وفي سياق الاحتفاء بالتيار الرومانسي ، والتمسك بضرورة تمثل الشاعر لخصائص المذهب في جل نتاجه الشعري من خلال استقراء هذا النتاج وتقويمه ، يقدم " ابن حسين " وجها من وجوه التناقض في تصنيف الشعراء من قبل النقاد . ولكنه قد يكون تناقضا ظاهريا أو اختلافا في الأسماء .. التي قد يجمع الترادف بين مدلولاتها ، والشاعر الأمير عبد الله الفيصل نموذج لذلك ، ويقول " ابن حسين " : ألحق الأستاذ / عبد الله بن إدريس شاعرنا الأمير بالرومانتيكية ، وأما الأستاذ عبد الله عبد الجبار فقد ألحقه بالرومانسيين ، والأستاذ الدكتور طه حسين يرى أن الأمير رمزي ، كما أنه يربط بينه وبين الشعراء العذريين السابقين ككثيِّر عزة ، وجميل بثينه .
ويجسد " ابن حسين " رفضه لهذا التصنيف المذهبي في تساؤله الرافض .. حيث يقول : " ومن يدري ؟ فقد يخرج علينا من يقول : إن عبد الله الفيصل واقعي ، أو كلاسيكي ، أو غير ذلك "
[ ص 109 " الأدب الحديث في نجد ]
وكما أوضحت آنفا – نجد أن الخلاف بين عبد الله عبد الجبار وابن إدريس خلاف لفظي – لأن الرومانتيكية – هي " الرومانسية " ، والخلاف ناشيء من الترجمة ، والجذر اللغوي للكلمة ، وقد قصد الرومانسيون باختيارهم هذا اللفظ عنوانا لمذهبهم إلى المعارضة بين تاريخهم وأدبهم وثقافتهم القومية أي الرومانسية .. وبين التاريخ والأدب والثقافة الإغريقية واللاتينية القديمة . (7)
والتسمية الأخرى هي " الرومانتيكية " تقترب من هذا المفهوم ، فالكلمة ترجع في هذا الاشتقاق إلى المصطلح الألماني " رومانتيك " وهي في الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والإيطالية يختلف نطقها لكنها تدل على مفهوم واحد .
وبقي للكلمة إلى جانب معناها المذهبي شيء من معناها الاشتقاقي .. فكانت تدل على الإنسان الحالم ذي المزاج الشعري المنطوي على نفسه ، ثم امتد معناها إلى ما يشمل شبوب العاطفة ، والاستسلام للمشاعر ، والاضطراب النفسي ، والفردية ، والذاتية . (
ويخلص الناقد " ابن حسين " إلى نتيجة اقتنع بها وهي أن التجربة الوجدانية في ظل الاتجاه الابتداعي العاطفي هي التي سيطرت على الشاعر في ديوانه " وحي الحرمان " ويرى أنه تأثر باثنين من شعرائنا المعاصرين خاصة ، وهما " علي محمود طه " و " إبراهيم ناجي " وتأثير هذين الشاعرين في شعر هذا الديوان أظهر من أن يحتاج إلى دليل .
ويناقش " ابن حسين " رأي د / طه حسين : الذي يرى أن الشاعر الأمير اتخذ التصوير الرمزي وسيلة إلى الشكوى من الحرمان ، والتبرم به ، والتمرد عليه أحيانا .
ويعلق ابن حسين على هذا الرأي موضحا أن التصوير الرمزي المشع بالإيحـاء غير الرمز المستغلق ، قائلا " إن الرمزية يستر الشاعر فيها مقصوده ، بستار آخر غير مبهم إبهاما .. كذلك الذي يوجد في الرمزية لدى المتأخرين ، أما الرمزية الحديثة التي تحيل الأدب إلى رموز وطلاسم وألغاز ، والتي من شروطها ألا يتفق فيها على مفهوم النص اثنان ، فنوع من العبث أرجو أن يكون شعراؤنا منه بمنجاة .
[ ص 110 " الأدب الحديث في نجد ]
ورؤية " ابن حسين " النقدية للرمز في شعر " الأمير عبد الله الفيصل" صائبة تدرك طبيعة التجربة الشعرية في ديوان " وحي الحرمان " ، حيث يوظف الشاعر الطبيعة في الإفصاح عن مشاعره ، وهو لا يترك الرمز ملغزاً ، بل يضيئه بالموازنة بينه وبين ما في الطبيعة من حالات مماثلة ، وهو يخالف الرومانسيين والرمزيين في اندماجهم الكلي بالطبيعة والفناء في مشاهدها ، فهو يتمتع بسكينة وجدانية يمليها عليه إيمانه بعقيدته التي تحرص على التوازن النفسي للمسلم ، فهو – كما يقول " صلاح لبكي " في مقدمته لديوان " وحي الحرمان – لا يشغلك بفلسفة ، ولا يجهدك باستقراء لتفسير معالم الكون ، وأحداث الحياة وأسرارها ، فهو مطمئن إلى عقيدة راسخة ، مرتاح إلى إيمان عميق ، لا يرقى إليه شك ، ولا تضطرب معه النفس ، لا ثورة على قدر ، ولا تجديف ولا غضب ، إذا حل المقدور وناء بكلكله استجار منه به ولاذ بالرضا مستعينا بالذكرى مما أضاع من أمل ، وفقد من حب ورغد وهناء . (9)
2- فن القصة وسمات التقليد والمحاكاة :
إن هذا الجانب لم ينل حظه اللائق به في خطاب د / محمد بن حسين النقدي .. حيث لم يقدم عنه إلا قرابة نصف صحيفة ، وربما يرجع ذلك إلى قلة النتاج القصصي في هذه المرحلة المبكرة ، إضافة إلى عدم جودته ، ولذلك يدلي الناقد بشهادته الموجزة قائلا : أما القصة فما زلنا نلمح سمات التقليد والمحاكاة فيها، وما زلنا نحسُّ أنها تعيش في أجواء وآفاق غريبة على البيئة التي كتبت فيها ومن أجلها ، وإن كانت في بعض جوانبها الفنية قد بلغت مبلغا لا بأس به ، وقد اختلفت حظوظها في ذلك ، وخير مثال لذلك القِصص التالية التي كتبها الأستاذ الأديب إبراهيم الناصر .. وهي [ أمهاتنا والنضال ، و " ثقب في رداء الليل " ، و " أرض بلا مطر " ]
وبعض النقاد يضفي سمة فنية على نشأة القصة تميزها عن البلاد العربية الأخرى ، حيث لم تكن تعريبا كما كان شأن القصص الأولى في البلاد العربية الأخرى ، إنما كـانت عربية البذار والأرومة ، نسْغُها ونسيجها مستمدان من الشمس العربية ، والأرض السعودية ذاتها " . (10)
ومن الذين كتبوا القصة في هذه المرحلة المبكرة سعد البواردي وعبد الله عبد الجبار وأحمد السباعي ، وحامد دمنهوري ومحمد بن أحمد النفيسة ، وغالب أبو الفرج .
ويلاحظ أن كتاب القصة في مراحلها المبكرة كانوا في منطقة الحجاز أكثر منهم في منطقة نجد وفي المناطق الأخرى ؛ وهذا الواقع دفع د / محمد بن حسين في ختام تحليله لأنواع الكتابة في نجد ومنها " القصة " إلى القول بأننا مع ما أحرزناه من تقدم عظيم في مجال الأدب عموما والكتابة خصوصاً ، مانزال نشعر أننا لم ندْنُ من الهدف في كتابتنا ، ومازال كتابنا في جملتهم كتاب صحف وليسوا بأدباء ، ولكـن النـاقد يستثني بعض الأدباء الكبار من هذا الحكم مثل " عبد الله بن خميس " ، و" الشيخ حمد الجاسر " ؛ ثم يرى أن حكمه هذا الذي ارتآه منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما ناشئ من وصف الواقع .. وليس له صفة الاستمرار أو العموم .. ويضع الناقد ثقته في شباب الأدباء الذين أصبحوا أعلاما وروادا بعد ذلك .. فيقول : " وعزاؤنا في ذلك أن العهد لم يطل بهم ، وأن البراعم حديثة التفتح ، فالمستقبل أمامهم أكثر رحابة وانفتاحاً "
[ ص 213 " الأدب الحديث في نجد ]