د. طه وادي .. في مرحلة الشباب الثانية:

جوائز الدولة تحتاج إلي قواعد علمية
يغيظني من يرفض الاعتراف بأساتذته
نجيب محفوظ أثار أبناء جيلي إلي أهمية الرواية
أنا صاحب مصطلح "كتابة المرأة"

حوار: د. زينب العسال
..........................

د. طه وادي.. الروائي والناقد والاستاذ الجامعي.. يبدأ هذه الأيام علي حد تعبيره مرحلة الشباب الثانية.. يخلف وراءه رحلة سبعين عاماً. ويتطلع الي رحلة أخري يشغلها بالعطاء والإبداع.
عن حصاد سبعين عاما. يقول طه وادي: الرحلة طويلة وشاقة. لاسيما أني كنت حريصا أن أصبح استاذا في الجامعة وأمارس الابداع في الوقت نفسه.. بالنسبة للجامعة. كانت هناك محاولات مضنية للتكوين الثقافي بالدراسة العليا. حتي أصبحت معلما في الجامعة التي تعلمت فيها. عملي في الجامعة يسير في مجالين متوازيين.
الأول هو التأليف والبحث الأكاديمي.. وقد استطعت بفضل الله ان أؤلف 15 كتابا نقديا. تدور في مجال الرواية الحديثة والمعاصرة. وفي مجال الشعر الحديث والمعاصر أيضا. هذه الكتب صارت علامات. وقد طبع بعضها خمس مرات. وأفاد منها الكثير من الدارسين والباحثين.
وفي خط آخر. فإن العمل الجامعي يتم بالاشراف علي الدراسات العليا. والاسهام في الاشراف علي مجموعة من الطلاب المصريين والعرب. وبعض الدارسين من البلاد الاسلامية والأوروبية. لذلك فإن المدرسة العلمية التي أسهم فيها ممتدة وكثيرة العدد. وبعض تلامذتي يشغلون الان مناصب قيادية في الجامعات العربية والأجنبية. وعلي هامش البحث العلمي الاكاديمي هناك النشاط الثقافي من خلال المؤتمرات والندوات واللقاءات الثقافية. أما بالنسبة لمجال الابداع الأدبي. فقد كان هذا السيل ولايزال أكثر صعوبة. وأشد مسئولية. لأن الابداع يشكل اتجاها أصيلا في تكوين الثقافي. الانشغال بالأدب مثل لي هواية منذ كنت طالبا في المرحلة الثانوية. والحصاد الادبي يتشكل من ثماني مجموعات قصصية وخمس روايات وكتاب ديني أدبي بعنوان "أولو العزم من الرسل في القرآن الكريم" وسيرة ذاتية بعنوان "الليالي" وقد ترجم بعض الاعمال الي الانجليزية والاسبانية خاصة رواية "أشجان مدريد" هذا الحصاد يعكس طول الرحلة وقسوتها. وجديتها كذلك. وثمة مجموعة قصصية جديدة تصدر قريبا بعنوان "الوردة والبندقية". فضلا عن استكمال كتابين احدهما في الشعر المعاصر. والثاني في الرواية التجريبية الجديدة علي ضوء منهج النقد الثقافي الذي يعد آخر المناهج النقدية وأكثرها جدة في دراسة الأدب. لأنه يحاول الافادة من معظم المناهج النقدية السابقة. وهناك كتاب لابد من الاشارة إليه هو "شاعرية طه وادي" الذي يقدم مجموعة من الرؤي النقدية المعاصرة بأقلام مجموعة كبيرة من أهم الأدباء واساتذة الجامعات.
تواصل
* قلنا : بماذا تصف علاقتك بأساتذة هم أعمدة الحركة الثقافية في الوطن العربي؟
** قال : لقد درست في مرحلة مابعد 1952 مباشرة. بالتحديد من 56 الي 60 وخلال تلك المرحلة عاصرت مجموعة من الاساتذة العظام. سواء في قسم اللغة العربية أو غيره. لأنه كانت هناك رغبة في أن يتعرف المرء علي الكثير من الاعلام المؤثرين في الفكر والأدب. مثل طه حسين وشكري عياد ومحمد مندور ولطيفة الزيات وزكي نجيب محمود وغيرهم. كانت الرغبة قوية في التواصل مع هؤلاء الاعلام. بل ومتابعة جوانب من الانشطة الثقافية. مثل أغنيات أم كلثوم وعبدالوهاب والاطرش وليلي مراد. وأيضا بعض قراء القرآن الكريم أمثال محمد رفعت ومصطفي اسماعيل وعبدالعظيم زاهر وأبوالعينين شعيشع. كانت الرغبة قائمة علي التواصل مع كل مايمكن ان يجذب الانسان نحو مستقبل أفضل. لاسيما ان الطموح كان حادا. وحين دخلت قسم اللغة العربية أصبح طه حسين قدوة لي ومثلا أعلي. وكتابي "الليالي" معارضة لكتابه "الأيام" فهناك من التشابه بين سيرة طه حسين وبين سيرتي الذاتية. وعموما فقد حرصت دوما علي القراءة المتواصلة والموسعة. مما شكل مايمكن تسميته استشراف الرؤية المستقبلية في الأدب. وبالطبع يقف نجيب محفوظ موقف واسطة العقد من الأدباء الذين أثروا في محفوظ هو الذي لفت نظر جيلي بقوة الي أهمية الرواية. وكل من ادعي غير ذلك لايقر بالحقيقة. ولايعترف بمن مهدوا له الطريق.
* قلنا : بالمناسبة : أعلنت اعتزازك بالتلمذة لأساتذتك.. هل هذه الروح موجودة الآن؟
** قال : هناك قاعدة اساسية في الحياة بأن اصابع اليد الواحدة لاتتشابه. بالنسبة لجيلي كان عدد الاساتذة والعلماء قلة. وكان تأثيرهم أكثر عمقا. من هنا كان الاعتزاز بهم معلنا. ربما يشكل أفضل مما هو في الجيل الحالي. البعض لايهمه الا العلم في ذاته. يسعي الي الدرجة العلمية علي يد زيد أو عبيد. وأحيانا تنتهي علاقة الاستاذ بالطالب مع نهاية مناقشة رسالته.. مع ذلك فإنه يوجد قلة قليلة مخلصة ووفية تتواصل معي الي اليوم. نحن نعمل في مجال الدراسات الانسانية. فماذا وماذا نتعلم.
* قلنا : ما رأيك في الاسلوب الذي تمنح من خلاله جوائز الدولة؟
** قال : الأمور لاتسير علي قواعد أو قوانين منضبطة ولا أسس صحيحة. لايوجد تقييم حقيقي. والمفاضلة تتم من أجل سواد العين أو العلاقة الحميمة.. ورأيي أن كل مايتصل بأمر الجوائز يحتاج الي مراجعة.. لابد من مراعاة القواعد العلمية والموضوعية.
أفضال كثيرة
* قلنا : ماذا عن المرأة في هذه الرحلة؟
** قال : علاقتي بالمرأة إنسانية تتركز في أمي رحمها الله. كانت بالنسبة لي الملهمة والموجهة والحامية والحانية. ثم جاءت التلمذة علي يد سهير القلماوي في الماجستير والدكتوراه. ادين لهاتين السيدتين بأفضال كثيرة. ولعلي أول من قدم الي الحياة الادبية مصطلح صورة المرأة في الرواية من خلال رسالتي للدكتوراة في 1971 ربطني هذا الموضوع منذ وقت مبكر بقضية المرأة وأدب المرأة. بل لقد ترك تأثيرات كبيرة علي ابداعي القصصي والروائي.
بعض الألتباسات
* قلنا : فلماذا تغفل هذه الدراسة عند الحديث عن كتابة المرأة؟
** قال : لو أننا أخذنا عناوين الرسائل العلمية التي تتناول هذا الموضوع. فسنجد ان الموضوع طرق بشكل واسع. انا صاحب هذا المصطلح. وقد اشعته بشكل واسع الي جانب مصطلح "أدبيات القصيدة" لقد اشعت هذين المصطلحين في الدراسات النقدية. وان كان ثمة بعض الالتباسات في فهم معني صورة المرأة نفسها. المصطلح موجود. ودراسة المرأة نالت عناية من الدارسين علي مدي نصف القرن. لكننا في حاجة الي ان نكرر ونعيد. وأحيانا نذهب لمناقشة رسالة جامعية فنتبين ان الموضوع قد درس من قبل. وهذا يرجع الي ان الارشيف غير جاهز. نحن نريد أرشيفا ومعلومات عن اسم الكاتب والموضوع وسنة الصدور. نريد انضباطا ببليوجرافيا. ويكفي ان رسائل كثيرة اخذت عنوان كتابي.
* قلنا : مارأيك في المناقشات التي تثور حول قضية كتابة المرأة والنقد النسائي؟
** قال : النقد النسائي الادبي بدأ يأخذ صورة مشرقة في المرحلة المعاصرة. وظهر العديد من الناقدات الملتزمات فكريا بداية من سهير القلماوي ولطيفة الزيات وفريال غزول وسيزا قاسم ورضوي عاشور. وظل الخط مستمرا حتي اليوم. التأريخ للكتابة النسوية ليس مشكلة. لكن المشكلة في أدب المرأة من قبل المرحلة الحالية الكثير من الكاتبات كن يمارسن الكتابة الادبية ثم يتوقفن. الان الصورة اتضحت في ابداعات سحر الموجي وميرال الطحاوي وسلوي بكر. المرأة الادبية شقت عصا الطاعة علي التابو. بل ان بعضهن فضلن حياة الابداع عن كل ماعداها. الدعوة إلي الادب والنقد النسائي والثقافة الخاصة بالمرأة. علامة علي التطور والتجديد في طرائق الفكر المعاصر وضرورات الحياة الانسانية التي تساوّي بين الرجل والمرأة.
....................................
*المساء ـ في 29/9/2007م.