1- المنهج الجمالي وظهور المقاييس المطلقة:
ظهور الأحكام الثابتة بمنهج المعتزلة.
أ‌- نقد النثر : أكد بشر بن المعتمر(210هـ) أهمية النثر كوسيلة للتعبير العلمي , وميز بين الجنسين الأدبين : الرسائل والخطب يقول:"واعلم أن الرسائل والخطب متشاكلتان في أنهما كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية , وقد يتشاكلان من جهة الألفاظ والفواصل , فألفاظ الخطباء تشبه ألفاظ الكتاب في السهولة والعذوبة ولا فرق بينهما إلا أن الخطبة يشافه بها والرسالة يكتب بها " ص 17
ونظر إلى النص النثري على أنه شكل ومضمون , ووضع توصياته العامة حول ذلك ,حيث فصل فيها علماء البلاغة بعد ذلك بقرون . وقال بشر يوصي الكاتب :" إياك والتوعر يسلمك إلى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك ومن أراغ بمعنى كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف ومن حقهما أن يصونهما عما يدسنهما ويفسدهما ويهجنهما فتصير بهما إلى حد يكون فيه أسوأ حالاً منك قبل أن تلتمس منازل البلاغة " ص 18
- ومن النقاط الهامة التي تكلم عنها : مسألة الموضوع ومستوى المتلقي يقول : " ينبغي أن تعرف أقدار المعاني فتوازي بينهما وبين أوزان المستمعين على أقدار الحالات"
- أكد بشر موسيقى الشعر ميزة واضحة تظهر للعيان وتميزه عن النثر قال: " فمن مراتبه العالية التي لا يلحقه فيها شيء من الكلام : النظم الذي به زنة الألفاظ وتمام حسنها وليس شيء من أصناف المنظومات يبلغ في قوة اللفظ منزلة الشعر وذلك لارتباط بعض أجزائه ببعض وهذه خاصة له في كل لغة وعند كل أمة وطول مدة الشيء من أشرف فضائله -الصناعتين" ص 18

وركز على غلبة الصورة الخيالية في الأسلوب الشعري وسطوة العاطفة والانفعال وبذلك يكون قد ميّز تميزاً قوياً بين غلبة العقل على النثر وغلبة العاطفة والخيال على الأسلوب الشعري.
ب – الشكل والمضمون في نقد الشعر الجمالي:
أرسى الجاحظ قواعد نقدية ثابتة
1- فنية الشعر : عرف الجاحظ الشعر بأنه صورة متلاحمة من الشكل والمضمون والموسيقى , وهو يرى الإحساس والشعور والعاطفة التي تنبع من معاني الكلمات هي واحدة في صدور الناس . ويصبح الشعر صورة تتفاوت في مقدار جمالية اللفظ والموسيقى يقول " إنما الشأن في إقامة الوزن وتخير الألفاظ وسهولة المخرج وكثرة الماء وصحة الطبع وجودة السبك فإنما الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير - الحيوان 2/130 " ص 19

- والشعر لديه صورة رهيفة تؤدي معناها من خلال موسيقى تؤثر في الأسلوب وسياق الجملة لذلك لا يمكن ترجمة الشعر"والشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل ومتى حول تقطع نظمه وبطل وزنه, وذهب حسنه, وسقط موضوع التعجب لا كالكلام المنثور . والكلام المنثور ( المبتدأ) على ذلك أحسن وأوقع من المنثور الذي تحول عن (موزون) الشعر – الحيوان" ص 20

والخصيصة الثانية للصورة الشعرية هي موسيقية الأسلوب , ولذلك فإن حمل الذاكرة له أدوم من حمل الذاكرة للأسلوب النثري ويوضح ذلك بقوله: " حفظ الشعر أهون على النفس , وإذا حفظ كان أعلق وأثبت وكان شاهداً, وإن أحُتيج إلى ضرب المثل كان مثلاً - الحيوان"ص 20

2- خلود الإبداع :
يقول الدكتور فاروق أسليم :" والقرار بالمكان لا يقتصر على أهل القرى العربية المشهورة كمكة ويثرب والطائف والحيرة، بل يتعداهم إلى كثير من أهل الوبر من سكان البوادي، ومنهم بنو تميم وبنو أسد بن خزيمة، وبنو طيّئ ، فهولاء من أرجاء العرب، وهي ست قبائل سمّيت بذلك، لأنها ((أحرزت دوراً ومياها لم يكن للعرب مثلها، ولم تبرح أوطانها، ودارت في دورها كالأرحاء على أقطابها، إلا أن ينتجع بعضها في البُرَحاء، وعام الجدب، وذلك قليل منهم)) ومن الظاهر أن صفة الأرحاء قد تنطبق على أكثر من ست قبائل ؛فصاحب العِقد ذكر أن من الأرحاء في مُضَر اثنتين تميم بن مُرَّ، وأسد بن خزيمة، وفي الشعر الجاهلي ما يشير إلى امتلاك بعض المضريين من غير تميم وأسد منازل تدور فيها كالأرحاء على أقطابها، ومن ذلك منازل غطفان في قول زهير بن أبي سلمى، وقد بلغه أن بني تميم يريدون غزو غطفان:
ألا أبْلِغْ لديكَ بني تَميمٍ



وقد يأتيكَ بالخَبَرِ الظّنُونُ


بأنَّ بُيوتنا بِمَحَلِّ حَجْرٍ



بكُلِّ قَرارةٍ، منها نكونُ


إلى قَلَهَى تكونُ الدارُ مِنّا



إلى أُكْنافِ دُومةَ فالحَجُونُ


بأوديةٍ أَسَافِلُهُنَّ رَوضُ



وأعلاها إذا خِفْنا حُصُونُ


إن تملك القبائل للأمكنة، سواء أكانت من أهل المدر أم من أهل الوبر، يعني وجود أوطان قَبِليّة مستقلة داخل إطار المدى الجغرافي الواحد الذي تعيش فيه تلك القبائل، ويعني أيضاً شيوع الاستقرار السكاني في العصر الجاهلي؛ فالقرار في الحواضر الزراعية والتجارّية والسياسية أمرٌ مسَلم به، ويضاف إلى ذلك شورع القبائل الرعَوِيّة في الاستقرار في البوادي، ويدلّ على استقرارها ما ذكر عن الأرحاء آنفاً، وما سنذكره عن دور الحفاظ.
ودار الحفاظ هي الدار التي يصبر أهلها على الإقامة فيها، ولا يَتَأتّي ذلك إلاّ للشرفاء والأقوياء، ولذلك كان الاقتدار على الإقامة فيها دليلاً على قدرة أصحابها على الذود عنها، ودليلاً على تعلّقهم بها، ولذا غدت دار الحفاظ مفخرة يعتد بها الجاهلي، كقول الحادرة:
وَنُقيمُ في دارِ الحِفاظِ بُيوتنا



زَمَناً، وَيَظْعَنُ غَيْرُنا للأمرَعِ


إنّه يفخر بإقامة قومه في ديارهم، ويذمّ من يرتحل عن دياره طلبا للمرعَى. ولا يُشترط لدار الحفاظ أن تكون خصبة، فقد يحلّ الجدب فيها، فيصبر أهلها على الإقامة فيها لئلا يُغْلبوا عليها، ومِمّا يدلّ على ذلك قول عمرو بن شأس
نقيم بدار الحزمِ ليس مُزيِلَنا



مُقَاسَاتُنا فيها الشَّصائِصَ والأَزْلاَ


إنّ عمراً يفخر بأنَّ قومَهُ يتمسكون بدارهم على الرغم من قلّة مواردها وشحّها. وبمثل ذلك افتخر عمرو بن كلثوم بإقامة قومه بذي أراطٍ
ص 196 الانتماء في الشعر الجاهلي د.فاروق أحمد اسليم منمنشورات اتحاد الكتاب العرب1998"


____________



يقول المؤلف الدكتور داود سلوم"إن هذا موضوع لم يلتفت إليه مؤرخو النقد القديم . فهو دراسة جديدة استفدنا في إخراجها من الدراسات الحديثة
التي عالجت موضوع الأدب الإبداعي وعلاقته بالسلطة خاصة في البلدان الاشتراكية."ص 7

ثم يقول " إني أزعم أن دراستي هذه لهذا الموضوع في تاريخ النقد دراسة بكر أرجو أن يفيد منها الباحثون وأن يتناولوا جوانب من الموضوعات تخطتها هذه البحوث وبذلك يكون" التراث" العربي قد ارتفع إلى روح العصر في تفسير علمي جديد."

نطرح هنا عدة أسئلة أمام استهلال المؤلف لبحثه:
- وهل يمكننا دراسة أقوال النقاد وفق دراسات حديثة وما معايير دقة هذه الدراسات ووصلوها لنتائج مفيدة للنقد؟
- ثم هل استخدم المؤلف هذه الدراسات بشكل علمي سليم؟
- في نهاية كلام المؤلف يقول :وبذلك يكون التراث قد ارتفع إلى روح العصر. هل كان دقيقاً في هذه الجملة؟


- لم يعرف لنا المؤلف كلمة سوسيولجيا لنا في بداية البحث , وهنا نعمد لتعريفها:
السوسيولوجيا : ( علم الاجتماع , من اللاتينية ssocietas - مجتمع
, واليونانية logs - - مبحث , علم ) علم يدرس قوانين عمل المجتمع وتطوره , والعلاقات الاجتماعية . السوسيولوجيا تدرس المجتمع على أنه منظومة متكاملة, وتدرس بنية المجتمع الاجتماعية,
ومختلف أنماط التفاعلات وأشكال العشرة بين الأفراد , وبين الأفراد والجماعات , وبين الجماعات والمؤسسات الاجتماعية وكذلك أنساق المعايير والقيم الثقافية.
ص 255 – 256 بتصرف. المعجم الفلسفي المختصر دار التقدم موسكو 1986 ترجمة توفيق سلوم بتصرف.