ولد الهدى فالكائنات ضياء
أشرق الصحراء نورها , واهتزت حبات رمالها ، وتفجّرت الينابيع من جوفها حين انبثق فجر النبيّ الأميّ الفاضل الزكيّ نبينا ..
أضاء الكون بمنهج دعوته ، ورحمة إنسانيته ، وخلق حسنه , وصفاء هديه ، وسماحة رسالته , وذكاء قريحته ، ووفور عقله ، وأمانة معاملته ، وعبقرية جلال عظمته .
سراجاً وهّاجاً أزاح عن الكون بمولد رسالته حلكة الظلام البهيم , واستنهض بنور الإيمان فجر الأمم, وأضاء سبل الرشاد بهدي سماحة الإسلام ، وتوّج الزمان بحراسة المبادئ والقيم، وحرر الإنسانية من أسر الأوهام وطغيان الحكام ، وأزاح عن العالم الغشاوات والخرافات والأوهام ، ونال العظماء والزعماء والأدباء والحكماء من أمته غزير مناهل علومهم وآدابهم وفخرهم بهذا الدين الذي الله به أكرمهم وعلى العالمين فضلهّم فكانوا :
{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ..}آل عمران110
لم يكن الحبيب النبي الأميّ الذي أرسله الله رسولا لقبيلة , ولا لأمة العرب والعجم , بل كانت رسالته رحمةً للعالمين :
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )
(158) الأعراف
لم يترّفع عن الفقراء والضعفاء، والمساكين والخدم , بل كان مثلا ً وأسوة وقدوةً لهم :
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا
(110) الكهف
لم ينقض عهداً, ولم يمثّل بعدو , ولم يقتل ضعيفاً , وحربه مع الظلم والشرك والكفر والطغيان كانت حرباً عادلة تحترم حياة وأملاك الأبرياء ، وتستهدف السلم لا العدوان , وتوطيد أركان الأمن والسلام ..
فادى أغنياء الأسرى يوم بدر بالمال , وأطلق سراح الفقراء , وكلّف المتعلمين منهم بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة , ثم أطلق سراحهم بعد إنهاء مهمة التعليم , وأوصى صحابته فقال لهم :
قالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نُبِيّهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ . أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ:
( اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا)
وصلت الإنسانية إلى أٍسمى درجات العز والرفعة والرحمة وهو ينادي أصحابه إذا خرجوا للغزو في سبيل الله فيقول لهم :
(اخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوالدين ولا أصحاب الصوامع)
رواه ابن ابي شيبة والامام وأبو يعلى
أهل الكفر والشرك في مكة- أم القرى - ارتكبت أبشع أنواع الظلم والعدوان والتنكيل بالحبيب وصحبه, فتركوا الديار وهاجروا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ..
ومع ذلك فقد قال لهم نبي الرحمة والإنسانية حين فتح مكة- التي أخرجته من ديارها ظلما وعدوانا - :
(ما ترون أني صانع بكم)قالوا :
خيرا أخ كريم وابن أخ كريم
قال:
( اذهبوا فأنتم الطلقاء)
لنسأل أنفسنا :
أي القوانين البشرية , ومنظمات حقوق الإنسان , وهيئة الأمم المتحدة تساوي هذه الحقوق التي جاء بها نبينا الأمي !!؟؟..
هل للغرب عقيدة لهم سوى أهواء الجاهلية , وعصبية الجنس والعرق , وحب الفخر والتفاخر!!؟؟ ..
هل للغرب عقيدة سوى استعباد الفقراء ، واحتكار الأموال , ونهب الثروات , واستعمار البلاد !!!؟؟؟
هل هي الحرية التي أباحت لأمريكا – صاحبة الحرية والديمقراطية المزيّفة - إفناء الهنود الحمر إفناءً كاملا تحت مرأى ومسامع العالم ، وأباحت لحكومات روسيا والصين , والهند والحبشة ويوغسلافيا , وغيرها إفناء المسلمين بالجملة!!؟؟؟ ...
هل هي الحرية التي تهتك الحرمات , وتعتدي على الأعراض , وتنهب الثروات ،وتقتل الأبرياء بحجّة محاربة الإرهاب !!؟؟؟...
رسالة نبينا لم تأت إلا بهدف إسعاد البشرية ، ونقلها من عالم الظلمات والجهل إلى عالم الهدي والإيمان, فلا فضل عربي على أعجمي إلا ّبالتقوى....
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
الحجرات
مدرسة نبينا كانت مثلاً أعلى في الصلاح ونظافة الروح ،حررّت الضمائر من الاعتبارات الزائفة والأكاذيب الباطلة ، وأخرجت لنا من بطونها أصحاب النفوس العالية , وأساتذة النوابغ والعلماء , ومصابيح الفاتحين لتنير مشارق الدنيا ومغاربها برسالة نبيّ الإنسانية والسلام...
مدرسة سيد البشرية ما دخلها طالب إلا نال منها الحكمة والخير ، وهذّبت روحه وصقلت فكره , وأنشأت منه قلبا ينبض بالخير والمحبة , والوجدانية للإنسانية جمعاء , لأنها جاءت قبرًا للباطل العتيد , ونصرًا للحقّ المبين ...
وبفضل مدرسة الحبيب فتحت لنا مشارق الأرض ومغاربها , وشيّد المسلمون حضارتهم لتبقى شاخصة بالمدنية والإنسانية , ويتعلم منها البشر مبادئ وأسس الحرية ..
رسالة نبينا ازدانت بالحنو والعطف على اليتيم والفقير , والأرامل والبائس والضعيف , وبلغت معاملته للأرقاء والعبيد ووصاياه فيهم لم تبلغها الإنسانية من قبل, بل جعلت من العبيد أسياداً ورجال الأمم , فلا تفاضل فيها ولا صلاح , ولا فخر ولا عزّة إلا بالتقوى..
وهاهو خادم النبي الأمي صلى الله عليه وسلم – أنس بن مالك – رضي الله عنه يقول :
(خدمت النبي عشر سنين فما قال لي أف قط , ولا قال لشيء صنعته :
لمَ صنعته؟
ولا لشيء تركته :
لمَ تركته ؟
وكان لا يظلم أحدا أجره )
رواه البخاري
إنه الحبيب المربي الذي علّمنا في رسالته مبادئ الإصلاح , والحرية ، ومبادئ الإنسانية لتسعد بها البشرية على مر العصور والأزمان ...
أحدهم سأل الحبيب صلى الله عليه وسلم :
أيّ الإسلام خير ؟
فقال :
( تطعم الطعام , وتقرأ السلام على من عرفت , ومن لم تعرف )
رواه البخاري
تلك هي مبادئ الحرية التي جاءت بها رسالة نبينا الأمي فكانت دستورا شاملا لتكريم البشرية ..
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)
الإسراء
أي تربية إنسانية أظهرها الله في حكمته , وتهذيبه , ورجولته !!؟؟..
أي تاريخ استطاع أن ينسق سيرته العظيمة و يفكّ رموزها وأسرارها ، و يجمع بين طيات صفحاته صفات النبي الأمي, وشيم أخلاقه ، وفضائل إنسانيته , وقدر علوه , ونور إيمانه ، وشمائل بديع سيرته , وضوابط إنسانيته !!؟؟...
فما أجدر بالأمة أن تعود إلى منهجك الفريد , وتنضوي تحت لواء رسالتك ، وتستقي منهج دعوتك , وتخشع إجلالاً وإكباراً لعظمة رسالتك لتنهل منها مبادئ السلام والمحبة والإخاء والوئام وتعلم يقيناً أن لا عزةً لها ولا كرامة إلا بالرجوع إلى منهج الله وسنة حبيبه خير الرسل والأنام ...
بقلم : أمينة أحمد خشفة
بنت الشهباء