وهاهو ربّ السيف والقلم
أمير الشعراء وشاعر الأمراء
محمود سامي البارودي
يعود بنا إلى قصة الحضارة الفرعونية في مصر

ويصف لنا هرمي الجيزة وأبا الهول



فيقول :
سل الجيزةَ الفيحاء عن هرميْ مصر=لعلّكَ تدري غيب ما لم تكنْ تدري
بناءان ردّا صولةَ الدَّهرِ عنـهما،=ومنْ عجبٍ أن يغلبا صولةَ الدَّهـرَ
أقاما على رغمِ الخطـوبِ ليشهدا=لبانيهما بين البــريّة بالفخـرِ
فكمْ أمم في الدهر بادتْ وأعصرِ=خلّتْ وهما أعجوبةُ العينِ والفـكرِ
تلوحُ لآثارِ العـقولِ عليهما=أسـاطيرُ لاتنفك تتلى إلى الحشــرِ
رموزٌ لو استطلعتَ مكنونَ سرّها=لأبصرتَ مجموعَ الخلائق في سطر
فما منْ بناءٍ كانَ أو هو كائـنٌ،=يدانيهما عنـدَ التأمُّلِ والخـبرِ
يقصِّرُ حسـناً عنهما صرحُ بابلِ،=ويعترفُ الإيوان بالعجزِ والبهرِ
فلو أنّ (( هاروت )) انْتَحى مرْصَديهما = لألقى مقاليد الكهانةِ والسحرِ
كأنهما ثديانِ فاضـــا بدرَّةٍ=من النيلِ تروي غلَّةَ الأرض إذ تجري
وبينهما(( بلهيبُ ))في زيّ رابضٍ=أكبَّ على الكفَّينِ منه إلى الصدر
يقلّبُ نحوَ الشــرقِ نظرة وامقٍ،=كأنَّ له شوقاً إلى مطلعِ الفجرِ
مصـــانعُ فيها للعلومِ غوامضٌ=تدلُّ على أنَّ ابن آدم ذو قدرِ
رسا أصلها، وامتدَّ في الجوّ فرعها،=فأصبحَ وكراً للسِّماكين والنَّسرِ
فقمْ نغترِفْ خمر النّهى من دنِانِها = ونجني بأيدي الجدّ ريحانة العمـرِ
فثّمّ علومٌ لم تفتّق كِمامُها = وثمّ رموزٌ وحيُها غامضُ الســــرّ