أتوجه بالشكر الجزيل للأخ أبو شامة المغربي على هذه الالتفاتة الكريمة، والبادرة الطيبة، التي تعبر عن اهتمام أخينا الكبير بالإبداع، واطلاعه الواسع، وتواصله الإيجابي مع المبدعين.
علامة استفهامي الأولى
ما الذي يعنيه فن القص والحكي بالنسبة إليك، ثم ما الذي يدل عليه حسب اعتقادك؟
أبو شامة المغربي
يراود وحم الإبداع المرء في أول الأمر كنوبة استيهامية، بعدما ينهل طبعا من صنوف المعرفة، يخط عبارات يستهون من شأنها، يتأملها، يرى نفسه فيها، تعاوده النوبات، فيدخل بحر الإبداع، يجتذبه اجتذابا.
إذا كانت النوبات حقيقية، ركب المبدع هذا البحر، قاوم الأمواج العاتية، يجذف إلى الأمام، تطلع الشمس حينا، وتغيب حينا آخر، وهو يقاوم اعتصار النفس بفعل الأسئلة الكبرى.
يمكن اعتبار خواطره الأولى حكيا في حد ذاتها، رغم أنه غير قادر على التجرد من الذات شيئا ما، قد يكتب نصا قصصيا في بداياته، وقد لا يستطيع كتابته حتى ولو قطع أشواطا في الكتابة، يقبل على كتابة القصة القصيرة، لأنها الأقرب إلى خواطره. تعتبر سمة القصر في الأقصوصة صفة مشجعة على الكتابة للمبدع المبتدئ، ونقطة قوة لهذا النوع الأدبي في نفس الوقت مقارنة بالرواية.
هل ما نكتبه في هذا الباب يعتبر قصا حقيقيا؟
إن أي نصي إبداعي، ولو جملة واحدة، أعتبره إبداعا، أقرأه، أحاول فهم أبعاده، لا يحق لأي كان أن يسقط صفة الإبداع عن أي عمل.
المتشبتون بالقواعد الكلاسيكية للقصة يسقطون الأعمال غير المستوفية للشروط الموبسانية: مقدمة - عقدة - حل - حبكة...
والمتحررون من هذه القواعد، يعتبرون هذه الأمور نمطية تقيد الإبداع، وبين هؤلاء وهؤلاء وسطيون، شأن ذلك شأن الشعر العر بي، فهذا متشبت بالتفعيلة، والروي، والقافية، وذاك راعى التفعيلة، ونوع القافية، وآخر تخلص من هذا وذاك، الشيء الوحيد الذي أرى أن مراعاته واجبة هو اللسان العربي الفصيح.
لو قلت لي ما الكتابة بالنسبة إليك؟ لكانت العلامة الإستفهامية الأكثر تأثيرا، ولكانت الإجابة: الكتابة أو الموت، وفن القص والحكي هو بوح عما يعتمل في النفس، وما يختلج فيها من مشاعر وأحاسيس، يتخذ هذا البوح أشكالا مختلفة حسب اتجاه الكاتب، وتكوينه، والظروف الاجتماعية والسياسية التي نشأ فيها.
المهلوس
علامة استفهامي الثانية
كيف كان مستهل الكتابة الأدبية والنقدية لديك، وما أثر ما تتلقاه بفعل القراءة من أدب في ما تكتبه من أدب ونقد؟
أبو شامة المغربي
قمت بمحاولاتي الأولية للكتابة عندما كنت أشتعل طموحا، كان كل شيء يبدو لي ممكنا، قابلا للتحقيق، كنت أومن جازما أني سأرى الأشياء تتحول نحو الأحسن، بأم عيني، لكن مع مرور الوقت، بدا كل شيء يتغير ببطء كبير، تصطدم بمقاومة عنيفة من فئات ركنت إلى الجمود، لا ترغب في التغيير، أصبحت أشعر بعض الشيء بالانهزامية.
وهنا أذكر قولة المفكر العربي الكبير عبد الله العروي:"الكتابة تعبير عن الفشل الفردي والجماعي"
عندما قرأت سيرته الذهنية الغنية عن التعريف "أوراق"مرات عديدة، لا حظت أنه وهو في سن مبكرة يناقش أسماء كبيرة، ازداد إيماني وكبرت ثقتي بنفسي على قراءة النصوص ومناقشتها، كما أني أصبحت أعجز عن قول ما يعتمل في نفسي عندما يعجبني نص ما.
وللحديث بقية
المهلوس
