تناولت بذلتي الجديدة التي اشتريتها منذ مدة وجيزة استعدادا للمسابقة التي أُعلن عنها منذ مدة, كانت بذلة رمادية مع قميص أزرق مقلم بالأبيض جمعت نصف ثمنها على مدة ستة شهور, أما النصف الأخر فقد استدنته من بقال الضيعة على أن أعيده من أول راتب أتلقاه من وظيفتي الجديدة , وضعتها في الحقيبة خوفا عليها من التجعد أو التلوث من الغبار المتراكم منذ مدة طويلة , وكأنه استحسن الإقامة في هذا الجزء من بلادنا, , خرجت إلى الطريق العام أنتظر الحافلة التي كان صوت أبواقها يملأ الأفق وهي قادمة من الضيعة الأخرى , أخذت الأحلام الجميلة تداعب مخيلتي: ((غدا عندما أتوظف في هذه الوظيفة المهمة سأوفي الديون التي أثقلت كاهل أهلي, وسأشتري بيتا في المدينة , ابنة المختار التي رفضتني سابقا ستقبل بي لأنني سأصبح موظفا مهما , وسأشتري سيارة تغنيني عن انتظار الحافلة التي لا أجد فيها مقعدا للجلوس معظم الأحيان فأضطر للوقوف في الممر كلّ هذه المسافة التي تفصلنا عن المدينة )).
بوق الحافلة أيقظني من أحلامي فجعلني أقفز من مكاني بلا وعي , ركبت الحافلة وحييت الركاب, وكالعادة لم أحظَ بمقعد, وقفت بجانب أحد المقاعد أنظر إلى الأفق البعيد حيث بدأت أشعة الشمس تغطيه بألوان الصباح الذهبية , كانت المزارع تبدو من بعيد خضراء وأشجارها تتمايل مع الرياح , تساءلت في نفسي:
(( متى تصل مياه الري إلى قرانا فتنعم بهذه الخضرة وتطرد الجفاف الذي خيم عليها وجعل أهلها في حالة من البؤس والفقر مما أضطر معظم سكانها للهجرة , فأصبحت قراهم موطنا للبوم وللغربان الجائعة ؟.)).
أصوات الركاب الصاخبة المختلطة مع صوت المذياع مع صوت المحرك , والروائح الكريهة التي تملأ المكان جعلتني أُصاب بالصداع والدوار , تمنيت لو أني أكمل المسافة سيرا على قدميّ , ولكن لم يبق إلا القليل , توقفت الحافلة ترجل منها الركاب , وتوجه كلٌّ إلى مقصده , وتوجهت بدوري إلى بيت عمتي القريب من محطة الحافلة لتبديل ملابسي وارتداء البذلة الجديدة , رحبت بي عمتي وأحضرت طعام الإفطار, تناولته على عجل , ثم ارتديت البذلة وتوجهت إلى مكان المسابقة والأحلام الجميلة تداعب مخيلتي, وعندما وصلت لاحظت إعلاناً ملصقاً على الباب الخارجي, اقتربت منهُ وقرأت :
عذراً.....! لقد انتهت المسابقة .!
أيوب الحمد
الرقة - سوريا