1.مسألة:الاختلاف في علة جعل الإعراب في آخر الكلمة
اختلفوا في جعل الإعراب في آخر الكلمة، فقال بعضهم: إنما كان لأن الإعراب دال على معنى عارض في الكلمة فيجب أن تستوفى الصيغة الموضوعة لمعناها اللازم، ثم يؤتى بعد ذلك بالعارض كتاء التأنيث وياء النسب، وقال آخرون: إنما جعل أخيرا، لان الإعراب يثبت في الوصل دون الوقف فكان في موضع يتأتى الوقف عليه وهو الأخير، وقال قطرب: إنما جعل أخيراً لتعذر جعله وسطا إذ لو كان وسطا لاختلطت الأبنية، وربما أفضى إلى الجمع بين ساكنين أو الابتداء بالساكن، وكل ذلك خطأ لا يوجد مثله فيما إذا جعل أخيرا، قال قطرب: والمذهب الأول فاسد لأن كثيرا من المعاني العارضة تدخل في أول الكلمة ووسطها قبل استيفاء الصيغة نحو: الجمع والتصغير وهو معنى عارض.
والجواب: ان العلل المذكورة كلها صحيحة وأمتنها عند النظر الصحيح هو الأول، وأما ما نقض به من التصغير والجمع فلا يصح لوجهين:
أحدهما: أن التصغير والجمع معنيان يحدثان في نفس المسمى، وهما التكثير والتحقير، فلذلك كانت علاماتهما في نفس الكلمة، لأن التكثير معناه ضم اسم إلى اسم وهو مساو له في الدلالة على المعنى، فكان الدال على الكثرة داخلا في الصيغة، كما أن إضافة أحدهما إلى الآخر داخل في المعنى، وليس كذلك المعنى الذي يدل عليه الإعراب فان كونه فاعلا لا يحدث في المسمى معنى في ذاته بل هو معنى عارض أوجبه عامل عارض.
والوجه الثاني: أن التصغير والجمع من قبيل المعاني التي يقصد إثباتها في نفس السامع، فيجب أن يبدأ بها أو تقرن بالصيغة لتثبت في نفس السامع معناها قبل تمام المعنى الأصلي بدونها، وهذا كما جعل الاستفهام والنفي في أول الكلام ليستقر معناه في النفس، ولو أخر لثبت في النفس معنى ثم أزيل وليس كذلك الإعراب، لان الصيغة المجردة عن الإعراب لا تنفي كون الاسم فاعلا أو مفعولا حتى إذا جاء الإعراب بعد ذلك أزال المعنى الأول، وكذلك الألف واللام جعلت أولا ليثبت التخصيص في المسمى، ولا يؤتى بها أخيرا لئلا يحدث التخصيص بعد الشياع ، واحتج الآخرون الذين قالوا: بأن الإعراب لا ينبغي أن يكون موضعه أخيراً بأنه دال على معنى في الكلمة فوجب أن يكون في أصلها كالتصغير والجمع والتعريف والنفي والاستفهام وغير ذلك، وإنما عدل إلى الأخير لما ذكرناه من اختلاط الأبنية؛ والجواب عن هذا قد سبق. والله أعلم
2.مسألة: الاختلاف في حقيقة الصرف
الصرف هو التنوين وحده، وقال آخرون: هو التنوين والجر، حجة الأولين من ثلاثة أوجه :
أحدها: أنه معنى ينبئ عنه الاشتقاق فلم يدخل فيه ما لا يدل عليه الاشتقاق كسائر أمثاله؛ وبيانه أن الصرف في اللغة هو الصوت الضعيف كقولهم صرف ناب البعير، وصرفت البكرة، ومنه صريف القلم، والنون الساكنة في آخر الكلمة صوت ضعيف فيه غنة كغنة الأشياء التي ذكرنا، وأما الجر فليس صوته مشبها لما ذكرنا لأنه حركة، فلم يكون صرفا كسائر الحركات ألا ترى أن الضمة والفتحة في آخر الكلمة حركة ولا تسمى صرفا.
والوجه الثاني: وهو أن الشاعر إذا اضطر إلى صرف ما لا ينصرف جر في موضع الجر، ولو كان الجر من الصرف لما أتي به من غير ضرورة إليه، وذلك أن التنوين دعت الضرورة إليه لإقامة الوزن، والوزن يقوم به سواء كسر ما قبله أو فتح فلما كسر حين نون علم أنه ليس من الصرف، لأن المانع من الصرف قائم ، وموضع المخالفة لهذا المانع الحاجة إلى إقامة الوزن فيجب أن يختص به.
الوجه الثالث: أن ما فيه الألف واللام لو أضيف لكسر في موضع الجر مع وجود المانع من الصرف، وذلك يدل على أن الجر سقط تبعا لسقوط التنوين بسبب مشابهة الاسم الفعل، والتنوين سقط لعلة أخرى فينبغي أن يظهر الكسر الذي هو تبع لزوال ما كان سقوطه تابعا له، واحتج الآخرون من وجهين:
أحدهما: أن الصرف من التصرف وهو التقلب في الجهات وبالجر يزداد تقلب الاسم في الإعراب فكان من الصرف.
والثاني: انه اشتهر في عرف النحويين ان غير المنصرف ما لا يدخله الجر مع التنوين، وهذا حد فيجب أن يكون الحد داخلا في المحدود.
والجواب: عن الأول من وجهين:
أحدهما: أن اشتقاق الصرف مما ذكرناه لا مما ذكروا وهو أقرب إلى الاشتقاق.
والثاني: أن تقلب الكلمة في الإعراب لو كان من الصرف لوجب أن يكون الرفع والنصب صرفاً، وكذلك تقلب الفعل بالاشتقاق لا يسمى صرفاً، وإنما يسمى تصرفاً وتصريفاً. وأما ما اشتهر في عرف النحويين فليس بتحديد للصرف، بل هو حكم ما لا ينصرف فأما ما هو حقيقة الصرف فغير ذلك، ثم هو باطل بالمضاف وما فيه الألف واللام فان تقلبه أكثر ولا يسمى منصرفا. والله أعلم
3.مسألة: الاختلاف في حقيقة الإعراب
ذهب أكثر النحويين إلى أن الإعراب معنى يدل اللفظ عليه، وقال آخرون: هو لفظ دال على الفاعل والمفعول مثلا، وهذا هو المختار عندي. احتج الأولون من أوجه:
أحدها: أن الإعراب اختلاف آخر الكلمة لاختلاف العامل فيها، والاختلاف معنى لا لفظ كمخالفة الأحمر الأبيض.
والثاني: أن الإعراب يدل عليه مرة الحركة، وتارة الحرف كحروف المد في الأسماء الستة، والتثنية، والجمع، وما هذه سبيله لا يكون معنى واحدا بل هو دليل على المعنى، والدليل قد يتعدد والمدلول عليه واحد.
والثالث: أن الحركات تضاف إلى الإعراب، فيقال حركات الإعراب وهي ضمة إعراب، وإضافة الشيء إلى نفسه ممتنعة وكذلك الحركات توجد في المثنى وليست إعراباً؛ واحتج الآخرون بأن الأصل في الإعراب الحركة، وأنها ناشئة عن العامل، كقولك : قام زيد، فالضمة حادثة عن الفعل، والفعل عامل والعمل نتيجة العامل، والعمل هو الحركة. فأما كون الاسم فاعلا أو مفعولا فهو معنى مجرد عن علامة لفظية، يجوز أن تدرك بغير لفظ كما يدرك الفرق بين المبنيات بالمعنى مع الحكم بالبناء، كقولك: ضرب هذا هذا، وكذلك في المعرب نحو كلم موسى عيسى، فعلم أن الإعراب هو الحركة المخصوصة هذا هو حجة هؤلاء، والذي أحرره هنا أن أقول: إن الإعراب فارق بين المعاني العارضة كالفاعلية والمفعولية، والتعجب، والنفي، والاستفهام نحو: ما أحسنَ زيداَ!، وما أحسنَ زيدُ وما أحسن زيد؟، نفس الحركات هنا هو الفارق بين المعاني ، وإذا ثبت أن الإعراب فارق بين المعاني، فالفرق الحاصل عن الفارق يعرف تارة بالعقل كمعرفة أن الاثنين أكثر من الواحد، وأقل من الثلاثة، هذا معلوم بالعقل من غير لفظ يدل عليه، وتارةً يعرف بالحس من السمع والبصر واللمس والذوق والشم، فأنت تفرق بين زيد وعمرو في التسمية، بما تسمعه من اللفظين وتفرق بين الأحمر والأبيض بحاسة البصر، وبين الحار والبارد، والناعم والخشن باللمس وبين الحلو والمر بالذوق، وبين الريح الطيبة والخبيثة بالشم، والإعراب من قبيل ما يعرف بحاسة السمع، ألا ترى أنك إذا قلت لإنسان: افرق بين الفاعل والمفعول والمضاف إليه، في نحو قولك: ضرب زيد غلام عمرو، فانه إذا ضم أولا وفتح ثانياً، وكسر ثالثا حصل لك الفرق بألفاظه لا من طريق المعنى فأنك أنت قد تدرك هذا المعنى بغير لفظ فدل أن الإعراب هو لفظ الحركة.
وأما ما أعرب بالحرف فهو حاصل من اللفظ أيضا، لأن الحرف لفظ كما أن الحركة لفظ ، وأما كون الحركة بناء في المبني فلا يمنع أن تكون إعرابا في المعرب، ويكون الفرق بينهما أن حركة الإعراب ناشئة عن عامل فهي حركة مخصوصة وحركة المبني ليست مخصوصة بعامل.وأما إضافة الحركة إلى الإعراب فلا تدل على أنهما غيران، بل هو من قبيل إضافة النوع إلى الجنس وهذا كما تقول: رفع الإعراب ونصبه وجره فتضيف الرفع إلى الإعراب وهو نوع منه، يدل على ذلك أن الرفع إعراب بلا خلاف وكذلك النصب والجر، ومعلوم أن حقيقة الرفع هو الضمة الناشئة عن العامل فيلزم أن يكون الإعراب لفظا. والله أعلم.
4.مسألة: أيهما أسبق حركات البناء أم حركات الإعراب.
اختلفوا في حركات الإعراب، هل سابقة على حركات البناء أو بالعكس؟ أو هما متطابقان، من غير ترتيب؟ فذهب قوم إلى الأول وهو الأقوى؛ والدليل عليه من وجهين:
أحدهما: أن الإعراب تابع لفائدة الكلام، والكلام موضوع للتفاهم فيجب أن يكون مقارنا للكلام كمقارنة المفرد لمعناه؛وبيان ذلك أن المفرد في نحو قولك: فرس، وغلام، وجبل، متى ذكر واحد من هذه الألفاظ كان معناه مصاحبا له فإذا انتهى اللفظ فهم معناه عند انتهائه، وكذلك الكلام المقصود منه ما تحصله من الفائدة عند التخاطب، والتخاطب لا يكون إلا بالمركب، فالمفردات تصور المعاني والمركبات تفيد التصديق وهو المقصود الكلي من وضع الكلام، فإذا كان مقارناً للكلام فهم معنى المركب، عند انتهاء ألفاظه كقولك: أعطى زيد عمرا درهماً، فأنك لا تدرك معنى هذه الجملة إلا أن تعلم الفاعل والمفعول حتى يستقر عندك معنى ما قصد بالجملة؛ فأما حركات البناء فلا تفيد معنى في المركب وإنما هي شيء أوجبه شبه الحرف الذي لم يوضع لتفيد حركته معنى.
الوجه الثاني: أن واضع اللغة حكيم ومن حكمته أن يضع الكلام للتفاهم؛ ولا يتم التفاهم إلا بالإعراب فوجب أن يكون مقارنا للكلام لتحصل فائدة الوضع وأما البناء فلا يعرف المعنى فيه من اللفظ، وإنما يعرف بجهة أخرى ألا ترى أنك إذا قلت: ضرب موسى عيسى لم يفهم من اللفظ الفاعل من المفعول، وإنما ميزوا بينهما بأن ألزموا الفاعل التقديم، وهذا أمر خارج عن اللفظ، والإعراب إما هذا اللفظ أو مدلول اللفظ، ولو قال: كسر موسى العصا فهم الفاعل من المفعول من المعنى إذ قد ثبت ان المراد بموسى الكاسر وبالعصا المكسور وهذا أيضا خارج عن أدلة الألفاظ إلا أنه مع خروجه عن دليل اللفظ يقدر الإعراب عليه تقديرا والتقدير إعطاء المعدوم حكم الموجود، وإنما كان كذلك لقيام الدليل على أن هذه الأسماء،غير مبنية فيلزم ان تكون معربة، واحتج من قال: حركات البناء أصل، بأن حركة البناء لازمة ، وحركة الإعراب منتقلة واللازم أصل للمنتقل وسابق عليه،واحتج من قال: لا يسبق بعضها بعضاً أن واضع اللغة حكيم فيعلم من الابتداء ما يحرك للإعراب، وما يحرك لغيره فيجب ان يتساوق، ولا يتسابق والجواب عن شبهة المذهب الثاني: ان الفرع والأصل لا يؤخذ من اللزوم والانتقال بل يؤخذ من جهة إفادة المعاني ثبت ان الأسماء هي التي يقع فيها اللبس وأنها مجال الفاعلية، والمفعولية فكان الإعراب مقارناً لها لئلا يقع اللبس ثم يحتاج إلى إزالته بعد وقوعه والبناء أجنبي عن ذلك.
والجواب عن شبهة المذهب الثالث: إنا لا نريد السبق بالزمان بل السبق بالرتبة، ولا شك ان الإعراب سابق بالرتبة، وأما البناء فيجوز أن يكون متأخرا عن الإعراب وان يكون مقارنا له بالوضع. والله أعلم
5.مسألة: علة زيادة التنوين في الاسم
العلة في زيادة تنوين الصرف على الاسم أنه أريد بذلك بيان خفة الاسم وثقل الفعل، وقال الفراء: المراد به الفرق بين المنصرف وغير المنصرف، وقال آخرون المراد به الفرق بين الاسم والفعل، وقال قوم: المراد به الفرق بين المفرد والمضاف، والدلالة على المذهب الأول أن في الكلمات ما هو خفيف، وما هو ثقيل والخفة والثقل يعرفان من طريق المعنى لا من طريق اللفظ، فالخفيف ما قلت مدلولاته ولوازمه، والثقيل ما كثر ذلك فيه فخفة الاسم أنه يدل على مسمى واحد ولا يلزمه غيره في تحقيق معناه كلفظة، رجل فان معناها ومسماها الذكر من بني آدم،والفرس هو الحيوان الصهال، ولا يقترن بذلك زمان ولا غيره ومعنى ثقل الفعل أن مدلولاته، ولوازمه كثيرة فمدلولاته الحدث،والزمن ولوازمه الفاعل والمفعول والتصرف وغير ذلك، فإذا تقرر هذا فالفرق بينهما غير معلوم من لفظهما فوجب أن يكون على ذلك دليل من جهة اللفظ والتنوين صالح لذلك لأنه زيادة على اللفظ، والزيادة ثقل في المزيد عليه والاسم يحتمل الثقل لأنه في نفسه خفيف، والفعل في نفسه ثقيل فلا يحتمل التثقيل، وهذا معنى ظاهر فكان الحكمة في الزيادة، وقول الفراء: إن حمل على معنى صحيح فمراده ما ذكرنا ولكن العبارة ركيكة، وإن حمل على ظاهر اللفظ كان تعليل الشيء بنفسه لأنه يصير إلى قولك التنوين يفرق بين ما ينون وبين ما لا ينون، وذا تعليل الشيء بنفسه. وأما من قال: فرق بين الاسم والفعل فلا يصح لأوجه:
أحدها: ان الفرق بينهما من طريق المعنى وذلك أن الاسم يدل على معنى واحد والفعل على معنيين وقد ذكرنا ذلك في حديهما.
والثاني: أن العلامات اللفظية بينهما كثيرة مثل قد والسين وسوف والتصرف مثل كونه ماضيا ومستقبلا وأمرا، والاسم يعرف بالألف واللام وغيرهما والثالث: أن الاسم الذي لا ينصرف لا تنوين فيه وهو مباين للفعل؛ وأما من قال يفرق بين المفرد والمضاف فقوله باطل أيضاً، من جهة أن المفرد مطلق يصح السكوت عليه والمضاف مخصوص محتاج إلى ما بعده، وأن الاسم الذي لا ينصرف قد يضاف وإضافته غير لازمة فيكون مفردا مع أنه لا ينون فلو كان المفرد لا يفصل بينه وبين المضاف إلا بالتنوين لزم ألا يكون المفرد إلا منصرفا.
6.مسألة: الاختلاف في بناء فعل الأمر أمعرب هو أم مبني.
فعل الأمر مبني نحو: قم واضرب، وقال الكوفيون: هو معرب بالجزم ، لنا أنه لفظ لا يفرق بإعرابه، بين معنى ومعنى فلم يكن معربا كالحرف، والدليل على هذه الجملة أن الإعراب معنى زائد على الكلمة فلا ينبغي أن يثبت إلا إذا دل على معنى، وفعل الأمر لا يحتمل معاني يفرق الإعراب بينها، فلم يحتج إلى الإعراب وقد ذكرنا في إعراب الفعل هل هو استحسان أم أصل، فيما تقدم والإعراب إما أن يثبت أصلا أو استحسانا وكلاهما معدوم؛ أما الأصل فلأنه لا يحتمل معاني يفرق الإعراب بينها؛ وأما الاستحسان فهو أن فعل الأمر لا يشابه الاسم حتى يحمل عليه في الإعراب بخلاف المضارع فانه يشبه الاسم لوجود حرف المضارعة، وليس في لفظ الأمر هنا حرف مضارعة يشبه به الاسم فعند ذلك يجب أن يكون مبنيا ً؛ واحتج الكوفيون: بأنه فعل أمر فكان معربا بالجزم كما لو كان فيه حرف المضارعة كقولك: لتضرب يا زيد وليضرب عمرو ولا إشكال في أن كل واحد منهما أمر فإذا كان أحد الأمرين معربا كان الآخر، كذلك قالوا، فان قيل هناك حرف المضارعة، وهو المقتضي للشبه قيل فعل الأمر إن لم يكن فيه حرف المضارعة لفظا فهو مقدر مراد، وحذف لفظا للعلم به فالتقدير في قولك: قم لتقم ويدل على ذلك أن حذف لام الأمر قد جاء صريحا كقول الشاعر:
محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا
أي لتفد، وقال الآخر:
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى أي ليبك.
والجواب: ان هذا الفعل لم يوجد فيه علة الإعراب لأن علة إعرابه إما أصل أو شبه وكلاهما لم يوجد على ما تقدم، وكونه أمرا لم يوجب إعرابه بل الموجب إعراب الفعل الشبه بالاسم والشبه بالاسم كان بحرف المضارعة، والفعل بنفسه هناك ليس بأمر بل الأمر حاصل باللام وفي قم و بع هو أمر بنفسه والحاصل أنا منعنا علة الأصل، وهو أن قولك ليضرب زيد لم يعرب لكون الفعل أمرا وفي خذ وكل،الفعل أمر فلا جامع إذا بينهما، قولهم: إن حرف المضارعة محذوف كلام في غاية السقوط، وذلك أن الحذف لا يوجب تغيير الصيغة بل يحذف ما يحذف ويبقى ما يبقى على حاله، كقولك: ارم فان الأصل الياء، ولما حذفت بقي ما كان على ما كان عليه، وليس كذلك ها هنا فأنك إذا قلت: يضرب زيد وحذفت الياء لم تقل ضرب زيد بل تأتي بصيغة أخرى وهي: اضرب ولأن الجزم هناك باللام ، وإذا حذف الجازم لا يبقى عمله كما إذا حذف الجار لم يبق الجر وكذلك ها هنا لو حذفت اللام لم يبق عملها هذا لو كان الحذف للام وحدها فكيف إذا حذفت اللام وحرف المضارعة وتغيرت الصيغة؛ وأما الشعر فهو على الخبر لا على الأمر إلا انه حذف الياء من آخر الفعل ضرورة والأصل، تفدي و تبكي؛ وجواب آخر: وهو أنه حذف اللام وبقي حرف المضارعة، ولم تتغير صيغة الفعل بخلاف مسألتنا.
والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. هذا آخر إملاء الشيخ أبي البقاء وصلى الله على سيدنا وآله وصحبه وسلم.
توقيع الكاتب واسمه: يوسف بن يوسف بن محمد بن خضر بن يعقوب بن خضر الشافعي.
تم مسك هذا الكتاب يوم الجمعة: 18 جمادى الثانية 1426.
الموافق 12/07/ 05
والله اسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه.
أسأل كل من انتفع بهذا الكتاب أن يدعو لي وللمسلمين بظهر الغيب.
والسلام عليكم ورحمة الله.
ميلود بن عبد الرحمن