مشكلات النقد السوسيولوجي :
المشكلة الأهم فيما أرى هي المفاهيم المتغيرة للعصور حول ثوابت اجتماعية

ينطلق الباحث من موقف من السلطة ويقارب بين السلطة الحالية وسلطة الخلافة
يقول المؤلف الدكتور داود سلوم"إن هذا موضوع لم يلتفت إليه مؤرخو النقد القديم . فهو دراسة جديدة استفدنا في إخراجها من الدراسات الحديثة
التي عالجت موضوع الأدب الإبداعي وعلاقته بالسلطة خاصة في البلدان الاشتراكية."ص 7
ولنضع خطاً تحت عبارة البلدان الاشتراكية ,
ولنعرف السلطة في البلدان الاشتراكية بشكل عام , حيث عرفت أنها سلطة شمولية مركزية , الأدب فيها موجه يخدم قضايا المجتمع, وظهر في الروايات والقصص البطل الإيجابي, ونعرف أن الكثير من الروايات كان يرفض نشرها في الاتحاد السوفيتي , لعدم احتوائها على فكرة الصراع الطبقي والبطل الايجابي , وبذلك خمدت جذوة الإبداع ,وصار الأدب مؤطراً ضمن قوالب تنسخ ذهنياً في عقول المؤلفين وتنشر لتوجيه المجتمع. وقد كتب روبير أسكاربيت في كتابه سوسيولجيا " أن الأديب عندما يكتب يستحضر بالضرورة جمهور الأدب . " ص 45
وهذا الجهور حين يكون من مكوناته السلطة والرقابة , فإن حرية الكاتب تخف بل اندفاعه الإبداعي يضمر وهذا ما نراه في البلدان الاشتراكية أو في بعضها التي صادرت الحريات , وفرضت نسقاً واحداً لا يجوز الخروج عنه وهنا قد يكون هذا الضغط محرضاً للمبدع الحقيقي لاختراع أساليب جديدة فنية تلبي طموحه فارتقى الأدب فوق حاجز السلطة , ونذكر هنا كليلة ودمنة التي ما كانت إلا إسقاطات سياسية على الواقع آنذاك لكن بقالب فني يحاكي مجتمع الحيوانات , لكن يبقى دور السلطة في توجيه الأنظار نحو الأدب الذي يروق لها , فنرى أسماء تكرر بينما تقبع روائع الأعمال الأدبية في الظلام لأنها لم تجد مكاناً لها في هذا المجتمع المسير من قبل السلطة , ومن حق كل باحث سوسيولوجي أن ينقد هذه الظاهرة انطلاقاً من النص الأدبي , حين يرى القصدية والمباشرة والتوجيه في العمل الأدبي.
مما دعى الناقد تيري أيجلتون يقول " أن الأديب ليس ثابتاً على الإطلاق..." ص 45
وعلم النقد هنا في " تحليل النص الأدبي وتشكيلاته اللغوية والاجتماعية وغيرها وصولاً إلى القيم الاجتماعية الكامنة فيها والمجسدة لمصالح قوى وفئات اجتماعية معينة" ص 46

لكن هذه المنطلقات التي سننطلق منها , حري بنا أن نطبقها في وسطها وكل تطبيق مخالف للشروط سيخلق اختلالاً في النتائج , وسنسعى لتبرير النتائج الغير موافقة تماماً بتحليلات بعيدة ترهق الفكرة بل وتقصم ظهرها وقد تظهر ارتباك هذه المنهج وعدم استقراره ,و بالتالي عدم اطمئنان الباحث لنتائجه وعدم الأخذ بها في مشغله حول النص الأدبي.

- نقف هنا لنطرح موقف الباحث من تدخل السلطة في توجيه العمل الأدبي قديماً:

ينتقد الباحث ما أسماه بالنقد التشريعي المتمثل في الأحكام التي يضعها النقاد والفلاسفة والمشرع دون النظر للطبيعة البشرية أو البيئة أو الزمن , مثل ذلك أفلاطون في جمهوريته , "ومثل أفلاطون في أدبنا العربي يمكن أن نسمي الأصمعي وابن سلام اللذين وضعا بعض الآراء النقدية التي تنبع في الأساس من الدين أو القوانين الاجتماعية والتقاليد البدوية ويلحق بهم ابن قتيبة في بعض تقسيماته للشعر" ص 53

لكن الكاتب هو ذاته قال " أعتقد أن ظهور الإسلام كان الشرارة الأولى التي أطلقت القوى الكامنة في العقلية العربية. نقطة الانطلاق الأولى كانت في بعث الرسول الكريم لفكرة التجريد في العقيدة والدعوة إلى الانتقال من عبادة الخالق سبحانه وتعالى في محاولة لاكتشاف قانون القناعة والإيمان بالشيء المجرد الذي لا يرى وترك الإنسان الاستنامة إلى ما يعبد من حجر يراه ويلمسه" ص 10

ثم يتابع ويقول " وكان على الذهن العربي الجديد أن يبذل جهداً في هذه القفزة الجيدة التي حركت عنده رغبة التساؤل بكيف وأين وساعدته إلى الانطلاق إلى عوالم لا تحد في مثل هذا البحث الذي ظهر ناضجاً في فكر المعتزلة قاده الفكر الإسلامي الجدلي المتحرر" ص10
يظهر لنا أن كل منهج نقدي لا بد له من نقاط انطلاق, بحاجة لفكر يصوغ أهدافه وينتج قواعد يستند عليها الناقد في الفصل في المسائل النقدية ,


ما النقد البديل للباحث : هو النقد الاستقرائي أو ما يسميه بالنقد الجمالي
ودراسة الشعر من ناحية جمال الصور والشكل كما يقول , ونحن لا نعلم نقد جمالي يقصده الباحث


لنرى هذه المواقف النقدية التي وصفها الباحث بالمواقف التعسفية


مواقف للباحث :

عبارات نضع تحتها سطرين:




يوظف الباحث الآيات القرآنية والحديث الشريف كما يهوى ويريد , بغير ما جاءت وعرفت , واعتقد انك ذلك من السذاجة بمكان أن يتصور جهل القارئ لهذه الشواهد التي آتى ومنها :
أنه يزعم ويفسر الآية الكريمة " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا تترك العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين"
يوظفه هذين الشاهدين في أن القران الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتدخلا في إبداع الشاعر , واصفاً ترك ذلك بفهم حقيقة الإبداع وسره الفني , ثم يؤكد أكثر من مرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استمع لشعر الغزل , وحين نرى تدليله على مواقف السلطة بعده نرى أن الشعر الذي حاربه الخلفاء هو شعر الغزل الفاحش , فهل يعني أن الرسول كان يستمع لشعر الغزل الفاحش ولا ينهى عنه , ولم يعرف قط حاشا أن سمعنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استمع لمثل هذا الشعر بل , إن كان النبي صلى الله عليه وسلم في آدبه حض على الحياء والحشمة فنهى مثلاً عن قول احدهم وضعت يدي تحت إبطي وقال قل وضعتها تحت يدي , وحين أتاه رجل قال له لقد خبثت نفسي قال له بل قل لقد لقست نفسي, والقصيدة التي استمع إليها لكعب بن زهير لم تحتوي قط غزلاً فاحشاً , وترى الباحث يوظفها ليدافع عن فكرة الغزل الفاحش ما قبل مواقف الخلفاء ويستشهد ويقول أن الرسول كان يستمع لشعر الغزل.

تفسيرات الباحث لمواقف السلطة :

يؤكد الباحث أن تدخل الخلفاء كان تدخلاً تعسفياً في حرية الشاعر ولا دخل له بالتشريع الإسلامي ولا السنة النبوية

1- تفسيره لمواقف الخليفة عمر بن الخطاب:

رغم أنه يقول في بداية البحث أن عمر بن الخطاب هو من أسس للصدق الواقعي وفسر سبب تضيق عمر بن الخطاب على الشعراء " ولعل في محاولة عمر تضييق المنهج المفتوح كان بسبب فترة الفتوح والجهاد حيث أراد أن يوجه الأمة إلى البناء , وأن يغير في خصائصها الفنية فلم يفلح بذلك , لأن الطبيعة أقوى من القانون" ص 13

كلمة المنهج المفتوح كلمة ذاتية يسقطها الباحث عن المنهج الإسلامي حول الشعراء , حيث جاءت الآية الكريمة تنتقد أغلب الشعراء لأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا قسماً منهم آمن بالله واليوم الآخر وهذا القسم هو القسم الذي دافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الدعوى وكان أدبه موظفاً في خدمة الرسالة والمجتمع , ولم يكن الغاية منه الغواية وهو يعبر عما لا يملكه

وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ 224 أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ 225 وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ 226 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ 227 الشعراء


يفسر الآية الكريمة ويعتبرها تشريعاً ومنهجاً مفتوحاً , وتفسير الآية واضح وصريح

ثم لو عدنا لانتقاده لعمر بن الخطاب ومحاولة التفسير الذاتية أنها فترة الفتوح , وهي تنتقد ضمناً موقف عمر بن الخطاب وتقول أن موقفه غير صحيح وأنه أراد يصرف الناس من الشعر للقران الكريم
ربما كلنا يعرف أن للعمر بن الخطاب ديوان شعر , ومواقف كثيرة مع الشعراء
ثم معاقبته للحطيئة لم تكن موقفاً ذاتياً إنما حق شخصي للزبرقان فهذه الدولة لها قوانينها لا تدع القول هكذا كي تشرع الاحترام وتحفظ حقوق الناس.
سوء التعليل نجده في انتقاد الباحث لمنع عمر بن الخطاب الشعراء من التشبيب بالنساء , يقول"توجه إلى شعر ( الغزل) وحاول منعه وكم أفواه الشعراء وتحريم الشعر الذي يعبر فيه الشاعر عن الحب يقول أبو الفرج: تقدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشعراء ألا يشبب أحد بامرأة إلا جلده......." ص 78
وهذا لعمري ليس بمنع للحب ولا شعر الغزل ولكن صون لأعراض الناس وحقوقهم .
يفسر موقف عمر بن الخطاب ويقول " ولا بد أن نضع هنا تعليلاً مرضياً لموقف عمر وهو موقف خاص لا ينبع من القرآن أو السنة. ويمكن أن نقدم سببين اثنين دفعا إلى هذا الموقف المتزمت أحدهما سياسي والآخر شخصي " ص 79
ويذهب في السبب الأول كون البلاد كانت في حالة فتوح, وقد ألغى عمر شعر الغزل لمنع الإغراء , فقد أهدر دم شاعر يهودي تغزل بامرأة مسلمة كان زوجها في الفتوح.
ولما كان بحثنا اجتماعياً فعلينا أن نفسر تصرف السلطة هنا تفسيراً اجتماعياً , ونكرر هنا أولاً أن منع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشعراء من التشبيب بالنساء لم يكن منعاً لشعر الغزل كما يقول الباحث , بل صوناً لحقوق المرأة وعرضها, وثانياً لم يكن الفن و أو الغزل محصوراً بالفحش ولنعود لكلام الكاتب ذاته الذي يصر أن عمر بن الخطاب تزمت من شعر الغزل ومنعه لنراه يقول عن الشعر البدوي
"ولما كان الشعر الجاهلي في أغلبه بدوياً فإن أهل البداوة لم يعرفوا السلوك المريب في أشعارهم . وقد سئل أعرابي من الجزيرة في الإسلام قيل له " أتعرف الزنا؟ قال وكيف لا ؟ قيل: فما هو ؟ قال : مص الريقة , ولثم العشيقة , والأخذ من الحديث بنصيب" . ولهذا فإذا كان الشاعر مرآة عصره فهو لم يكتب في الغزل إلا ما يحبه جمهوره وما يريدون الاستماع إليه" ص 71

ثم يقول " ولذلك يمكن أن نقول باطمئنان كبير أن الشاعر الجاهلي لم يكن قد تعدى الحدود المرسومة له في الغزل فلم يثر موقفاً يقتضي التدخل من الهيئة الاجتماعية ...." ص 71
إذا كان الشاعر قد أثبت عدم قيام منهج نقدي في بداية بحثه للعصر الجاهلي , فكيف لهذه الهيئة الاجتماعية أن تنتقد الشاعر لو شذ , وأس أسس تتبع ,هنا نقول كل منهج نقدي ينشأ من مجموعة من القوانين التي تنظم المجتمع , وكل ما يصدر عن هذا المجتمع من فعل وقول , وقد نزل الدين الإسلامي بتشريع متكامل غير منقوص , وقد حد الحدود
يقول الله تعالى "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 4 النور
في هذا المجتمع الجديد أصبح المرء يحاسب على الكلام , والشعر كلام بل ويفعل في المجتمع أقوى من الكلام المنثور , لذلك لم تكن مواقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه مواقف شخصية سلطوية كما يدعي الباحث ويفسر وفق هواه.

والسبب الثاني الشخصي الذي يذهب إليه الباحث كون عمر بن الخطاب
هو كبر سنه وقد أصبح في الستين من عمره, وقد تعددت زوجاته ثم يذكر لنا بعض زيجاته وانه كان مقتراً على زوجاتها يقول " إن عمر وقد بلغ هذا المبلغ من السن العالية وقد فارقته فتوة الجسد كان يتوجس خيفة من شعر الغزل ويخاف على المرأة من الاستماع إليه وكان عمر يريد أن يجعل دولة الإسلام على قياس واحد في الدين والتبتل وكأنه لم يدرك أن الناس في دولته أجيال كل جيل له سن وكل جيل له متنفس في الشعر أو العبادة " ص 80
هنا وكأن الباحث يرمي أن عمر بت الخطاب لكبر أصابه فهو يعاني من مشكلة شخصية كونه يتزوج من هن أصغر منهن , فقد أصيب بالشك كون زوجاته قد يؤثر بهن شعر الغزل وهو الذي منع زوجاته من الخروج وقد أقل لباسهن اعتقاداً منه أن اللباس مدعاة للخروج , وبذلك يكون عمر بن الخطاب من خلال هذه المشكلة الشخصية ضرب بيد من حديد شعر الغزل فقاده خوفه على بيته لتعميم هذا الأمر دون حق.
ويؤكد هذا التفسير قول الباحث بعدها " إذن من خلال هذه النصوص يمكن أن نقول أن عمر قد أدرك أثر الأدب في المرأة والرجل وحاول إلغاء شعر الغزل لكي ينفي عن المجتمع الجديد الذي بدأ يأخذ بأسباب الحضارة كل ميل إلى التحلل والضعف . ولكن الذي يبدو أن عمر لم ينظر إلى مسألة التكافؤ في الزواج لا في السن أو القدوة الاقتصادية وهما شرطان ولا في الثروة وأراد تحريمه الشعر عامة والنسيب خاصة أن يخلق مجتمعاً من الملائكة . وأن طموح عمر إلى الزواج يمكن أن يفسر بما للسلطة من أثر نفسي في صاحبها في إغفال السن للزواج السعيد ولا يمكن بأمر من أوامر الخليفة في موضوع لا يخضع للتشريع أن يخضع عواطف الناس ويصبها في قالب واحد في نظم الشعر ولا في الاستماع إليه" ص 81
كيف استطاع الباحث هنا الجمع بين عدم أخذ عمر بالتكافؤ في الزواج ومنع لشعر الغزل , حاولت أن أجد رابطاً مقبولاً فلم أجد. غير اللهم أن عمر حين تعلق الأمر بذاته كسر الحواجز وخالف القوانين , وهذا كان دافعاً له لمنع شعر الغزل لمعرفته بتأثيره على النساء وكان ذلك نتيجة تأثير السلطة عليه وهذا لعمري تفسير بعيد القبول مضطرب كاضطراب التعبير عنه أعلاه.