بتنا بين طرفي النقيض ؛ إما خاضعون لسيطرة الأباء الأولين أو خانعون لمفهوم حداثة غير خالص . متذبذبون بين الأمس الوردي وبين صورة منقولة من فضاءات آخرى . إقتلوا الأباء السرمديين في قشركم المخية وطهروا الحداثة التي تومض بأعينكم . حجارة الدومينو التي ليس لها قيمة من دون الأياد التي تحركها .. لقد صرنا أسوء من حجارة الدومينو هاته ، مجرد دمى مربوطة بخيوط كثيرة ، في أحسن الأحوال نربط أنفسنا بكل طواعية بخيوط محددة ونحاول التخلص من الباقي الذي لا يريد التخلص منا .
عاجزون أكثر من عجز الأجنة في البطون والأرحام ومن غزال محاصر بألف من الأسود .
سأسأل إبن تيمية عن جواز القبلة وجواز الصلاة من غير طهارة البدن وجواز قراءة قصيدة كتبها أحد المقيمين بديار الكفر الكثيرة … ما أروعك أيتها الأسئلة . لن أسأل إبن تيمية عن تقديم العقل أمام النقل أو مجاورتهما لبعض وعن إسقاط الحدود والأحكام وعن تأويل آيات القرآن الكريم وعن الشك المعرفي في بعض الصحابة … لن أسأل لأن قشرتي المخية تتشقق بسرعة فائقة كلما فكرت بشكل سوي أو وضعت عقلي في المكان الذي خلقه الله له . سأنتظر الليل البهيم كي أمارس إنفصامي النفسي المرضي وأطأ جثة إبن تيمية والغزالي والأئمة الأربعة وفقهاء الرسوم وماجاورهما ، وأبدأ هوايتي في الكشف عن حقيقة نواياي التي يخبئها ضوء النهار .. هكذا لن أعاني لعنة الأباء الذين أحترمهم مداراة وأحقد عليهم سرا .
إذا فشلت أو أصابتني مصيبة إرتكنت .. وبحثت عن حضن الأباء ؛ لقد كان .. زاهدا يأكل ثمرة ويرمي ملذات العيش في المزبلة ويقول أمام هدير البحر كلمة لا ويثور أمام غصن شجرة … إذا إنفضت الغمة وزالت المصيبة وترتق الفشل ، وكي لا أكون متناقضا مع نفسي أرتكن من جديد وأبحث في حضن الأباء ؛ لقد كان مقبلا على الحياة يملك ألف ناقة وألف محضية يأكل من الكتف خير موقعها ويأتي النساء في خير ملذاتها … ما فكرت أن الوجوه تسقطها الأقنعة ، وأن الأباء كانوا لزمن كان لهم ، فعلوا ما فعلوا فيه لأنه إختيارهم ..ماذا إخترت أنت ؟؟؟.. أن تتقلب في أقمطة الأمس، كلما أحسست بدفء إستكنت إليه .
إقتلوا الأباء لأنكم أرهقتم أجسادهم وعظامهم الرميم . لقد زرعتم بذرة نخيل وأردتم أن تنمو شجرة التفاح ، لقد جئتم بسمك التونة ليتعايش مع الناقة .لا تسألوا الأباء عن فتوى شرب الكوكا كولا ، فهم لا يعرفون من تكون هذه السيدة . لا تطرحوا عليهم فلما يحفل بالعلاقات الجنسية ، لأنهم لن يفتوكم فيه بل سيندهشون لهذه العلبة التي تقع فيها كل هذه الأعمال المشينة . لا تدخلوا أبا كان يمنع تعليم بناته القراءة كي لا يكتبن الرسائل إلى البرلمان ، لأنه سيعتقده دار الخنا إجتمع فيها رجال كثر ونساء أقل .
إذا إحتلمت ليلا ، فإنتظر شيوخ قنوات التسطيح الديني ليقولوا لك ما قاله شيوخهم حول طهارة الجنابة .. لا بأس أن تنتظر وتنتظر ؛ فالماء والنية لا وجود لهما دون ما سيقوله الشيخ عن شيخه . إسأل الأئمة الأربعة هل تقطع اليد في دولار ، ثم أياك أن تسألهم عن عام الرمادة وميزة الكرم وتحكيم المصحف … فهم ليسوا أباء يعتد بهم في هذه الأواخر .
إقتني أباءك من التاريخ كي يذودوا عنك ساعة مأزق ؛ إذا ضربت زوجك الناشز فلأن الأب الفلاني فعل ، إذا قبلت قدم زوجك الناشز فلأن الأب الفلاني فعل ، إذا أجزت شرب الخمر وأنت الورع التقي فلأن الأب أجاز خمر الشعير وكان سيسمح بهذه الخمور التي تتناولها لو عرفها ، إذا تزوجت ذات التسع لأن لا خير فيما فوق ذات التسع ثم لأن فلانا أجاز … إختبئ أكثر وراء جلابيب الأباء وقلنسوات الأباء وبرانس الأباء وحتى وراء لباس آدم الذي يرتديه الأباء . إذا إختبأت جيدا ستقنع نفسك بأن نفسك طاهرة .
إقتلوا الأباء كي تريحوهم من تفاهاتكم . لم ينشغلوا مثلكم بالمضمضة والطمث وزواج المتعة والمسيار والرضاع وفراندي وذات التسع ، لم يبدأوا كتابا عن بيان الجائز من الشعر والحرام ولم يهتموا بشاعر يفوقونه شعرا ، لم يتأخروا عن جدال صفات الله كما تأخرتم وحرمتم وكفرتم … كانوا يجادلون مثلما أنتم تجادلون ، لكن ما أعمق الهوة بين من يجادل لأنه إختار وبين من يجادل لأن أبا أسطوريا فوق رأسه . إقتلوا الأباء .
خذوا كل أسلحة الفتك والقتل المعرفي وإشرعوا في قتل الأب تلو الأب في أمخاخكم الضيقة . ستكون نهاية المجزرة الكثير من الوضوح وسيظهر الأباء أصفى من عيني مراهقة بريئة ، سيكونون في حلة جديدة يرتدون السموكينغ والدانتيلا ويضعون نظارات شمسية ويعتمرون قبعات ثورية وتفوح منهم رائحة عطر باريسي ، سيشذبهم فعل القتل وسيذيب كل الجراثيم المعرفية في منظوماتهم ، ستضعونهم في الأصيد النقدي كي يتبخر ما وافق عصرهم ولم يوافق عصرنا … لقد كانوا بارعين زمنهم ، بل هم بارعون أكثر من مريديهم الجدد الذين لا يغادرون مسافة لحيهم المصطنعة . إقتلوا الأباء كي لا يخرجوا من القبور ويرغمونكم على دخولها بدلهم ، فأنتم عجزتم عن كتابة عصركم دون الإستعانة بكتاباتهم ؛ كأنكم تراسلون سيدة تقطن جنب النيل بكتابة هيروغليفية .
بعد هذا إسألوا الأباء هل يجوز قتل فكرة كانت في البدء صالحة صادقة ثم حولتها تغيرات الزمن إلى مومس يريق جمالها الرضاب ثم إنتهت إلى قنبلة موقوتة بيد أناس موقوتين يحاولون إرغام الزمن على الرجوع إلى عصر فتنتها . إسألوهم .. ولتعلموا أنهم سينفذون أنفسهم القتل والتنكيل بها ، لكنكم لن تسمعوا ، فأنتم تعالجون الحمى بتعريض الرأس لحرارة الشمس .