*الحلم والأسوار*
.........................

*قلبي يتمزَّقُ شلواً شِلواً بينَ الصامتِ والهائجِ، والإخوانُ البررةُ صمتوا وابتعدوا (هلْ يدفعُني الدنسُ الصاعدُ منْ قذرِ الهذرِ السفليِّ إلى الخاتمةِ يُبعثرُ أشلائي ؟) والقمرُ أراهُ غريباً في داري، لمْ يتفوَّهْ بالكلماتِ الطيبةِ، ولمْ يضحكْ في حضرتِنا .. (هل يبتعدُ الفقراءُ عن الساحةِ ؟ لِمَ هذا الجمعُ الصاخبُ ؟) سردابُ النارِ يُؤجِّجُ فيَّ الغيرةَ، والأصواتُ الليليةُ تهتفُ في صوْتٍ مذبوحٍ، ذبحتْهُ الغيرةُ في لغْوِ الكلمِ الفجرِ (غابتْ عنا الشمسُ .. إلى أينَ تُسافرُ ؟ قل لي والأيامُ تمرُّ، وأنت بعيداً عني تمضغُ أشعاركَ، والنهرُ يُسافرُ ويغيبُ، أحاورُهُ: "هل ترجعُ ثانيةً بالخصبِ ؟"، أراكَ تُشيحُ بوجهِكَ عني، وزهورُ ربيعي تذبُلُ واحدةُ بعدَ الأخرى، والرأسُ اشتعلتْ شيْباً، وتظلُّ العينانِ معلقتيْنِ تجوبانِ الآفاقَ وترتقبانْ
*هأنذا أُشعلُ من زيتِ دمي مصباحاً (مزّقَ سيفُ الكافرِ أوردتي) أصنعُ فجراً، أبحثُ عنْ قمرٍ يُشرقُ في دنياكمْ، ويُعيدُ إليها بعضَ رُواءٍ، أبحثُ عنْ مصباحٍ يهديكمْ في طرقٍ الليلِ، دمائي قد سُفِكتْ قهْراً في طرقِ الفجرِ، وهذي خطواتِ القتلةِ تتعثَّرُ في الأبهاءِ، وتُفزعُني أقداحُ دماءٍ قدْ شربوها في ليْلٍ لمْ يعقُبْهُ صباحٌ) يا أحمدُ، يا قمرَ الليلِ .. أيا محبوبي! أنٌقذني منْ ظلماتٍ تتكاثفُ حولي، أشعلْ فيَّ الحبَّ، وخلِّصني منْ موتٍ يغتالُ حياتي قهراً، أشعلْ فيَّ الرغبةَ في الإنشادِ .. وفي تغييرِ العالمِ، هات القرآنَ لأتلوهُ الليلةَ ياقمرَ الصيْفِ الفتّانْ !
*لنْ نقضِيَ هذا العُمرَ بكاءً وعويلاً، قل لي إنَّ الشمسً قريباً ستعودُ إليْنا، تطرقُ أبوابي، تأسو جرحاً يمتدُّ بعمقِ الصدرِ، تُهدهِدُ فينا الحلمَ الأخضرَ، ترفضُ فينا اليأْسَ، وتُسقِطُ منْ ذاكرةِ اليأْسِ بقايا الأحزانْ.
*صوتٌ كان يُغني، والكافرُ يذبحُني، والعينانِ كقنديلٍ أطفأَهُ السهَرُ، ضحكْتُ ولمْ أسمعْ شيئاً، وامتلأتْ طرقاتُكِ يا بغدادُ ـ الليلةَ ـ بالأثوابِ اللامعةِ القزحيَّةِ، صرخوا، فزعوا، شربوا الكأْسَ، تمطّى في داخلِهمْ عقربُ بغْضٍ يزْأَرُ: نقتُلُهُ، والشمسُ تُسافرُ، أجلسُ قلقاً، أتمطّى فزِعاً، أتعرّى حرماناً، تأكلُ رأْسي أسرابُ البومِ، وأحلُمُ بصديقي "يوسفَ" يخرجُ يُنقِذُني منْ بقراتٍ سبْعٍ يجتزْنَ جبالَ الوهْمِ، ويأْكلْنَ سمانَ البَقراتِ .. فقلْ لي: هلْ ترجعُ ثانيةً ؟ عيناي تسمّرتا في الليلِ، تدورانِ وترتقبانِ الآتي، ما هذي الظلمةُ ؟ قل لي يا أحمدُ: هلْ يُشرقُ ثانيةً فينا النورُ ؟ وهلْ حقا ما أسمعُ ؟ صرخاتُ الصمتِ ترجُّ ضلوعَ القلبِ، أراهُ يرفرفُ مكسوراً وذبيحاً (كمْ ظلَّ يُعاني تحتَ القضبانْ ؟).
*يا قمرَ الليلِ أيا محبوبي، أطلقْ فرسَ النشوةِ في دربي، حطِّمْ شبحَ الموتِ وأطلقْني منْ خندقِكَ، وأنقذني منْ جبلِ الحقدِ المُتربِّصِ في أعينِهمْ، إني في نهرِكَ أغتسلُ الليلةَ، أُلقي بالجهِ الحالمِ في نهر النشوةِ، أقرأُ "آياتِ التوبةِ"، والصوتُ الفاسقُ يُخرجُني منْ حضرتِكِ ويذبحُني قهراً، يُفزِعُني، منْ أخفى عنا القمرَ، وقَتَلَ الشمسَ، وسَكَبَ دموعَ اللوعةِ والأحزانْ ؟!
*تلكَ عمائمُ أشياخَ المنشقِّينَ أراها تتربَّعُ في خُيَلاءٍ فوقَ رؤوسٍ حُشِيَتْ بالقشِّ وبالأفكارِ السوداءِ، وبالرّغباتِ السريَّةِ، والقمرُ الليليُّ أراهُ يُحدِّثُني عمَّنْ وَضَعَ القيدَ بأيديهمْ، كبَّلَهمْ ذاتَ مساءٍ، والقمرُ يُسافِرُ، يُبعِدُني .. والليلُ يُطوِّقُ عنُقي، وخيولُ "أبي جهلٍ" تقتحمُ حصوني، وتُهاجِمُ، وتُكِرُّ .. فتُرديني تحتَ النقْعِ، فأبحثُ عنْ وجهي الضائعِ تحتَ سنابكِ خيْلِ الليلِ، يقولُ الصحبُ: غفلنا، لمْ نتأَمَّلْ، ماتتْ رغبتُنا في النُّورِ .. فعاثَ الشيطانْ !

ديرب نجم 9/5/1976