مما قيل في الشباب والشيب شعرا
******************

قال علقمة بن عبدة الفحل الجاهلي في قصيدة له طويلة من البحر الطويل مطلعها:

طحا بك قلب في الحسان طروب/
بعيد الشباب عصر حان مشيب
إلى أن يقول فيها:

فإن تسألوني بالنساء فإنني/
خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ماله/

فليس له في ودهن نصيب
يردن ثراء المال حيث علمنه/

وشرخ الشباب عندهن عجيب
وقال محمد بن عيسى المخزومي في ذلك:

قالت: أحبك قلت كاذبة/
غري بذا من ليس ينتقد
لو قلت لي: أشناك، قلت: نعم/

الشيب ليس يحبه أحد

وقد تلطف من قال وأفاد استجلاب ودهن بالمال:

وخود دعتني إلى وصلها/
وعصر الشبيبة مني ذهب
فقلت مشيبي لا ينطلي/

فقالت بلى ينطلي بالذهب
وقال يزيد بن الحكم بن أبي العاص البصري: وأنشدهما الحجاج بن يوسف الثقفي:

فما منك الشباب ولست منه/
إذا سألتك لحيتك الخضابا
وما يرجو الكبير من الغواني/

إذا ذهبت شبيبته وشابا

وقال غيره:
ولما رأيت شيب رأسي بدا/
فقالت عسى غير هذا عسى
فقلت البياض لباس السرور/

وأما السواد لباس الأسى
فقالت صحيح ولكنه/

قليل النفاق بسوق النسا

وأول من خضب بالوسمة بمكة عبد المطلب، قيل له لما نزل اليمن هل لك أن تغير هذا البياض فتعود شابا، فخضب فدخل مكة كأن شعره حلك غراب، فقال له بعض النساء: يا شيبة الحمد لو دام لك هذا لكان حسنا، فأنشد عبد المطلب:
فلو دام لي هذا السواد حمدته/
فكان بديلا من شباب قد انصرم
تمتعت منه والحياة قصيرة/

ولا بد من موت تبكيه أو هرم
وماذا الذي يجري على المرء حفظه/

ونعمته دوما إذا عرشه انهدم

ومن شعر الخليفة المستنجد يوسف بن محمد العباسي، على ما نقله صلاح الدين الصفدي في الوافي بالوفيات قوله:


عيرتني بالشيب وهو وقار/
ليتها عيرت بما هو عار
إن تكن شابت الذوائب مني/

فالليالي تنيرها الأقمار

وقد نسب الأبيات في الكتاب المذكور ليحيى بن نصر السعدي البغدادي في ترجمته، وذكر له قبلهما قوله:


لو كنت ذا مال وذا ثروة/
والشيب ما آن ولا قيل كاد
لجاملت جمل بميعادها/

وساعدت بالوصل منها سعاد
ذكر جماعة من علماء التفسير منهم القرطبي وغيره أن النذير في قول الله تعالى { أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير
} قيل هو الشيب، وإلى هذا أشرت في قصيدة لي:

فوا أسفى ذهب الشباب وحل بي/
نذير أتاني أنني سوف أذهب

وفي أبيات أخرى:

إليك أشكو رسول الله من وجلي/
نأى شبابي سدى واحتاط بي أجلي
نأى الشباب وجاء الشيب ينذرني/

بأنني راحل للقبر، واخجلي
وأخجلني من مقام لست أنكره/

إذا بدا لي على روس الملا زللي
يا سيدي يا رسول الله خذ بيدي/

إني أتيت بلا علم ولا عمل

وقال الإمام أبو محمد رزق الله التميمي رحمه الله ورضي عنه، توفي سنة 488 كما ذكره ابن رجب:


وما شنآن الشيب من أجل لونه/
ولكنه حاد إلى البين مسرع
إذا ما بدت منه الطليعة آذنت/

بأن المنايا خلفها تتطلع
فإن قصها المقراض صاحت بأختها/

فتظهر تتلوها ثلاث وأربع
وإن خضبت حال الخضاب لأنه/

يغالب صنع الله والله أصنع
فيضحي كريش الديك فيه تلمع/

وأفظع ما يكساه ثوب ملمع
إذا ما بلغت الأربعين فقل لمن/

يودك فيما تشتهيه ويسرع:
هلموا لنبكي قبل فرقة بيننا/

فما بعدها عيش لذيذ ومجمع
وخل التصابي، والخلاعة، والهوى/

وأم طريق الحق فالحق أنفع
وخذ جنة تنجي، وزادا من التقى/

وصحبة مأمون فقصدك مفزع
وقال القرطبي المرتضى:

ضحك المشيب برأسه/
فبكى بأعين كأسه
رجل تخونه الزما/

ن ببؤسه وببأسه
فجرى على غلوائه/

طلق الجموح بفأسه

ومن كلام دعبل في الشيب:
أين الشباب وأية سلكا/
لا أين يطلب ضل بل هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل/

ضحك المشيب برأسه فبكى
يا سلم ما بالمشيب منقصة/

لا سوقة يبقي ولا ملكا
قصر الغواية عن هوى قمر/

وجد السبيل إليه مشتركا

د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com