نعيد طرح سؤال تقليدي طرحه فلاسفة ومفكرون ونقاد ومبدعون ومهتمون بالإبداع.يتعلق الأمر بما يلي:"ما هو الإبداع؟"ماذا يريد الشاعر بنظمه؟ماذا يريد الكاتب بنثره؟ماذايريد الرسام بلوحته؟ماذا يريد الفنان بعرضه؟والنحات والنجار والصانع واللاعب بعرضه الفريد ؟ "نعني هنا الإبداع بمعناه العام"عندما يستجوبون يجيبون أنهم يعبرون عما يختلج في نفوسهم بشكل جميل،ويفتخرون أنهم يقدمون أشياء جميلة تسعد الآخرين،وأنهم كالشموع يحترقون من أجل إضاءة حياة الآخرين ،نجوم في سماء ليست مقمرة،وأنهم ينقدون الواقع ،وقد يرفضونه وينعزلون عنه،وأنهم يعبرون عن ذات جريحة ،ذات مندهشة، أو استعصى عليها تفسير ما يدور حولها،ذات اغتصبها مد حضاري جارف.دافع الشاعر في الجاهلية عن القبيلة ،مثلها ،خاض معارك بيانيةطاحنة بسيف كلامه ، يكر مدحا ويفر هجاء.حمل مبدعي النهضة الأوربية مشعل التغيير ،حوكموا،سجنوا ومنهم من أعدموا ،ماتوا شهداء في سبيل أفكارهم التنويرية.
يذهب البعض إلى أن الإبداع ماهو إلا تعبير عن لحظة توتر تستحوذ على ذهن الكاتب ،ويذهب البعض إلى أن المبدع يخفف عن نفسه عبء كان يثقل كاهله،ويذهب البعض إلى أن المبدع حينما يبدع إنما يعبر عن حالة ذات شاذة غير متصالحة مع الواقع،ذات متمردة عليه،رافضة له،كأن المبدع حالة مرضية تحتاج العلاج،وإعادة الإدماج في الحياة.ويرى البعض أن الأسئلة الوجودية الكبرى التي أرقت أهل الفكر منذ الأزل هي التي تجعلهم يبدعون .أسئلة :الحياة/الموت،الأنا/الآخر ،الألم الذات ،النفس ،الروح...
إننا أمام سؤال إشكالي يتطلب وقتا طويلا من البحث ،لكن لابد من تسليط بعض الأضواء عليه،وإثارة نقاش حوله ،فمحاولة الإجابة تتغير مع ظروف الزمان والمكان.
لا يمكن أن نستهين بأي تفسير من التفاسير السابقة ،فلكل منها نصيب من الإجابة عما هي اللحظة الإبداعية الاستيهامية المخاضية،لكن يجب أن لا نغفل صفة التفرد والتميز التي ينفرد بها المبدع ،لندع النرجسية وجنون العظمة جانبا،المبدع يحب التفرد ،التميز ، يقهره الواقع،ينفرد ويبحث عن كمال وهمي ليتفادى الأسئلة اوجودية،يتخلص منها بطريقة أو بأخرى منطقية أو غير منطقية،يريد أن يبين أنه مكتمل وفريد من نوعه أكثر مما يريد أن يقدم للناس أشياء جميلة،عندما يبحث عن الخلود وينال إعجاب الآخرين يتوهم أنه استحق الخلود ، لاأعني بالخلود خلود أبدي وإنما خلود أعماله الإبداعية وتدارسها بعد وفاته،كما تخلد الحقائق التي قرأها،وتشبع فيها،يتجلى له ذلك .