موقف الاسلام من نظرية التطور


التطور ثلاثة انواع :

تطور فى طبيعة الخلق وتولد الانواع والكون من القلة الى الكثرة ومن البساطة الى التركيب . وتولد انواع من انواع وهو التطور العام فى غير العضويات وفى العضويات . على مذب هاربرت سبنسر واصحابه .

تطور بالمعنى المذكور ولكنه مقصور على الكائنات العضوية الثلاثة : النبات والحيوان والانسان كما يرى تشارلز داروين ومشايعوه

تطور من البدائية الى التحضر ومن الجهل الى العلم ومن الفردية الى الاجتماع ومن السذاجة الى الذكاء والفطنة مع ان كل نوع من انواع المخلوقات مخلوق خلقا مستقلا مباشرا بقدرة الله وارادته وتدبيره .


هذه انواع ثلاثة من صور التطور . الاسلام يقر بواحدة منها وهو الثالث ويرفض الاول والثانى لانهما يسعيان الى اضفاء صفة الاستقلال الطبيعى فى الخلق والتطوين . فالطبيعة تحل –ارادوا ام لم يريدوا- محل الله !!


والتط

ور الذى ذهب اليه داروين قد حط فيه من قدر الانسان فالانسان فى الاسلام مخلوق كريم قد فضله الله على كثير من خلقه .


وادم ابو البشر قد جاء صريح القرآن ببيان قصة خلقه من تراب خلقا مستقلا لم يكن نتيجة لتطور انواع كما زعم داروين .


اما حواء ام البشر فقد خلقها الله من نفس ادم عليه السلام . وبث منهما لا من غيرهما رجالا كثيرا ونسائ وارسل اليهم رسلا مبشرين ومنذرين والله قد خلق ادم يوم خلقه على الصورة التى نرى ذريته عليها ، صورة (فى احسن تقويم) كما جاء فى القرآن الكريم ويقول الله مخاطبا الانسان (يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم ؟ الذى خلقك فسواك فعدلك)

ويقول سبحانه (وصوركم فاحسن صوركم)

وفى الحديث الشريف : (ان الله خلق ادم على صورته) ولهذا الحديث معنيان عند العلماء كلاهما يعليان من قدر الانسان . احدهما وهو الذى نميل اليه : ان الله خلق ادم يوم خلقه على نفس الصورة التى وجد بها وتوارثها عنه بنوه ومعنى هذا ان ادم او الانسان عموما لم يمر بمراحل فى الخلقه طورا بعد طور على النحو الذى لهج به داروين ومتابعوه . ويكون -على هذا- هذا الحديث كانه رد موجه قصدا الى مدعيات داورين وهو –كذلك- لمحة من الاعجاز النبوى الذى كان فيه –عليه السلام- لا ينطق عن اهوى ان هو الا وحى يوحى . وكم من الغيبيات التى المح اليها عليه السلام بالهام من ربه فجاءت كفلق الصبح .


فالمسلم لا يحتاجالى عقيدة فى الانسان غير العقيدة التى جاء بها القرآن هذه العقيدة القرآنية تجىء العقائد ثم تذهب اشبه ما تكون بموديلات الموضة وهى ثابتة لا تزول ولا تتبدل ولا تخضع للطوارىء والتغيرات ، لانها خبر صادق حكى الواقع فى امانة وصدق . بينما كل عقيدة بديلة تقوم على الاوهام حينا والتخمينات حينا اخر . والخبر الصادق لا يقبل النفى . وكل من حاول نفيه ركب متن الشطط وتاه فى ضلال الاوهام .


ويكفى فى مذهبى التطور العام والخاص انهما احيطا باخطر المشكلات التى قد استعصت على الحلول ، ولن يزال ذلك شانها الى الابد .


فقد راينا هاربرت سبنسر وهيوم وهما من القائلين بالتطور الطبيعى العام قد صدما بالاصول الاولى التى حدث عنها التطور . واكتفى سبنسر ان يقسم المعارف الانسانية قسمين كبيرين كما مر . احدهما يتعلق بالاصول الاولى واعتذر سبنسر بانها تدرك ولا تعرف لاننا لم نزود بوسائل تمكننا من معرفتها وما اكثر الاشياء التى يحس بها الانسان ثم لا يعرف كنهها .


والاصول الاولى هذه كثيرا ما يطلق عليها اصحاب مذهب التطور العام : القوى التى هى فوق الطبيعة . وبعضهم يطلق عليها (القوة الحيوية) هكذا على الابهام . وكانت الحقيقة على طرف التمام منهم لو طلبوها . فالمجهول الذى اطلقوا عليه : القوى التى فوق الطبيعة او القوى الحيوية انما هو الله لو كانوا يعقلون .


وهروب داروين نفسه من القول بالتطور الطبيعى العام كان مبعثه –كما تقدم- فراره من ان يجد نفسه وجها لوجه امام قوى ما فوق الطبيعة او القوة الحيوية التى تقود التطوريين جميعا لحتمية الايمان بالله خال الكائنات .


وهروب داروين الى القول بالتطور الخاص فى العضويات دون التطور العام لم يتجه من الوقوف امام نفس المشكلة التى صدم بها سبنسر ، لان قسيم داروين فى القول بالتطور العضوى افصح فى وضوح ان وراء هذا التطور قوة مدبرة . وكان هذا الافصاح سببا فى ان يختفى الفريد رسل والاس قسيم داروين من التاريخ ، وان ينسب مذهب التطور الى داروين وحده . لان ذلك يوافق مذهب اليهود والعلمانيين حيث انتهى الى الالحاد وهو المطلوب عندهم .


اما ما انتهى اليه الفريد راسل والس فانه يمهد الطريق –بحق- الى الايمان بالله . والايمان بالله اعدى اعداء اليهود والعلمانيين على حد سواء وارجو ان يستحض القارىء الكريم ما نقلناه –قبلا- عن السير ارثر كيث حيث جزم بان نظرية داروين لا تثبت علميا ولا عن طريق برهان . وهذا حق وصواب ولكن ارثر كيث مع هذا الفهم يفرض على نفسه قبول نظرية داروين لا لا نها صحيحة او ممكنة الوقوع ولكن لانها البديل عن الايمان بالله .


ونختم جولتنا مع الداروينية بكلام لداروين نفسه حول نظريته هذه ولنا عليه تعقيب قصير :


(ان ارائى الخاصة لا خطر فيها ولا تعنى احدا غيرى . ولكنك سالتنى فاسمح لنفسى ان اقول : اننى متردد ولكننى فى اقصى خطوات هذا التردد لم اكن قط ملحدا بالمعنى الذى يفهم منه الالحاد على معنى انه انكار لوجود الله . واحسب ان وصف اللاادرى يصدق على فى اكثر الاوقات –لافى جميعها- كذا تقدمت بى الايام(1)


تعقيب :

يفهم من هذا الكلام ان داروين لم يكن يجزم بمدعيات نظريته وانه لم يقصد بها انكار وجود الله . كما يفهم منه انه كلما تقدم به السن علا عنده جانب التردد على جانب الاعتقاد . انه يفضل ان يصف نفسسه باللاادرية اذن فقد كان الرجل فى اخر حياته كما يفهم من كلامه انه لا ادرى .


وهذا ما حمل العقاد على ان يقول فى مواضع متعددة من كتبه ان داروين لم يكن ملحدا .


ويرى الاستاذ يوسف كرم ان داروين انما نظاهر بنفى الالحاد عن نفسه مجاراة للراى العام ، وانه انتهى فى اخر حياته الى القول بام المسالة التى خاض فيها تسمو فوق مستوى العقول (2)


ومعن هذا ان داروين خرج من الحياة غير واثق كل الثقة بمدعيات نظريته . واعترافه بان المسالة فوق مستوى العقول اعتراف منه بالقوى التى هى فوق الطبيعة او القوة الحيوية . وعنى هذا –مرة اخرى- ان الحلقة المفقودة فى مباحث التطوريين ، وهو دليل الايمان الصادق بالله قهرت انصار التطور الطبيعى المادى ، فما كان منهم من احد الا ووجد الطريق امامه مغلقا وكان مفتاحه فى ايديهم لو ارادوا ان يفتحوه وليس ذلك المفتاح شيئا غير الاعتراف بالخالق العظيم الذى يسجد له من فى السماوات ومن فى الارض طوعا او كرها .


ومصير داروين هو مصير كل العلمانيين الذين يزعمون ن العلم المادى قادر على الشرح والايضاح وكشف العلل والاسباب التى وراء هذا الكون. خيبة الامال وانغلاق الطريق هو عاقبة كل عالم جاهل وكل عاقل متمرد .


ورحم الله استاذنا العقاد اذ يقول :

(ان القرن العشرين لم يضع الانسان فى موضع اكرم له واصدق فى وصفه من موضعه عند اهل القرآن بين خلائق الارض والسماء . وبين امثاله من ابناء ادم وحواء . موضعه بين خلائق الارض والسماء انه المخلوق المميز الذى يهتدى بالعقل فيما علم . وبالايمان فيما خفى عليه وموضعه بين بنى ادم وحواء انهم اخوة من عشيرة واحدة اكرمها من كرم بما يعمل ويجتنب من سوء ، وافضلها من له فضل بما كسبه وما اتقاه لا يدان بعمل غيره ، ولا ينجو من وزره بغير عمله)(3)


ثم ختم الاستاذ العقاد هذا الكلام بكلام رب العالمين

(تلك امة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، ولا تسالون عما كانوا يعملون)



-------------

(1) عقائد المفكرين فى القرن العشرين 56 الاستاذ عباسا لعقاد - ط. الانجلو

(2) تاريخ الفلسفة الحديثة 241

(3) الانسان فى القرآن الكريم 177