الآثار: مساعي التسجيل العالمي.. ومعاول «الطمس» خوفًا و«درءًا»
نايف كريري - جدة / سهل حمزة - الرياض/ عبدالله القنبر - الأحساء
تمثل الآثار أحد أهم الشواهد الدالة على تاريخ الأمم وحضارتها، لذلك وجدت الآثار عناية كبيرة من قبل الشعوب ماضيًا وحاضرًا، خاصة في ظل اتخاذها وسيلة إثبات على «الوجود» كما هو الحال مع العدو الصهيوني الذي ما فتئ ينقب بحثًا عن شواهد لوجوده في فلسطين.. ولم تكن المملكة بمنأى عن هذا الاهتمام بالآثار ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والآثار التي عملت على المحافظة على هذه الشواهد، وأبلغ دليل على ذلك تسجيل مدائن صالح ضمن منظومة الآثار العالمية الموجبة للمحافظة والاهتمام.. غير أن بعض الآثار الإسلامية تحديدًا طالتها يد الإخفاء والطمس «درءًا» لبعض السلوكيات الخاطئة التي يمارسها قلة من زائريها بغرض «التبرك»، غير أن هذا التوجه وجد معارضة كبيرة، طالب أصحابها بالتنوير والتوعية وليس بالطمس، كونها علامات وشواهد مهمة لتواصل الأجيال.. كل هذه الآراء في سياق هذا التحقيق:
طمس الآثار!
استهلالاً يقول الدكتور عبدالله بن أحمد الفَيفي «عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود»: لا أعجب من مسلمٍ أو فقيه يشكِّك في أهمية الآثار وتتبّعها، بل يتوجَّس منها خيفة على سلامة المعتقد، وهو يقرأ قول الله تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ؟ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً، وَأَثَارُوا الأَرْضَ، وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا، وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ، فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [الروم: 9]؛ (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ، فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ؟ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ، وَأَشَدَّ قُوَّةً، وَآثَارا فِي الأَرْضِ، فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [غافر: 82]؛ (وَعَادًا وَثَمُودَ، وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [العنكبوت: 38]. إلى غير هذه من الآيات الحاثَّة على تدبُّر آثار الأمم، والنظر فيها، واكتساب الدروس والعبر من التاريخ. وأين مساكن عاد وثمود اليوم التي يمكن أن يتبيَّن منها المسلم ما حلَّ بهم؟ وكم منَّا -نحن لا من الأجانب أو المستشرقين- زار مدائن صالح، على سبيل المثال؟ إنها دعوة إسلاميَّة لاستقراء الآثار، والتعلُّم منها، والاعتبار بها، بوصفها شواهد تذكير، واتعاظ، وإيمان، وليس العكس. ولكن هذه المعاني قُلبت قلبًا في مفاهيم بعضٍ، تحت شعار الخوف من الشِّرك، وما أدراك ما الشِّرك؟! والخوف من الشِّركيَّات أمر يُحمد لأهله، وهو غيرة على العقل قبل الدين.
ويختم الفيفي حديثه بقوله: إن تنقية العقول والقلوب من الشِّرك لا تتأتى بطمس الآثار، أو تدميرها، أو الحيلولة دونها، أو الزهد والتزهيد في العناية بها، ولكن ببثِّ الوعي وتغيير الأفكار، لا تغيير الآثار.
نحن وإسرائيل
ويتفق الدكتور زيد بن علي الفضيل مع الفيفي على ضرورة الحفاظ على الآثار الإسلامية وليس طمسها، ويتجلى ذلك في قوله: إن حفاظنا على مواقع آثارنا الإسلامية أمر واجب ليس على الصعيد الديني وحسب؛ بل وعلى الصعيد الحضاري، ذلك أن صراعنا كمسلمين مع مختلف القوى المعادية؛ وعلى رأسها الكيان الصهيوني هو صراع وجود وحياة، قبل أن يكون صراع مصالح اقتصادية وحقوق سياسية كما يظن البعض، فدولة إسرائيل تعمل جاهدة منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية على تكثيف تنقيباتها الأثرية لإيجاد دليل مادي واحد ظاهر للعيان يثبت ما يتم تداوله من أساطير تاريخية حول وجودهم التاريخي في المنطقة، في الوقت الذي نعمل نحن بجهل وعدم إدراك على تحويل تاريخنا المجيد الثابت بالكثير من القرائن التاريخية والشواهد الأثرية إلى أسطورة ليس لها برهان، بهدمنا وإزالتنا لكثير من تلك الآثار الإسلامية التي كانت شاخصة على مر السنين والأزمان، بحجج مختلفة لا ترقى إلى درجة اليقين أو الثبات بشكل أو بآخر؛ ولذلك فإن الحفاظ على مواقع الآثار بوجه عام لأي أمة من الأمم الحضارية ليعد أمرًا مهمًّا ليس على الإطار البحثي وحسب؛ بل والقومي، ذلك أن آثار كل بلد من البلدان بمثابة بطاقة الهوية التي من خلالها يمكننا التعرف على مختلف أحوال المجتمعات السالفة، وسبر أغوار كثير من أعمالهم، وتوثيقها توثيقا معرفيا صحيحا، وفوق ذلك، التأكيد على وجود الأقدمين الحضاري والتاريخي في مواقع الحدث، إذ لا يمكننا ربط ما نملك من تدوين كتابي أو رواية شفاهية إذا كانت مفرغة من أي شاهد أثري يوثق للمرحلة.
ويتابع الفضيل مضيفًا: وفيما يتعلق بمواقع آثارنا الإسلامية في أرض الحرمين الشريفين فالأمر يصبح ألزم، لارتباطها بأحداث دينية تشكل جزءًا من وتيرة شعائرنا العبادية، ويأتي على رأس تلك الشعائر الربانية منسكا الحج والعمرة مثلا، اللذين ترتكز صحة أدائهما من خلال الوقوف في مواقع مكانية محددة، لم نكن لنعرفها حقيقة إلا من واقع محافظة أسلافنا على آثار حدودها عبر مختلف الحقب، كالتنعيم والجعرانة للعمرة مثلا، ومنى وعرفة ومزدلفة وما يتعلق بها خلال فريضة الحج. عوضا عن التوثيق الحضاري لحقبة النبي عليه الصلاة والسلام وآل بيته وصحابته رضوان الله عليهم الذين عاشوا ودفنوا على ثرى هذه المنطقة بشكل خاص.
ويخلص الفضيل القول بأن: التهاون في الحفاظ على تلك الشواهد سيؤدي مع مرور الزمن إلى طمس تاريخ مهم في حياتنا، وشتات كثير من أبنائنا مستقبلا، لطبيعة ما سيعيشونه من حالة انقطاع معرفي في وقته، مما يسهِّل التغرير بهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن للآثار اليوم مردودا اقتصاديا كبيرا على أي مجتمع، ونحن بمحافظتنا على مواقع آثار النبوة لا نكون فقط قد حافظنا على تراثنا وحسب، وإنما قد ساهمنا في تحقيق مدلول الآية الكريمة التي دعا بها سيدنا إبراهيم حين قال في محكم كتابه (وارزق أهله من الثمرات).
عناية المسلمين بالآثار
ولا يشذُّ الدكتور عدنان الحارثي «عميد شؤون المكتبات في جامعة أم القرى» عن سابقيه في بيان أهمية الآثار وخاصة الإسلامية مبتدرًا ذلك بقوله: إن المسلمين من حيث المبدأ لم يكونوا عبر التاريخ ضد الآثار هذا من زاوية، ومن زاوية أخرى أنهم لم يتعرضوا حتى للآثار التي كانت للأمم السابقة بسوء وتعاملوا معها بنظرة عميقة من حيث أنها تمثِّل حضارة ولم يتعاملوا معها من ناحية دينية، ومثال ذلك إيوان كسرى الذي ظل موجودًا إلى عهد قريب، وآثار أخرى كثيرة منها ما هو موجود إلى اليوم ومنها ما قد اختفى بفعل عدم الاهتمام.
وأضاف الحارثي: إن الاهتمام بالآثار كان من اهتمامات الفلاسفة المسلمين كذلك؛ فهذا ابن خلدون استدل بعلم الآثار كوثيقة تاريخية، وهذا يدل على عمق المؤرِّخ المسلم من حيث النظرة الوظيفية للمآثر الإسلامية، ويشارك الفلاسفة هذه النظرة الخلفاء مثل عمر بن الخطاب، وعمر بن عبدالعزيز، وتاريخهم في المحافظة على أماكن ومواضع أثرية في المسجد النبوي الشريف أمروا بإبقائها في مكانها، ومعاوية بن أبي سفيان هو الآخر اهتم بما اهتموا به فقد أبقى مولد فاطمة في بيت السيدة خديجة كما هو وحوَّله إلى مسجد، وهذا من توظيف المكان توظيفًا إيجابيًا، واستطاع أن يربط المسلمين بهذا المكان محافظًا على الدلالة المنشأية، وظل هذا العمل متبعًا. فهذه الخلفية وغيرها كثير في التاريخ يقودنا إلى استنباط مفاده أن المسلمين يدركون أهمية الأثر ودلالته العلمية والأثرية، وهذا منهج عند سلف الأمة، وعدم التعرض إلى الآثار غير الإسلامية.
ويواصل الحارثي حديثه مضيفًا: أمر آخر في جانب المحافظ على هذه الآثار هو أن الإنسان بطبيعته يميل إلى الماضي، والمكان ذو دلالة نفسية ومعنوية على الإنسان، وعندما نزيل هذا الأثر فنحن نلغي هذا الارتباط بين الإنسان والمكان، ونلغي انتماءنا للحضارة، فالمكان أو الأثر يحقق كذلك فوائد تربوية هامة وأبلغ من ألف مقالة أو حديث، فمثلا لو زرت أنت وأبنائك هذا المكان أو الأثر فسوف تربطهم به ربطًا مباشرًا. كما أن الآثار تمثل أدلة مادية أولية، وعندما نقوم بإلغائها أو إزالتها فإن هذا سيجعل تاريخنا تاريخ مدون، ومدعاة إلى أن يشكك فيه من أراد أن يشكك، لذلك لا ينبغي أن نجني على هذا الأثر ونقوم بإزالته على حساب ما يقوم به بعض الناس من سلوكيات خاطئة، ومن غير المنطقي أن نجيِّر هذه السلوكيات الخاطئة على المكان ونلغي التاريخ بسبب ذلك.
وحول التوسعة القائمة حاليًا في المسجد الحرام يضيف الحارثي: يجب أن نوجد حلولا وسط بين الإزالة وبين الإبقاء، وأن نحافظ على هذه الآثار ونقوم بتوظيفها في خدمة التطوير بدلا من أن نهدمها بالكامل، أو أن تبتعد التوسعة عن الأماكن القريبة من المسجد الحرام والتي تكثر فيها الآثار وهذا يقلل حتى الضغوط على المنطقة المحيطة بالمسجد، وبهذا نكون قد حافظنا على الطابع العام لهذه الآثار، فكثير من الآثار حول المسجد النبوي الشريف قد اختفت، فإذا ما تجولت اليوم فإنك ستجد نفسك أمام عناصر خرسانية لا تمت لتاريخنا بصلة، ومفقودة منها الحياة.
ويختم الحارثي بقوله: إن إيجاد أقسام للآثار والسياحة في كل الجامعات السعودية سيفيدنا في الإرشاد السياحي السليم، وتلافي الكثير من الأخطاء والمخالفات التي ربما تقع من بعض زوار هذه الآثار.
جهود مقدرة للهيئة
ويرى الدكتور أحمد عمر الزيلعي «أستاذ التاريخ الإسلامي والآثار الإسلامية بقسم الآثار جامعة الملك سعود، وأمين عام جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي» أن طمس الآثار لم يقتصر على الآثار الإسلامية وإنما طال جميع الآثار إسلامية وغير إسلامية بما فيها الآثار القديمة، وآثار ما قبل التاريخ، ويضيف بقوله: لا أحد ينكر أن كثيرًا من المعالم الأثرية والتاريخية في بلادنا لحقتها أضرار غير قليلة على الرغم من القوانين المشددة التي سنتها سلطات الآثار في المملكة العربية السعودية، وتتمثل تلك الأضرار التي لحقت بالآثار في التوسع العمراني والزراعي، وشق الطرق الرئيسية والفرعية، وإقامة بعض المصانع ولاسيما مصانع الأسمنت والكسارات التي عادة ما تقام في المناطق الجبلية، وبعض تلك المناطق غنية بالآثار، ولاسيما الكتابات والنقوش التي تضررت كثيرا، خصوصًا تلك التي قامت في غفلة من الأمر، وقبل سنين مضت، أما اليوم فإن الهيئة العامة للسياحة والآثار في بلادنا ألزمت الجهات التي ترخص لمثل هذه المصانع بعدم منح التراخيص إلا بعد معاينة الموقع من قبل قطاع الآثار بالهيئة، والتيقن من عدم وجود آثار فيه، كذلك ربطت الإنهاءات الزراعية بموافقة قطاع الآثار، ولكن الأضرار التي حلت بالآثار قبل هذه الإجراءات كبيرة جدًا، وخسارتها عظيمة، لأن الآثار لا تعوَّض بأي ثمن كان، ويذكر ثم يشكر لوزارة البترول والثروة المعدنية تعاونها مع الهيئة العامة للسياحة والآثار ممثلة في قطاع الآثار والمتاحف من حيث عدم ترخيصها لأي مشروع تعديني ونحو ذلك قبل التنسيق مع الهيئة.
ويستدرك الزيلعي حديثه بقوله: ومع ذلك فلا تزال بعض الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص لا تعير اهتمامًا للتنسيق مع سلطات الآثار، بل إن منها من يفضل ألا يكون للآثار علم بما تنفذه من مشروعات في مواقع أثرية ظنًا منها أن سلطات الآثار قد تعرقلها، أو تحد من نشاطها، والواقع أن سلطات الآثار لن تقف يوما حجر عثرة في سبيل تنفيذ خطط التنمية، أو تحد من الأخذ بسبل التطور والتقدم، وتنفيذ بعض المشروعات المهمة التي يحتاجها الوطن والمواطن، ولكن وضعها في الصورة سيمكنها دون شك من إجراء بعض الحفريات السريعة الاستنقاذية للآثار شبيهة بتلك التي أجريت في بعض المواقع الأثرية التي اعترضت مسار جسر الملك فهد في البحرين، وكذلك في قلب بيروت حينما أعيد بناؤه بعد توقف الحرب من قبل شركة سوليدير، وأيضًا كما حدث من قيام فريق من الآثاريين السعوديين بمجمع الآثار من المباني التي هدمت مؤخرًا في حي الشامية بمكة المكرمة لأغراض التوسعة الجديدة في محيط الحرم المكي من تلك الجهة، وآمل من كل الجهات حكومية وغير حكومية أن تنسق مع قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والآثار عند اعتزامها القيام بأي مشروع تنموي في مواقع فيها آثار أو حتى تراث معماري تقليدي، وستجد منها كل تعاون يخدم مصلحة الوطن وموروثه الحضاري والتاريخي.
ويتابع الزيلعي حديثه قائلا: أما الآثار المترتبة على اختفاء الآثار فهي كثيرة جدًا؛ وليس أقلها ضياع تاريخنا وحضارتنا ومورثنا الذي خلفه الأجداد مما يعني انقطاع الأجيال عن ماضيهم العريق وحضارتهم الزاهية وجذورهم التاريخية التي تربطهم بأرضهم وبيئتهم وبأساليب الحياة التي عاشها أجدادهم، ثم كيف تدرج هؤلاء الأجداد ومن جاء بعدهم في مسالك التطور والتقدم والرقي حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم، وبدون الآثار والموروث الحضاري بعامة سينقطع الأجيال عن ماضيهم، وسينظرون فقط إلى حاضرهم المحاط بالعمائر الشاهقة والطرق السريعة ووسائل المخترعات والتكنولوجيا الحديثة وكأنهم جاءوا من كوكب آخر، ونزلوا على أرض غير أرض أجدادهم، وتحت سماء غير سمائهم.
إثبات التاريخ
الشيخ عبدالرحمن بن عثمان الملا «رئيس أدبي الأحساء سابقًا» أشار إلى أهمية الآثار بقوله: مامن شك أن للآثار دورها الهام في إثبات تاريخ وحضارة أية أمة؛ وإلا كيف سنعرف تأثير تلك الأمة أو ذلك الشعوب إن لم نطلع على آثارها سواء من كتب أو مخطوطات أو قلاع وحصون ومساجد ومعابد وغيرها؛ لأنها شاهد على حضارتها، كما أن المحافظة عليها مطلوبة حتى تكون عبرة للأجيال حين الاطلاع عليها.
ويضيف الملا: إننا في المملكة نلحظ اهتمام الدولة بالآثار؛ وبخاصة الدينية منها، وأسست لها هيئة تحافظ عليها، فكل أمة تفاخر وتفتخر بآثارها وتباهي بها الأمم والحضارات.
ترميم وصيانة
أما مدير متحف الأحساء وليد الحسين فيقول: إن المحافظة على الآثار تتم من خلال الحماية من قبل الجهات الرسمية بسن القوانين والأنظمة التي تحميها من الهدم والإزالة، كذلك بترميم تلك الآثار وصيانتها وتأهيلها لكي تكون مفتوحة أمام الزوار من داخل وخارج البلاد وتنفيذ العروض السياحية المختلفة فيها، وتنميتها من أجل السياحة الثقافية، ونحن هنا في المملكة ومن خلال الهيئة العامة للسياحة والآثار نعمل بجد على ترميم الآثار، والبحث عما هو مندثر منها وتوثيقها، خاصة الآثار الإسلامية التي توليها الأجهزة الرسمية أهمية خاصة؛ فما تقوم به الهيئة العامة للسياحة والآثار وبتشجيع ومؤازرة من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان الأمين العام للهيئة جهود واضحة للعيان.
ويتابع وليد بقوله: إن للآثار الإسلامية وغيرها أهمية اقتصادية، وهي مصدر دخل للدولة كونها سياحة دينية يفد الملايين من المسلمين وغير المسلمين للاطلاع عليها، ولهذا نستغرب حقًا من الأصوات والأطروحات التي تنادي بهدم تلك الآثار في هذا الوقت بالذات الذي عمَّ فيه العلم وانتشرت المعرفة، كما لا ننسى أن السلف الصالح لم يهدموا تلك الآثار ولم يقولوا بإزالتها، وهنا يأتي دور التوعية الدينية في هذه الأماكن وتوضيح المخالفات الدينية لزوارها.
من جانبه يقول المهندس عبدالله عبدالمحسن الشايب «صاحب مؤسسة تهتم بالتراث»: من الناحية الأيديولوجية نحن المسلمين ننظر للآثار كعبرة واعتبار، ومن ناحية الوضع الاقتصادي تأتي التنمية السياحية، ولعل أبرز مثال عندنا هنا في الأحساء مبنى القيصرية الأثري الذي كان سوقًا يضم جميع عناصر التراث والآثار، وكان الناس يزورونه ليس فقط للتبضع بل لمشاهدته كأثر ترتاح له النفس وأصبح مصدرًا اقتصاديًا.
وعلى ذات السياق يبدي خالد أبو فريدة «الباحث في علم الآثار» استغرابه من التوجهات الساعية لطمس الآثار حيث يقول: أستغرب حقا مِمَن ينادي بطمس الآثار ونحن في القرن العشرين؛ قرن العلم والمعرفة والثقافة، ولا أعتقد أن أحدًا يخدش دينه بالتعلق بالحجارة وهو في زمن العلم والنور، وإن وجد من يتبرك بها فهم قلة لا يجب أن يحرم الكثيرون بسبب جهل القلة، فنطمس تراثنا وآثارنا، فلماذا يهدم معلم ديني خوفًا من هؤلاء القلة الذين بإمكاننا من خلال علماء الدين وأصحاب الفضيلة المشايخ والعلماء ورجال الدعوة توعيتهم نحو الوجهة الصحيحة، وحقيقة الدين والتوحيد؟
ملحق "الأربعاء"، صحيفة "المدينة".