(12)
*فتــــــــوى*
..................

عاد العلماء والفقهاء وأصحاب الرأى إلى الجوامع والمعاهد والمدن والقرى . أغلقوا على أنفسهم أبواب صوامعهم . انشغلوا بقراءة ما على الأرفف من مجلدات ومخطوطات وحجج ووثائق . يحاولون التوصل إلى ما طلبه السلطان من معنى ، يدير به أمور السلطنة ..
كان السلطان قد دعا العلماء والفقهاء وأهل المشورة من العاصمة ومدن الأقاليم . امتلأت بهم القاعة الكبرى فى القصر . من لم يجدوا مقاعد اكتفوا بالوقوف ، وإن وقف الجميع ـ احتراماً ـ لما أعلن الحاجب دخول السلطان ..
جلس السلطان فى موضع الصدارة ، عن يمينه ويساره قادة الجند والأمراء وكبار الموظفين ..
تأمل الحضور الذين شكلوا ما يشبه الحدوة ..
قال :
ـ دعوتكم لأمر خطير ..
أضاف لنظرات الخوف المتسائلة :
ـ هو أمر لا يخص فرداً ولا مجموعة أفراد ، لكنه يخص كل الناس ..
وقال للصمت السادر ، والتوقعات التى بلا حد :
ـ الشائعات تملأ الأسواق أننا اغتصبنا الحكم بقوة السلاح ..
أردف فى لهجة فاهمة :
ـ أعرف أن هناك أحكاماً فقهية تعترف بشرعية الحاكم عندما يغتصب الحكم بقوة السلاح ..
وعلا صوته فى كلمات باترة :
ـ عودوا إلى الكتب ، واستنبطوا الأحكام الفقهية التى تناصرنا ..
رجع العلماء إلى المجلدات والمخطوطات وأحكام الدين ، وروايات التاريخ . طالت مراجعاتهم لأنفسهم ، ومناقشاتهم لبعضهم البعض ..
طالت المراجعات والمناقشات ، والأخذ والرد ، وتكومت مئات الفتاوى فى ديوان السلطان .
طالب السلطان موظفيه أن يطيلوا قراءة الآراء والاجتهادات ، ويختصروها فى كلمات محددة ..
وصل الموظفون الليل بالنهار فى تقليب ما بين أيديهم من فتاوى ..
فى يوم تاريخى ، حضره كل من دعوا فى البداية ، وحُشِدت جموع الناس ـ فى حراسة الشرطة ـ خارج القصر ، أعلن كبير الياوران أن خلاصة الاجتهادات تقول : " هذه إمامة المتغلب . الناس فيها راضون ، والسلطان وعد الناس بالعدل .. فلم لا نثق فى صدق وعده ؟ " .