* الساعة ذات البندول *

................................



أمى تصغر أبى بسنوات عديدة . ألتقط من ذكرياتهما أنها كانت ـ لصغر سنها ، قبل أن يأتى الأبناء ـ تخاف الليل ، فهى تنتظره فى الشرفة المطلة على شارع إسماعيل صبرى . فإذا غلبها الخوف ، نزلت تنتظر مجيئه على كرسى البواب ..
لم يكن أبى يدخل مع أمى فى مشادة ما ، ولا يحاول توبيخها ، أو تشديد ملاحظاته عليها . حتى قسوتها الدائمة علينا ـ فرط حنان ، كما تفعل القطة حين تأكل صغارها ـ لم يكن يقابلها بغضب ولا ثورة . إنما هى ملاحظات مداعبة ، تخاطب الطفلة بأكثر مما تتجه إلى الزوجة ..
يرفض أبى ـ فى الأوقات التى تظهر فيها أمى اختلافها معه ـ أن يعطيها ما يعيدها إلى أهلها فى دمنهور :
ـ اعقلى .. وخليكى مع أولادك !
تصر ـ أحياناً ـ على أنها أخذت على خاطرها ، فهى لابد أن تعود إلى بيت أبيها . تتطلع إلى الساعة ذات البندول التى تتصدر جدار الصالة ـ تكرر المشهد ! ـ وتسأل :
ـ أليست هذه ساعة أبى .. اعطنى إذن ثمنها ..
يقول أبى فى ابتسامة مشفقة :
ـ أعطيت أباك ، وأعطيتك ، ثمنها مرات كثيرة من قبل ..
تهز كتفيها :
ـ لا شأن لى .. أريد ثمن الساعة ..
ـ لمحمد فوزى أغنية تقول : الساعة واقفة .. والا بتمشى .. سمعتك تدندنين بها .. غنها لى أصحبك بنفسى إلى دمنهور ..
ترافق ابتسامة نبرته المحرضة :
ـ غن لى .. غن لى ..
تزم أمى شفتيها ، كى لا تفلت منها ضحكة ، ثم تخلى للضحكة سبيلها ..