصى، فهو الذى تناولها بأشجارها وبساتينها فى كل قصصه القصيرة.
ويبقى السؤال الذى رددته كثيراً على القائمين على إدارة جامعة القاهرة لماذا تتجاهل الجامعة هؤلاء الأعلام ولا تصدر بشأنهم سلسلة من الكتب حتى تتعرف عليهم الاجيال الحالية وكانت الفرصة سانحة الآن بمناسبة الاحتفال بمئوية الجامعة للقيام بهذا الدور؟... ولماذا تتجاهل الجامعة هؤلاء النوابغ الذين أثروا المكتبة العربية بروائع تعد نبراساً وهدى لطلاب العلم والفكر؟..
ألم تكن هذه فرصة رائعة »الاحتفال بالمئوية« لابراز دور هؤلاء العلماء الذين أفنوا حياتهم فى البحث العلمى؟ بدلاً من الطبل والزمر الذى حدث بدون فائدة، أم ان هذه هى سمة الفساد الذى استشرى فى المجتمع وطال الجامعة التى من المفترض أن تكون قلعة للتنوير والفكر.. أم كما يقول الراحل طه وادى نفسه ان هذه أصعب وأقسى الفترات التاريخية فى مصر الحديثة؟!
.....................................
*الوفد ـ في 6/4/2008م.