(6)
*القلعـــــة*
.................

بدت رسائل والى الإسكندرية مغايرة للرسائل التى يتلقاها السلطان من ولاة الأقاليم . الثغور آمنة ، والمؤن مرفوعة ، والأذى منفى ، والحق قائم . الإسكندرية وحدها تسئ إلى أمن السلطنة ، وتشوش صورته . تعددت أعمال السلب والنهب ، والخروج على القانون ..
قال السلطان فى حيرة :
ـ لماذا الإسكندرية ؟.. كل الأقاليم هادئة ..
قال كاتب السلطنة :
ـ ادعى أهلها نفاد الأقوات وخلو الأسواق مما يحتاج إليه الناس .. شكوى غريبة بررت بها عصابات الزعر فى الأقاليم الأخرى جرائمها ..
أعاد السلطان سؤاله :
ـ لماذا الإسكندرية ؟
ـ لو أننا نحينا الوالى وحل آخر فى موضعه ..
أمر السلطان ، فاستبدل بالوالى والياً آخر .
زاد السلطان ، فأمر أن يبدأ الوالى أيامه بقطع رأس كل من تسول له نفسه الخروج على أولى الأمر والجماعة. الإطاحة برأسه من فوق قلعة قايتباى . تطير الرأس المفصولة إلى قلب المياه ، فتلتهمها الأسماك ..
هتف الوالى :
ـ لابد أن يكونوا عبرة لمن يخرج علينا ..
عاد الجند بعشرات الزعر والحرافيش ، تسللوا إلى قصور الأعيان والوجهاء وكبار موظفى الدولة . ألقى الجند على ظهورهم ما كانوا قد سرقوه ، وأركبوهم الدواب فى وضع مقلوب ، والنداء يسبق الموكب : هذا جزاء من يفعل الشر !
أطار المشاعلى عشرات الرءوس من أجساد أصحابها . ارتطمت بالمياه فى دوائر ، اتسعت واتسعت ، ثم تلاشت ..
ما حير الوالى ، والمشاعلى ، والجميع ، أن الرءوس ظلت طافية فوق المياه ، فلم تقربها الأسماك .
صارت الحيرة ذهولاً لما لاحظت الأعين المتطلعة أن الرءوس تكاثرت وتكاثرت . غطت وجه المياه من أسفل القلعة إلى نهاية الأفق ..
فرك الوالى عينه ليتأكد من أن الوهم هو ما رآه . الرءوس تصعد مع الأمواج المرتطمة بجدران القلعة ، تنفذ من الكوات والمزاغل والنوافذ الصغيرة ..