النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الشبهات المزعومة حول القرآن الكريم في دائرتي المعارف الإسلامية والبريطانية

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #3  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,620
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    وأكتفي في هذه العجالة بهذا القدر من بيان الأخطاء التي كان لابد أن يقع فيها المستشرقون بسبب اعتمادهم على منهج النقد الأعلى والأدنى في دراساتهم للقرآن الكريم.
    الشبهات الواردة في الموسوعتين :
    الإسلامية والبريطانية : تحليل ونقد
    أولاً: شبهات في دائرة المعارف الإسلامية ( الطبعة الجديدة )
    تبدأ مادة القرآن في دائرة المعارف الإسلامية بعرض الخطوط الرئيسة التي سيتم تناولها على النحو التالي:
    أصل الكلمة ومرادفاتها :
    الاشتقاق والاستعمال القرآني للكلمة.
    الترادف في القرآن.
    محمد والقرآن.
    تاريخ القرآن بعد سنة 632 :
    جمع القرآن .
    القراءات المختلفة، ومخطوطات الصحابة.
    بناء النص المعتمد والقراءات.
    التكوين العام :
    السور وأسماؤها .
    البسملة.
    ج – الحروف الغامضة (يعني حروف المقطعات ).
    تاريخ النص:
    الإشارات التاريخية في القرآن.
    الترتيب الزماني التقليدي عند المسلمين.
    الترتيب الزماني الغربي الحديث.
    اللغة والأسلوب :
    أ-لغة القرآن .
    ب-الألفاظ الأجنبية.
    ج- السجع والتكرار.
    د- التكوين التخطيطي والروايات المتعددة.
    (7) الصيغ الأدبية والموضوعات الرئيسة:
    القسم وما يتصل به.
    الأجزاء الرمزية.
    ج- الأجزاء الصريحة.
    د- القصص .
    هـ- التنظيمات.
    و- الصيغ التعبدية.
    (8) القرآن في حياة المسلمين وفكرهم.
    المصادر والمراجع المتعلقة بالبنود من 1إلى 8.
    (9) ترجمة القرآن:
    المذهب التقليدي.
    الترجمة إلى لغات معينة.
    وتبدو هذه الخطة مستوعبة للموضوع من مختلف جوانبه، عمد الكاتب إلى بسط إطارها العام لكي يقدم من خلالها خلاصة للنتائج التي أجراها المستشرقون منذ تيودور نولدكه في كتابه " تاريخ القرآن" (طبعة جوتنجن 1860) وجوستاني ويل في كتابه " الفتوحات الحربية التاريخية" (بليفيلد 1878) ، حتى العقد الثالث من القرن العشرين حول القرآن الكريم.

    (1/19)

    ويحاول الكاتب أن يبدو موضوعياً فلا يشير في مقاله إلى الأعمال التي نشرها القساوسة والكتاب الأوربيون في القرون السابقة عن القرآن الكريم والتي حفلت بالهجوم الخاطئ والمحاولات الساذجة غير المعقولة، وإنما يبدأ بالدراسات التي أجراها المستشرقون منذ منتصف القرن الرابع عشر، بعد أن توافرت لهم الأدوات العلمية، والقدرة على فهم اللغات، وبعد نشر الكثير من المخطوطات العربية، فبدوا – كما يحاول كاتب المقال أن يظهرهم – أكثر موضوعية وتدقيقاً في المنهج.
    وفي نطاق محاولته لكي يبدو موضوعياً يبدأ في كل فصل من الفصول بعرض آراء المسلمين الأوائل، ثم يأتي بعد ذلك بآراء المستشرقين الغربيين.
    علينا الآن أن نتتبع كاتب المادة بدقة في الفصلين الأولين – نموذجاً لسائر ما كتبه في المقال – وهما: أصل الكلمة ومرادفاتها ، محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ، لنعرف إلى أي حد كان الكاتب ملتزماً بقواعد منهج النقد الأعلى والأدنى الذي جعله معياراً لعمله ومناطاً لجهده في البحث والدرس(1).
    أصل الكلمة ومرادفاتها:
    يعرض الكاتب أول ما يعرض لكلمة " القرآن" والتي ترددت في القرآن نفسه – كما يشير الكاتب – أكثر من سبعين مرة بمعان مختلفة. ويقول: إن المستشرقين قبلوا النظرية التي قال بها شفالي في كتابه ( تاريخ القرآن) أن "القرآن" قد اشتق من كلمة " قرياءنا" السريانية، ( ومعناها القراءة المقدسة، والدرس). أما النظرة الغالبة لدى الدوائر الإسلامية فهي أن الكلمة اسم من قرأ . ويشير الكاتب إلى أن كلا الرأيين يجد لنفسه سنداً من القرآن، حيث يظهر فعل " قرأ" ولكن ليس كما يتكرر بمعنى القراءة أو التلاوة . ثم يقول : "ولعل أنسب النتائج وأقربها قبولاً هي أن مصطلح القرآن قد أصّل في القرآن نفسه لكي يمثّل كلمة " قيريانا السريانية " ولكنه أسس على مصدر عربي بصيغة " فعلان" من قرأ".
    __________
    (1) وذلك برغم ما أثبتناه فيما سبق من عدم صلاحية هذا المنهج لدرس القرآن.

    (1/20)

    وهكذا حاد كاتب المقال عن الحقيقة بعد أن تبينت له ، فالكلمة العربية اشتقت من القراءة، كما أن أول سورة من القرآن – حسب الترتيب الزماني للسور والذي أعده المستشرقون أنفسهم ، تبدأ بكلمة : اقْرَأ، فعل أمر من قرأ، وهي نفس المادة العربية التي اشتقت منها كلمة القرآن . وآثر الكاتب أن يقحم الرأي المتعسف الذي افتراه المستشرق الألماني شفالي ومن سار على دربه من المستشرقين بأن الكلمة منحدرة من المصادر النصرانية السريانية، (معتمداً على مخطوطة سريانية من القرن السادس موجودة بالمتحف البريطاني) وهي المصادر التي لا يمكن لأحد أن يأتي بدليل على ظهورها وتأثيرها عند نزول القرآن الكريم.
    ولا شك أن الكاتب يهدف بتصدير المقال بهذا المبحث اللغوي المتعسف إلى أن يبين أن هناك اتصالاً وثيقاً بين القرآن الكريم والمصادر المذكورة ، وأن هذا الاتصال إنما يبدأ بكلمة "القرآن" نفسها التي ليست في الواقع إلا كلمة مأخوذة من السريانية، كل ذلك لكي يسهل على القارئ أن يتقبل ما سوف يرد من آراء في هذا السياق.
    ويمضي كاتب المقال قائلاً: " ولا يمكن لمعنى كلمة القرآن ومصدر الكتاب المقدس للمسلمين أن يتضحا تماماً دون أن نضع في الاعتبار استخدام عدد آخر من المصطلحات الوثيقة الصلة بالموضوع ، ولا يقتصر الأمر هنا على "آية" و"كتاب" فحسب، بل يشمل أيضاً " سورة " و "ذكر" و" مثاني"، و "حكمة" وغيرها. ثم يقول " إن المعنى الأصلي للفظ "آية" كالكلمة الشبيهة في العبرية "أوث" ، والسريانية "آثا" ، هي العلامة والدليل وتأتي كرمز لحقيقة غير مرئية" ولكنه يستدرك قائلاً " غير أن اشتقاقها ليس مؤكداً".
    وبعد ذلك يعرض لكلمة " سورة" فينقل عن شفالي قوله: إنها تبدو مشتقة من " صورطا" أو " سورثا" السريانية : ومعناها الكتاب المقدس .

    (1/21)

    كما يعرض للفظ" مثاني" فينقل ما قاله بعض المستشرقين من أنها مشتقة من " مشنا" العبرية، وبعضهم الآخر من " ماثنيتكا" السريانية أو الآرامية، لكن اللفظ كما يؤكد كاتب المقال – لابد أن يكون متأثراً بـ "ثنى" العربية، بمعنى أعاد وكرر.
    ثم يأتي الكاتب إلى كلمة " حكمة" فيقول إنها ربما جاءت من الكلمة الآرامية "حخما" فالكاتب بقدر ما ينفي أن بعض هذه الكلمات ترجع إلى أصول عبرية أو سريانية أو آرامية فإنه يشير إلى صحة اشتقاق بعضها من هذه الأصول . وهو يتتبع كل كلمة من الكلمات السابق ذكرها فيعرض لمعانيها الواردة في المكي ثم المدني من القرآن الكريم متبعاً في ذلك منهج النقد الأدنى، كما سبق أن أشرنا.
    وإذا تأملنا النتائج التي توصل إليها المستشرقون في هذا البحث – وفقاً لما عرضه كاتب المقال – نجد أنها لم تأت بجديد، فهي قد أقرت بما أعلنه المسلمون من أن ألفاظ : قرآن، آية، سورة، كتاب إنما تمثل وحدات من التنزيل ، وأن الكتاب يعني كتاب الله.. إلخ ومن ثم لا يشتمل هذا المبحث إلا على ما أثاره بعض المستشرقين من شبهات حول اشتقاق بعض ألفاظ القرآن الكريم وردها إلى أصول عبرية أو سريانية، وبمعنى آخر ردّها إلى أصول يهودية أو نصرانية.
    ولاشك أن الهدف من وراء هذا التشكيك في أصالة المصطلحات الرئيسة في القرآن الكريم وردّها إلى أصول عبرية أو سامية أو آرامية إنما هو استدراج للقارئ وتمهيد لإقناعه بأن القرآن هو من اختراع محمد وتأليفه، وأنه قد تعلم هذه الألفاظ من اليهود والنصارى.
    ويناقش الدكتور عبد الرحمن بدوي مزاعم المستشرقين في هذا الصدد قائلاً:

    (1/22)

    " ولكي نفترض صحة هذا الزعم فلا بد أن محمداً كان يعرف العبرية والسريانية واليونانية، ولابد أنه كان لديه مكتبة عظيمة اشتملت على كل الأدب التلمودي والأناجيل المسيحية ومختلف كتب الصلوات وقرارات المجامع الكنسية وكذلك بعض أعمال الآباء اليونانيين وكتب مختلف الكنائس : الملل والنحل المسيحية".
    ويعلق عبد الرحمن بدوي على هذا بقوله : " هل يمكن أن يعقل هذا الكلام الشاذ لهؤلاء الكتاب، وهو كلام لا برهان عليه. إن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل ظهور رسالته وبعدها معروفة للجميع… ولا أحد قديماً أو حديثاً يمكنه أن يؤكد أن النبي كان يعرف غير العربية، إذاً كيف يمكن أن يستفيد من هذه المصادر كما يدَّعون"(1).
    على أن اللغات العربية والعبرية والسريانية تنتمي إلى سلالة لغوية واحدة هي سلالة اللغات السامية، ولابد من أجل ذلك أن يكون بينها الكثير من التشابه والتماثل.
    ومن ثم فإن القول بأن إحدى اللغات قد استعارت ألفاظاً بعينها من أخواتها هو ضرب من التعسف ، مالم يقم عليه دليل.
    ويمكن أن تكون هذه الألفاظ قد وجدت في العربية قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم بوقت طويل واستقرت في اللغة العربية حتى أصبحت جزءاً منها وصارت من مفرداتها التي يروج استخدامها بين العرب.
    كما أن من المستحيل الآن بسبب غموض تاريخ اللغات السامية أن نحدد من اقتبس هذه الألفاظ المشتركة من الآخر: العربية أم العبرية(2)؟
    __________
    (1) دفاع عن القرآن ، ص 28 .
    (2) عبد الرحمن بدوي: دفاع عن القرآن ، ص 44.

    (1/23)

    وهذا كاف في الدلالة على إثبات تفاهة حجج من توسع من المستشرقين في باب الاشتقاق من اللغات السامية(1).
    (2) محمد والقرآن :
    يبدأ كاتب المقال هذا الفصل بقوله إن كتاب الإسلام المقدس وتجربة محمد النبوية ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بحيث لا يمكن فهم أيهما فهماً كاملاً دون الآخر.
    ثم يشير إلى ما استقر عليه الرأي من أن الله في القرآن هو المتكلم دائماً، وأن محمداً هو المتلقي وأن جبريل هو وسيط الوحي ويضيف: ولكن تحليل النص يبين أن الموقف أشد تعقيداً من هذا.
    ويبدأ الكاتب في عرض نصوص من القرآن الكريم لبيان العلاقة التي تربط بين أطراف القضية الثلاثة: المتكلم، والوسيط، والمتلقي، استناداً إلى منهج " النقد الأعلى والأدنى" الذي يعمد إلى تحليل هذه النصوص وربط بعضها ببعض ربطاً تاريخياً، وسوف نتتبع الكاتب في هذا العرض ونتقصَّى ما ذهب إليه، فإن كان مشتملاً على حقائق علمية ثابتة أيدناها ووافقناها، خدمة للكتاب العزيز، وإن جاء متضمناً غير ذلك بيناً وجه الخطأ فيه، وحاولنا قدر استطاعتنا الإبانة عن الحق والصواب بالبينة والبرهان.
    أ- المتكلم :
    يقول : " فيما يبدو أن الأجزاء الأقدم من القرآن ، لا يتبين المتكلم أو مصدر الوحي، ففي بعض السور ( يشير إلى آيات في سور الشمس، والقارعة، والتكاثر، والعصر) لا نجد حتى مجرد إشارة بأن الرسالة تأتي من الإله.
    __________
    (1) راجع تعليقات إبراهيم عوض في كتابه : دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية : أضاليل وأباطيل ، وهو الكتاب الذي ألفه في نقد ما كتب في الطبعة الأولى من الدائرة المذكورة ، ص 187 وما بعدها حول آراء المستشرقين في المسائل اللغوية وما أثبته من وجود عدد كبير من هذه الألفاظ في الشعر الجاهلي قبل نزول القرآن الكريم.

    (1/24)

    والكاتب يتجاهل هنا الآيات الأولى التي نزلت من القرآن ، في سورة العلق(1)، اقرأ باسم ربك الذي خلق " ، فالرسالة قد أنزلت من الخالق ، والنبي مكلف بالبلاغ .كما يتجاهل الكاتب – هو ومن نقل عنه من المستشرقين(2) – ما ورد في سورة الشمس نفسها التي استشهد بها من قول الله تعالى " والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها ، ونفس وما سواها" فهذه وغيرها كلها إشارات إلى الخالق المعبود وصنعه في الكون وفي النفس البشرية.
    ثم يقول الكاتب : إن السور المبكرة التي يشار فيها إلى إله محمد لا ترد فيها إشارة إلى اسم الإله، إنما هو لفظ الشخص الثالث، إذ ترد في العبارة " ربي" و" ربك" ويضرب الكاتب على ذلك مثلاً بما ورد في سورة : الذارايات، والطور ، والمدثر …إلخ.
    ولا يمكن من يزعم أنه يتبع منهجاً تحليلياً لنص من النصوص – وفقاً لمنهج النقد الأدنى – أن ينتقى منه ما يشاء ويغفل عن بقيته، إلا إذا كان يبغي التضليل، فهو قد غفل عن اسم إله محمد الذي ورد في السورة الأولى : العلق:.. ألم يعلم بأن الله يرى " (14:1) ، كما ورد في السورة الثانية : المدثر : " … كذلك يضل الله من يشاء " (31:2) . بل ورد في السورة التي استشهد بها الكاتب كالذاريات: " ففروا إلى الله… ولا تجعلوا مع الله إلهاً آخر" (51:50).
    وفي هذا – وغيره كثير – دلالة على أن اسم إله محمد (الله) قد ورد في السور المبكرة، على عكس ما يزعم الكاتب.
    كما ورد في سورة المدثر – التي يستشهد بها الكاتب – بصيغة المتكلم أيضاً لا المفرد الغائب فقط – " ذرني ومن خلقتُ … وجعلتُ .. ومهّدتُ… سأرهقه… سأصليه. (26:11).
    __________
    (1) ترد السورة في ترتيب " نولدكه" الزماني للقرآن ، وهو الترتيب الذي يعتمده المستشرقون، برقم 1 (انظر: دائرة المعارف الإسلامية ، مادة القرآن في الفقرة 3 تاريخ القرآن ).
    (2) أعنى المستشرق موير
    Muri في كتابه " إله محمد ".
    (1/25)

    وواضح أن كاتب المقال – ومن اعتمد عليه من المستشرقين – يحاول أن يشكك في ماهية الطرف الأول من أطراف القضية ( المتكلم : الله تعالى) فيزعم أن هذا الطرف كان غامضاً في الفترة المكية المبكرة، لأن السور التي تنتمي لتلك الفترة لم تحدده أو تعينه بوضوح.
    والكاتب يرمي إلى الإيحاء بأن اسم هذا الإله ما تحدد بوضوح إلا في الفترة المدنية بعد أن اتصل محمد باليهود الذين تعلم منهم كما يزعم الكاتب.
    ثم ما لبث الكاتب أن ناقض نفسه فقال " ورد في القرآن أن محمداً (الذي زعم الكاتب لتوه أنه لم يكن يعرف ربه تماماً) قد رأى الله مرات عديدة
    Muhammed had Visions of God كما ورد في سورة النجم 10 (لعله يعني الآية 11) : " ما كذب الفؤاد ما رأى" وفي سورة التكوير 23 : " ولقد رآه بالأفق المبين "وعلى الأقل في الفترة المكية كان صوت الله نفسه، وليس أي وسيط ، ما سمعه محمد".
    ونقول إن النص في كلا الموضوعين لا يسمح بأن تكون الإشارة إلى الله تعالى، وإنما الضمير عائد في الآية الأولى إلى " شديد القوى " يعني جبريل عليه السلام ، الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم : فقد رآه النبي على صورته التي خلقه الله عليها كما قال العلماء: وفي الآية الثانية يعود الضمير إلى رسول كريم، وهو أيضاً جبريل عليه السلام الذي يمهد الكاتب لإنكاره دوره بزعمه أن الشواهد تقول: إن محمداً قد تلقى الوحي في الفترة المكية من الله مباشرة، إذ لم تكن ثمة حاجة إلى وسيط بينه وبين محمد.
    والكاتب يريد بهذا التلبيس أن يعد قارئه لقبول النتيجة التي يسوقها في الفقرة التالية.
    ب- الوسيط:

    (1/26)

    يقول: وفي السور المبكرة ومن أجل تحديد مصدر الوحي، فإن الله هو المتكلم، وهو المصدر المباشر، مثلاً " إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً"(1) . ( المزمل 5) و " سنقرئك فلا تنسى" ( الأعلى 6) ، وعدد آخر من السور المكية المتأخرة والمدنية المبكرة يتحدث عن آيات القرآن والكتاب لمحمد ( يشير إلى قوله تعالى: { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق } ( البقرة: 252)، وآل عمران 108 وكلاهما مدنية، والجاثية 6 مكية ). لكن في خلال الفترة نفسها نجد مجموعة من السور تقول بتعالي الله عن الإيحاء المباشر. وقد جاء هذا بطريقتين: أن تقال الرسالة لكي تنزّل عن طريق وسطاء معينين. وأن تتصل بشكل ما بـ " الكتاب" وكلتا الظاهرتين تتضح في سورة الشورى 51 حيث ينكر القرآن بصراحة أن يتكلم الله مباشرة مع محمد: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء.. وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان.."
    نقول : لا يمكن – بعد ما قدمناه في أول هذا الفصل – أن يزعم الكاتب اعتماداً على الآيتين اللتين أوردهما من سورة المزمّل وسورة الأعلى أن الله قد كلم محمداً – صلى الله عليه وسلم- تكليماً فما هو إلا تنزيل ، ولا شك أن التحجج بالكلمات : سنلقي عليك، سنقرئك ، نتلوها عليك، يدل على جهل مطبق بأساليب العربية، وهي لا تدل بحال على الإلقاء المباشر أو القراءة والتلاوة المباشرة على المتلقي.
    ومن ثم فليس هناك تناقض ولا تعارض بين الآيات المبكرة والمتأخرة كما يزعم الكاتب، الذي يحاول هنا أن يشكك في دور جبريل عليه السلام ، الطرف الثاني من القضية.
    __________
    (1) لاحظ أن ضمير المتكلم هنا يناقض ما قاله الكاتب من قبل عن عدم ظهور هذا الضمير في السور المبكرة.

    (1/27)

    وينتقل الكاتب بعد ذلك ليقول " في أول سورة مدنية مبكرة – وهي سورة البقرة ( الآية 97)- يشار إلى وسيط الوحي لأول مرة في القرآن على أنه جبريل . وبناء على هذه الآية وعدد من الأحاديث النبوية فإن المفسرين حددوا الروح في الأجزاء المبكرة بأنه جبريل ، ووضعوه منذ بداية منصب محمد كوسيط للتنزيل".
    وكما أن جبريل ، وعلى عكس المعتقد السائد،لم يعرف أبداً في القرآن على أنه واحد من الملائكة ، كما لم يذكر أن الملائكة وسطاء للتنزيل ، والسورة 16 آية 2 هي الأقرب في هذا الصدد".
    ونقول: لقد ذكرت صفات الملك الذي يبلغ الوحي في ما نزل في الفترة المكية الأولى { إنه لقول رسول كريم ، ذي قوة عند ذي العرش مكين ، مطاع ثم أمين } ( التكوير 19-21)، { علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى } (النجم: 5،6) إلى غير ذلك من الآيات التي تبين شخصية هذا الملك ذي القوة العلوية العالمة التي توحي إلى النبي علماً، وتبلغه رسالة ربه. والنبي يعرفه ويراه : { فأوحى إلى عبده ما أوحى ، ما كذب الفؤاد مارأى } (النجم: 10،11) ن ويناديه باسمه جبريل كما ورد في حديث الإسراء والمعراج، فلم تكن بالنبي والمسلمين حاجة إلى النص على هذا الاسم في القرآن . وما نزلت الآية التي يشير إليها كاتب المقال من سورة البقرة (97) : " قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن الله..الآية " إلا حين سأل اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي قال:جبريل. قالوا: فإنه عدو لنا ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال، فنزلت الآية.

    (1/28)

    فكون الاسم لم يرد في القرآن إلا في أوائل الفترة المدنية لا يعني أن الله تعالى هو الذي كان يوحي إلى النبي مباشرة كما زعم الكاتب . على أن الإسم لم يرد في القرآن إلا في مناسبتين فقط. هذه المناسبة التي رد فيها على اليهود ، ومرة أخرى في سورة التحريم الآية 4 في موضع المحبة للنبي والاستعداد لتأييده ونصرته حتى في مواجهة أقرب الأقربين إليه وهن زوجاته(1) . ومن ثم فإن الملك الذي أبلغ الوحي كان معروفاً للنبي قريباً منه ، ويصبح التعلل بتأخير ورود اسمه في التنزيل أمر لا طائل وراءه.
    أما ما قاله الكاتب من أن القرآن لم يذكر أن الملائكة وسطاء للوحي، فيكفي أن نستشهد بالآية الأولى من سورة فاطر المكية : { الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً } وبالآية (75) من سورة الحج (مدنية) : { الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس } وللدلالة على أن جبريل من الملائكة ما جاء في وصفه بالآية (19) من سورة التكوير { إنه لقول رسول كريم } فهو إذن رسول من الملائكة الذين يصطفيهم الله.
    ثم إن الآية التي يشير إليها الكاتب : { قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزّله على قلبك بإذن الله } إنما هي تصريح بأن جبريل نزل بالقرآن كله مكية ومدنية.
    ج- المتلقي:
    وبعد أن فرغب الكاتب من الحديث عن طرف القضية الثاني، وحاول أن يلغى دوره أو يشكك فيه ينتقل إلى الطرف الأخير في القضية. محمد صلى الله عليه وسلم.
    يقول: يتحدث القرآن أيضاً لأول مرة عن معلم محمد من البشر في سياق مجموعة الاتهامات التي وجهها له معارضوه : { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون.. } { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً } ( الفرقان 4 وما بعدها).
    __________
    (1) … وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ".

    التعديل الأخير تم بواسطة طارق شفيق حقي ; 07/08/2019 الساعة 11:15 AM
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مكتبة القرآن الكريم ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15/04/2008, 08:50 AM
  2. سنة و سنت في القرآن الكريم
    بواسطة البشير الأزمي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12/09/2007, 11:23 PM
  3. القرآن الكريم....
    بواسطة د.ألق الماضي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05/08/2007, 10:48 PM
  4. القرآن الكريم
    بواسطة د.ألق الماضي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 18/09/2006, 08:57 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •