الكلام خاصية الإنسان روني ديكارت
الأطروحة التي يدافع عنها ديكارت:
أن الإنسان يختص بالكلام لأنه كائن عاقل.
الأطروحة التي يستبعدها ديكارت:
الإعتقاد السائد لدى القدماء و الذي مضمونه أن الحيوانات تتكلم مثلنا و تتفاهم مع بعضها إلا أننا لانفهم لغتها.
الإشكالية التي يعالجها النص:
- ما اللغة؟
- هل اللغة خاصية إنسانية أم يشترك فيها الإنسان مع الحيوان؟
- هل يمكن الحديث عن لغة لدى الحيوان أم باعتبار أن اللغة تتأسس على ملكة العقل فهي خاصة بالإنسان؟
البنية المنطقية للنص:
1- تأكيد ديكارت على أن وجود العقل أو عدمه هو الذي يبرر حضور الكلام أو غيابه.
– اعتماده للحجج التي تثبت قدرة الإنسان على الكلام.
- اعتماده للحجج التي تثبت عجز الحيوان على الكلام.
تحديده سبب عجز الحيوان عن الكلام:
بالإستبعاد: لا ينشأ عن نقص في الأعضاء الصويتية( سبب فيزيولوجي).المثال: العقعق و الببغاء تستطيع تقليد صوت الإنسان.
بالإثبات: إن عجز الحيوان عن الكلام راجع إلى غياب العقل، فهي لا تعي ما تقول.
تحديد سبب قدرة الإنسان على الكلام:
بالإستبعاد: لا تعتمد اللغة الإنسانية كليا على المؤهلات الفيزيولوجية(جهاز التصويت). المثال: بإمكان من حرموا الأعضاء الصوتية(الصم والبكم) أن يعبروا عن أفكارهم بابتكار إشارات وحركات.
بالإثبات: حضور قدر قليل من العقل يؤهل الإنسان للكلام (مثال البلداء و الأغبياء، طفل ذا مخ مضطرب).
ما ينبغي تجنبه:
- يجب عدم الخلط بين الكلام و الحركات الطبيعية الإنفعالية بما فيها الأصوات.
- يجب تجنب التصور الشائع/ القدماء الذي يدعي أن الحيوانات تتكلم مع بعضها لكننا لا نفه لغتها.
تحليل:
• يذهب ديكارت إلى أن الإنسان يستطيع ترتيب الألفاظ و تأليف الكلام لكي يعبر عن أفكاره، بمعنى أنه يستخدم بنية لسانية موجودة بصفة موضوعية لأجل التعبير عن أفكاره.
• لكن تأكيد ديكارت بأن الكلام هو ما يميز الإنسان عن الحيوان لا ينبغي أن يقودنا إلى اعتبار الصم والبكم حيوانات، فهم حتى وإن كانوا عاجزين فيزيولوجيا عن التعبير عن أفكارهم فهم يستطيعون استنباط حركات وإشارات يتفاهمون بها و يعبرون بها عن أفكارهم.
ينتج عن ما سبق ذكره أن مفهوم الكلام عند ديكارت لا يعني القدرة على إنشاء الأصوات و نطقها و إنما بالأساس التعبير عن الأفكار.
• يؤكد هذا الإستنتاج اعتماد ديكارت أمثلة العقعق والببغاء اللذان يستطيعات تقليد و ترديد بعض الألفاظ مثلنا ولكنهما غير قادران على الكلام مثلنا كلام يشهد أنهما يعيان ما يقولانه.
فعجز الحيوان عن الكلام ليس ماديا وجسديا بل هو عجز فكري(الغياب المطلق للعقل لدى الحيوان)، ولهذا فما يصدر عن الحيوان من حركات وسلوكات انفعالية غريزية لا يمكن اعتبارها لغة.
إذن فالكلام ليس فعلا جسديا آليا و عضويا بل هو تعبير عن حضور الفكر والوعي. فالذي يتكلم فعلا هو الإنسان لأنه كائن عاقل.
خصوصية التصور الديكارتي للغة:
يتبين من ما سبق أن حقيقة اللغة لا تقتصر في تحقيق التواصل، فالحيوانات تتواصل فيما بينها و الآلات تحقق التواصل ورغما عن ذلك لا يمكن القول أنها تمتلك لغة، وهو ما يعني أن كل لغة تواصل و ليس كل تواصل لغة. إن للغة حسب ديكارت مهمة وظيفية/أداتية تكمن في التعبير عن الأفكار و ليس التعبير عن الإنفعالات الطبيعية.
علاقة اللغة بالفكر عند ديكارت:
إذا كان ديكارت يعتبر أن الفكر هو شرط وجود اللغة الإنسانية، فهذا يعني أن هناك أسبقية لفعل التفكير على فعل الكلام، بمعنى أننا نفكر أولا ثم نعتمد الكلام كوسيلة للتعبير، وهو ما يجعل اللغة مجرد أداة لا غير، أي نكون مع ديكارت أمام تصور أداتي. لقد فصل ديكارت بين فعل التفكير و فعل الكلام و هو ما يجعله ضمن الأطروحة الإنفصالية والتي تجد سندها في الأدلة التالية:
- أن وضوح فكرة يؤدي إلى وضوح في التعبير، وعلى العكس من ذلك إذا كانت الفكرة غامضة فإن التعبير عنها يكون غامضا و ملتبسا كذلك.
إن التأكيد على انفصال الفكر عن اللغة ينتج عن اعتقاده بأن العقل الإنساني واحد " العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس" لكن اللغات الإنسانية التي يعتمدها الإنسان في التعبير عن فكره(نفس الأفكار وأشياء العالم) يطبعها التعدد و الإختلاف و التنوع. هذه القناعة هي التي دفعت ديكارت إلى الكتابة بالفرنسية اللغة الدارجة آنذاك عوضا عن تقاليد الكتابة باللغة اللاتينية، لأن اختيار اللغة لا يؤثر في الفكر .
- كما ينتج عن هذا التصور الذي يفصل بين فعل التفكير وفعل الكلام أنه في حالة الصمت يكمن فعل التفكير بدون توسل بالكلام.
لقد أثارت هذه النتائج انتقادا من طرف علماء اللسانيات والفلاسفة المعاصرين الذين أكدوا أن ترجمة الأفكار من لغة إلى أخرى يؤثر على حمولتها المعرفية ومضامينها ودلالاتها بل هناك من اعتبرها خيانة للنص الأصلي، كما أكدوا على أنه لاوجود لفكر من دون لغة وأن العلاقة بينهما علاقة اتصال وأن " الصمت - كما يقول ميرلوبونتي- ضجيج من الكلمات". أو أن اللغة لها مظهرين مظهر مادي هو الكلام و مظهر نفسي هو التفاعل بين الصورة السمعية و التصور كما أكد ذلك عالم اللسانيات دوسوسير.
يتبين أن تصور ديكارت للغة سمح ببلورة عدة مواقف تتأسس على مجموعة من المقدمات تمس تصوراتنا لفعل الكلام، وعلاقته بالتفكير، ووظائفه التواصلية. وانه مكن مجموعة من الباحثين من فحص منطلقاته الفلسفية من منطلقات البحث العلمي اللساني، نتجت عنها مجموعة من التصحيحات و الانتقادات مكنت من بلورة تصورات واضحة للمشكلات التي تحملها اللغة باعتبارها فاعلية إنسانية يحمل عبرها الإنسان تصوراته حول ذاته و حول العالم المحيط به.