جمال القبح:
إن التفكير في الجمال يستدعي بالضرورة التفكير في القبح
هل يمكن للقبيح أن يصبح جميلاً
وما الذي يدعوننا نعجب بأعمال تصور القبح
يقول بلوتاك : أن القبيح لا يمكن أن يصير جميلاً ولكن ما يثير إعجابنا هو دقة المحاكاة عندما تكون مطابقة..فالجمال والمحاكاة ( ليس المقصود لنجاح في المحاكاة) هما شيئان مختلفان تماماً.

أرجع أرسطو سابقاً جمال العمل الفني إلى نجاح المحاكاة بغض النظر عن الشيء المحكي , جميلاً كان أم قبيحاً وهو يقول في البوطيقيا ( poetics ) :" والسبب في أن الناس يستمتعون برؤية الشبيه هو أنهم بتأملهم فيه يجدون أنفسهم يتعلمون ويستنبطون الأفكار" ص 49 الأسس الجمالية في النقد العربي – د عز الدين إسماعيل – دار الفكر العربي
العلاقة بين ذكاء الفنان وأهمية الأشياء التي يصورها هي استجابة ذهننا لمهارة الفنان وذكائه , وقدرته على تصوير القبح بأدق تفاصيله, فنحن نسر للتصوير لا للقبح.
وهذا ببساطة تفسير لما يسمى جمال القبح , والذي قد يعرضه البعض ويظن أن القبيح جميل كذلك.


8- الجمال والشعر :

ما هو السر العجيب في الشعر, لماذا ننجذب إليه وتحركنا إيقاعاته, ومعانيه, ونحس بسر غريب متفلت من بين أصابع الإدراك, من هو هذا الشاعر الذي يحركنا:
" الشاعر هو المرآة التي تبدو فيها الظلال الهائلة التي يعكسها المستقبل على الحاضر, فهو يرى الحياة جديدة لانسخة من صورة قديمة, فإذا انتقل شعره بنجاح إلى الآخرين فقد تحتم أن يكون له أهمية" ص 299 الأسس الجمالية
وما هو شعره الذي فعل بنا وأثار كل هذا الإنفعال الجمالي:
" إن الشعر يوحي أكثر من أن يقرر , وأنه يولد الفكر الحي المتحرك , فإننا نرى بأي معنى يمكن أن يحتوي الشعر على قيمة عقلية وخلقية , وأن يكون في الوقت نفسه شيئاً سوى أي معنى من المعاني التي ينسبها إليه قارئ ذواقة , إن الكلمات الشعرية بالقدرة على إطلاق الحرية. وفي تفسير القطعة الشعرية يجب ألا تستخدم تحديدات النثر مطلقاً بصورة جافة على أساس دعوى خاطئة هي أن الناقد يعين الشاعر على أن يقول شيئاً لم يكن واضحاً في ذهنه . فالتبسيط عادة يجر إلى الرداءة." ص 202 الأسس النقدية

"وقليل من النقاد من التفت بين الطول في الأعمال الفنية وبين التعقيد والعظمة , ويمكن الانتهاء إلى قاعدة عامة هي أن السطر الواحد من الشعر أو القطعة الواحدة تتهيأ لها فرصة أوسع لآن تكون عظيمة إذا هي جاءت في عمل شعري طويل . ومعنى هذا أن التعقيد يصعب تحققه في الحيز المحدود . وليس الطول فقط في ذاته هو ما يشعر بالتعقيد , ولكن كل قسم بمفرده يستمتع بمزيد من الإيحاء والمعنى بسبب علاقته بالكل......... والفرق بين القصيدة الطويلة والقصيدة القصيرة فرق في الجوهر أكثر منه في الطول , ويثير هذا الاختلاف في الواقع مشكلة غنائية lyricism , فنحن نسمي القصيدة القصيرة في العادة غنائية lyric , وكان ذلك في الأصل يعني قصيدة من القصر بحيث يمكن تلحينها وغناؤها في فترة متعة, ويمكننا أن نعرف القصيدة الغنائية من وجهة نظر الشاعر بأنها قصيدة تجسم موقفاً عاطفية مفرداً أو بسيطاً , قصيدة تربط عن حالة أو إلهام غير منقطع . أما القصيدة الطويلة فالنتيجة الطبيعية هي أنها قصيدة تربط بمهارة بين عديد أو كثير من مثل تلك الحالات العاطفية , وإن كان من الواجب هنا أن تستخدم المهارة فكرة عامة واحدة في ذاتها تكون وحدة عاطفية " ص 203 الأسس النقدية
- الشعر يتقاسم الأهمية والتعقيد والقوة مع باقي الفنون كالنثر والتصوير والنحت... و" جوهر الشعر تبعاً لأعظم النقاد القدامى ونقاد عصر النهضة والنهضة الثانية بين الرومانتيكيين – فهو القوة الإبداعية . ( لعل إستوفر يعني بأعظم القدامى أرسطو , فهو يرى أن جوهر الفن هو الخلق . فالشاعر هو الصانع المبدع الكاهن النبي . ولكن كيف يبدع ؟ إنه لا يبدع فحسب , ولكنه يؤلف كذلك ويركب الزمن , أي بألفاظ تكتب وتقرأ في خلال فترة زمنية لا في المكان . فالشعر إذن تركيبي , والإيقاع لازم لإظهار هذا التركيب الزمني . والاتصال بين الشعر والموسيقى في المجتمعات البدائية يكفي لتأكيد ذلك . ومن الممكن القول – تبعاً لورد سورث – إن الأثر الممتع للإيقاع ثلاثي عقلي وجمالي ونفسي . أما عقلياً فلتأكيده المستمر أن هناك نظاماً ودقة وهدفاً في العمل . وأما جمالياً فإنه يخلق جواً من حالة التأمل الخيالي الذي يضفي نوعاً من الوجود الممتلئ في حالة شبه واعية على الموضوع كله. وأما نفسياً فإن حياتنا إيقاعية : المشي والنوم والشهيق والزفير وانقباض القلب وانبساطه ". ص 305 الأسس النقدية