عَجَبٌ عُجَابٌ
... ثم إنهم ما إن رأوه بينهم جسدا بلا روح، وقد صار مدرجا في عداد القتلى، حتى حملوا جثته مسرعين في جنح الظلام إلى حيث رموا بها في حفرة مظلمة، وعليها ألقوا ركاما من الصخر والحجارة، قبل أن يهيلوا التراب عليه بغزارة …
طمسوا آثار أيديهم وأرجلهم فأقفر منها المكان وخلا، وعادوا أدراجهم إلى المنزل الذي شهد وقائع الجريمة وسهرتهم الماجنة، وهم يحثون بعضهم بعضا على مغادرة تلك الحديقة المهجورة بأقصى سرعة، وجميعهم منشغل شارد في الذي حدث بالأمس، عندما دسوا لصاحبهم السم في التي مالت بأجسادهم ولعبت بعقولهم …
ظنوا مخطئين أنهم إذا ما تخلصوا منه سيكسبون كثيرا ولن يخسروا نقيرا، وأيقنوا واهمين أنهم بمواراته في جوف تلك الحفرة سيقبرون معه إلى الأبد ما يعلمه من الأسرار المشتركة بينهم ويعلمون، وسيئدون بدفنه ما يعرف عنهم تاما غير منقوص ويعرفون، وما يخشون تسربه وذيوعه مما يعلمه عنهم ويجهلون معرفته به …
أضلوا غير واحد عن الاهتداء إلى حقيقتهم طوال حقبة من الزمن، وظلوا يخفون قبح ما يقولون وشناعة ما يعملون خلف أقنعة لبسوها جميلة تسحر الأسماع وتسر الناظرين، ومكثوا يتسترون وراء أصباغ ومساحيق تغري بألوانها وبريقها أعين المبصرين وتخلب آذان السامعين …
حسبوا مغرورين بأنفسهم أنهم قد فطنوا وتنبهوا إلى كل أمر يخشى جانبه، أو طارئ من شأنه أن يفضح ما يكتمون ويصنعون، لكنهم ما لبثوا أن فوجئوا ذات يوم بأقنعتهم الحسناء تتساقط شاحبة كأوراق الخريف، وبأصباغهم ومساحيقهم تتلاشى وتنمحي، فلم يفدهم قتل صاحبهم ودفنه في أي شيء، إذ سرعان ما شاع بين الناس ما حرصوا على إسراره واجتهدوا في إخفائه، بعد أن كان قد أوصى صاحبهم المقتول، الذي أحس منهم الغدر، بنشر سائر ما كانوا من خيفته يتوجسون …
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com