أستاذنا الدكتور عصام قصبجي .. ليهنأ تراب حلب
حلب
ثقافة جريدة الجماهير السورية
الثلاثاء9-3-2010
بيانكا ماضيّة
هناك أناس إن جمعتك المصادفة معهم فوجدتهم أناساً طيبين ، يبقى عطرهم في ذاكرتك خالداً ، فتذكرهم دائماً وفوح المحبة ينثر آريجه منك تجاههم، فما بالك إذا كان أحد هؤلاء قد عاشرته وجلست إليه لابل تلقيت منه دروساً ومحاضرات فرأيت في عينيه برق الوجدان، وتسللت إليك محاسن شخصيته ومناقبها، تلمست منه فيض الخاطر وروح الأدب ، وأبحرت معه في فلسفة هذه الحياة لتتلقى منه عبارات وحكماً قلما تصل إليها وحدك، إذ لابد من يد تأخذك برفق إليها لتجد الطريق سلسة معبدة بالقيم . تأسرك عباراته الجزلى، ورؤاه الجميلة، وطلاقة لسانه ومحبته التي يسبغها على كل من يجالسه .. تلمح في وجهه نور العلم والأدب، وفي ضحكته فيض السعادة، تلك السعادة التي لطالما أعطى فيها محاضرات ودروساً، حتى ليبلغك أن السعادة هي أنت، هي ما في داخلك، هي هذا العطاء الذي تبذله، لا في سبيل نفسك وحدك، وإنما في سبيل الآخرين أيضاً. ذلك غيض من فيض شخصية الدكتور عصام قصبجي الذي رحل عنا فخسرناه وخسرته كلية الآداب، أساتذة وطلاباً، أصدقاء ومحبين . كنت كلما قرأت شيئاً في علم الجمال، خطرت ببالي تلك الجلسات التي لايمكن أن ينساها الطالب الذي يتتلمذ على يديه، فكم سرحنا معه في تلك الفلسفات التي كانت تبهجنا، حتى أنك في برهة يخيل إليك أن تلك الأفكار الفلسفية هي أفكاره، مؤمن بها حد اليقين، لكنك تفاجأ قبل نهاية الجلسة بما هو مخالف لها، يقنعك بالنقيض حتى اليقين أيضاً، فاسلك أنت الطريق التي تشاء . أذكر - فيما أذكر - أن له موقفاً عبثياً من الأشياء، موقفاً يجعلك تفاجأ بما لدى هذا الإنسان القدير الممتلئ حكمة وشاعرية، موقفاً يجعلك تلح على أن ما لديه من فكر وعلم وثقافة خسارة لنا ولمن بعدنا ألا يدوّن، ألا يأخذ نصيبه من الورق الأبيض، ولكنه ربما كان يعلم أو يدرك بإحساسه المرهف أن ما يقوله لن ينساه سامعه، فقد رسخه في ذاكرته إلى الأبد، هذا الرسوخ مبعثه الطريقة الفنية في الإلقاء، وفي الإعطاء، وفي تقديم ما في الفكر من أشياء ستأخذ قيمتها العظمى في النفس. كان رهيفاً جداً لدرجة تجعلك مسلوب اللب والقلب، يأسرك بالحنان المتدفق من داخله، فتخاله أباً لك يدلك على الطريق التي تصلح لك. يعطيك من وقته الكثير ،لايمنع عنك أية شاردة أو واردة تخطر بباله. خسرناك يادكتور عصام، فقد كنت حقيقة نعم المعلم والأستاذ، ونعم الأب، ونعم الصديق، وليحزن الكثيرون أنهم الآن لم يعودوا يسمعون منك كلمة في أدب الخلق والمكارم، ولتهنأ روحك وتقر عينك أننا لن ننساك أبداً، فأنت باق في أفئدتنا وعقولنا ما حيينا، كلماتك ستبقى محفورة في ذاكرتنا، ورؤاك لاتزال ترفرف في سماء أخيلتنا، وليهنأ تراب حلب أنه يضمك الآن بين ذراته.