بطحاء مكة ترمي الجمار
يطلُّ علينا بوجه الشروقْ
توشّحه سحبٌ وبروقْ
ومن كلّ فجٍّ عميق.
تنادى الحجيج
تجللهم زهرةٌ.. وانعتاقٌ
من الطين.. للحجر الأسودِ
وشوقٌ إلى سعفاتٍ
تفيَّأ في ظلها الأنبياء
وألقى عباءته واستراح
نبيٌّ.. تدفَّق من تحت أقدامهِ
جدولٌ من ضياء
فكان الحنين إليه انتماءْ
***
يطلُّ علينا
نطلُّ عليهِ
جموعاً.. جموعاً ظماءْ
نكبّر ربَّاً دعانا إليهِ
وأغْرَقَنَا من شآبيب رحمتهِ
فرفعنا إليهِ
أكفَّ الضراعةِ
نلتمس العفوَ والمغفره
نلبّي النداءات مزدلفين
إلى عرفات وغار حراءْ
***
يطلَّ علينا بوجه الأضاحي
وتلويحةٍ من أكفِّ الصغارِ
بوجه الرياح
ليطلع من شجر الدمع رمحٌ
وينمو على جبهة الوطن المستباح
يطلُّ علينا
نطلَّ عليهِ
وبطحاء مكة ترمي الجمار
فهزّي إليك بجزع النخيلِ
تساقطْ عليك ثمار الجليلِ
بأحمالها صخرة القدس ناءتْ
وضجَّت من الصمتِ
أيقونة الانتظارْ
***
يجيء إلينا
بتفَّاحة من حجرْ
ويلقي إلينا
أزاهيره.. كالشررْ
فنقرأ في الوجه فاتحة الانتصارِ
وخاتمة القهر.. والاصطبارِ
إذا جاء نصرٌ من اللهِ
تسمو الحجارة فوق النضارِ
ويهمي على السادرين المطرْ
منشورة في "المجلة العربية" السعودية
العدد 191 في ذي الحجة 1413
إعترافات إلى زوجة غائبة
رحلتِ؟..
وكنتُ إذا غبت عني أضيعْ
إذا رحتِ في غيبة من ثوان
أعد الهنيهات حتى أحس بأني رضيعْ
أجوع لعينيك..
للخصلات تنام على ساعدي
لرفرفة الهدب.. للعطر من شفتيك يضوعْ
وأطبق جفنْي
أخبئ بينهما صورة الواعدِ
وأحلم أني أعيش
برحلة حب.. على شرفات الربيعْ
أضم شذاه وعبق المروج
واجمع فُلاً.. وأقطف طوقاً من الياسمين
أطوّق جيداً أحب إلي من الياسمين
ومن كل ما ضم هذا الربيع
من الزهر والآس والأقحوان
إذا عدتِ.. عاد الشذى والندى والحنان
ليغمر بيتي.. وينصبُّ شلال حب دفين
***
رحلت؟..
هذا البيت موحش حزين
وغرفتي.. مهجورة ينام فيها العنكبوت
وينسج الخيوط من سأمْ
يشدني.. يخنقني بخيطه الواهي العدمْ
فأرتمي على فراشي كومة من الرماد
وكومة أخرى
على الصحون من سجائري تنام
أحس أن خطوة الدقائق الهزيله
تدبُّ في مهامه السكونْ
موغلة.. كأنها قرونْ
أطلُّ من نافذتي للشارع الحزينْ
أحس آلاف السنينْ.
تفصلني عنك وعن شذاك..
عن مشارف العيون
أُحسُّ هذا البحر يا حبيبتي البعيده
يغمرني بالشوق للدقائق السعيده
لنظرة عاتبة حنونْ
أحس يا جميلة العيونْ
وحدي هنا أعيش من آلاف آلاف السنينْ
***
إذا رحت للبحر أغسل عني بقايا السامْ
وأنفض عني غبار الألمْ..
إذا رحتُ في لجة البحر فوق شراع
وأبحرتُ في اللانهاية كالسندباد
وحيداً.. بلا لفتة من عيونْ
بلا همسة... تسكب الأنس..
تزرع قلب السكونْ
وتغمر بالدفء هذا الصقيعْ..
أحسُّ اختناقي...
أحسُّ بشيء يجر خطاي بلا لهفة للرجوعْ
وبيتي يسربله الصمت... تحنو عليه الظلال
يحنُّ إلى الثرثرات ولغو المساء
إلى سحبة من حذاء...
يوقع لحن التعانق فوق البلاط..
يضيق... فأهرب منه أحس اختناقي
أهيم وراء السراب...
وأحلم بالدفء.. في ظل عينين حالمتين
ترفُّ بهديهما أغنيات الربيعْ...
فينهار كل الصقيع...
***
يضمني المساء...
وألف لهفة تحز في الضلوعْ
كأنني أهيم في شوارعٍ بلا حدود
أسير في متاهة بلا هدفْ..
أحس بالقرفْ..
وأنطوي على سرير الندب الأحزان
وغرفتي.. تضيق بالأشباح والغيلان
وبابها يئن بالصرير..
على مواء قطة جائعة... عيونها شررْ..
يحرق أضلع الظلام..
تموت شمعتي.. تذوب..
وساعتي.. مشنوقة على الجدار..
تجرر الخطوات في بلادة إلى النهار
تدق كالمطارق الثقيله..
رأسي.. فأهوي في قرارة الرقاد
كأنني.. بلا وساد..
منشورة في مجلة الأديب اللبنانية
العدد 11 نوفمبر 1973 السنة 32