*رحلــة أخـــــــــرى*
.............................

خلعت «صابرين» حذاءها .. مسحت المكان بعينيها .. اختارت منضدة ترتفع نصف متر .. صعدت فوقها.
الموسيقى تنبعث شجية خافتة، لكنها سرعان ما تعلو شيئاً فشيئاً .. وتحاكي صوت أغنية «أنت عمري» لأم كلثوم، بموسيقاها الراقصة التي تألفها آذان الجميع.
يتلوى جسدها الثعباني.
الأكف تشتعل بالتصفيق ..
تشعر لغثيان حينما ينبعث صوت المغني المخنث من المسجل.
ما الذي أصابها اليوم فقيّد خطواتها فل تعد تتخطّر كمهرة؟ .. إنها لا تشعر بالرقصة، ولا تستمتع بها كما كانت تستمتع طوال الليالي الماضيات.
ثلاث سنوات تتربّع على عرش الرقص الشرقي، اختارت ملهى «ليالي الجنة» لأنه ينفرد بتقديم الراقصات وحدهن، مع مغنين مجهولين يغنون لهن الأغنيات ذات الموسيقى الراقصة!
ما الذي أصابها فجعلها لا تشعر بلذة أو جمال في الموسيقى والغناء، وفي هذا الذي تفعله من حركات يبتسم لها الرجال والنساء شبه العاريات؟!
أنّى تنظر ـ في كل ناحية ـ ترى أختها التي ماتت أمس، وترى أباها الذي رحل منذ خمسة أعوام بلحيته الخفيفة البيضاء وبسمته الهادئة التي تغمر المكان؟
ماتت أمها وهي طفلة، ومات أبوها ولم تبق لها إلا أختها « عبلة» .. وهاهي عباة قد ماتت قبل أن تحصل على الثانوية العامة.
تزداد الموسيقى صراخاً .. لكنها لا تشعر بها .. تهبط من فوق المنضدة .. وتدل إلى حجرتها القريبة، وتمسح أصباغها بالمنشفة قبل أن تغسل وجهها!
مسئولو الصالة يعجبون مما فعلته «الملكة» .. والمدير يصرخ: لماذا لم تُتم عرضها؟ .. لكن النور الدّاخلي كان يُغمرها .. فلا ترد على استفساراتهم الصارخة.
تكلموا كثيراً دون جدوى.
كانت مشغولة عنهم بما تراه رأي العين؛ فأختها عبلة تفتح أحضانها الطاهرة لاستقبالها، ووجه أبيها المبتسم يملأ المكان .. والجنة ـ الجنة الحقيقية ـ تُناديها!

الرياض 31/5/2002م