( 19 )

وقف عياد ودومينيك أمام القس ، يد كل منهما فى يد الآخر . تحدث الأب عن الزواج ، والواجبات التى يعنى بها الزوجان .
أعاد النظر فى الأوراق بين يده ، ثم اتجه إلى عياد بنظرة حيادية :
ـ يا عياد ، هل تتخذ هذه المرأة التى أنت ماسك يدها لتكون زوجة شرعية لك ؟ وهل تعد ـ بوقار فى حضرة الله وأمام هؤلاء الشهود ـ أن تكون لها زوجاً محباً وأميناً ، طالما كنتما على قيد الحياة ؟
همس عياد وهو يحنى رأسه :
ـ نعم .
اتجه الأب بنظرته إلى دومينيك :
ـ يا دومينيك ، هل تتخذين هذا الرجل الذى أنت ماسكة الآن يده ليكون زوجاً شرعياً لك ؟ وهل تعدين ـ بوقار فى حضرة الله وأمام هؤلاء الشهود ـ أن تكونى زوجة محبة وأمينة ومطيعة طالما كنتما على قيد الحياة ؟
همهمت دومينيك فى ارتباك ، بما يعنى الموافقة .
قال الأب :
ـ أصرح بأنكما زوج وزوجة ، والذى جمعه الله لا يفرقه إنسان .
ثم علا صوت القس :
ـ باسم ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع مشرع شريعة الكمال ، وواضع ناموس الفضائل ، نعلن فى هذا المحفل الأرثوذكسى ، وأمام هيكل رب الصباؤؤت ، زواج الابن المبارك الأرثوذكسى البكر عياد على خطيبته الابنة المباركة الأرثوذكسية البكر دومينيك ، باسم الآب والابن والروح القدس ، إله واحد ، آمين .
مبارك الله الآب ضابط الكل ، آمين
مبارك ابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا ، آمين
مبارك الروح القدس المعزى ، آمين .
صحبت عياد إلى كنيسة العذراء بشارع طومانباى . عقد قرانها على طقس الأقباط الأرثوذكس . تخلت عن كاثوليكيتها ، ودخلت أرثوذكسيته .
قال أنطوان :
ـ أنا أرفض زواجك من دومينيك !
قال عياد :
ـ لم أطلب موافقتك . دعها تقرر مصيرها ..
ـ أنا أخوها الأكبر .
ـ وهى تجاوزت الحادية والعشرين .
هدده أنطوان بأن دومينيك ـ حين تموت ـ لن تدفن فى مقابر الكاثوليك .
قال عياد دون أن يترك هدوءه :
ـ أنت لا تعرف من يموت قبل الآخر ؟ ولا من يدفن من ؟!
قال أنطوان :
ـ إذا أردت أن تتزوج دومينيك ، فلا تتوقع مساعدتى .
استطرد فى تلقائية متكلفة :
ـ حقيبة ثيابها هى كل ما ستخرج به من البيت !
قالت الخالة إيفون :
ـ الأرثوذكسية والكاثوليكية مذهبان فى ديانة واحدة ..
قال لويجى :
ـ الاختلاف موجود ..
قالت إيفون :
ـ لكن الديانة واحدة ..
وشى صوت دومينيك بالحيرة :
ـ أوافق ؟
ـ لماذا ترفضين ؟
وافق مطران كنيسة البازيليك على زواجها من عياد . هو المطران نفسه الذى عنّف سيلفى حين عرضت عليه فكرة الزواج من مسلم . بدا ودوداً ، ومتسامحاً :
ـ قد تختلف المذاهب ، لكن الكاثوليك والأرثوذكس أبناء ديانة واحدة .
زارت البطريركية المطلة على شارع رمسيس . تحدث الكاهن عن حقها فى أن تحتفظ بمذهبها ، لكنه اشترط أن ينتمى أبناؤها ـ حين تنجب ـ إلى المذهب الأرثوذكسى :
ـ هذا هو شرطنا للموافقة على الزواج .
قال عياد وهما يهبطان درجات البطريركية :
ـ نوافق حتى نتزوج ، ثم نقرر ما ينبغى فعله .
انتقلت من الفيلا إلى بيت عياد فى منشية الصدر . اقتصر الأمر على الإكليل فى حفل الكنيسة . أهملا ما يسبق الزواج من خطوات ، ربما اختلفت فيها تقاليد المذهبين .
الشقة ذات حجرتين وصالة صغيرة فى شارع الجراج . وجدت فى السوق المجاورة بديلاً مشابهاً لسوق الزيتون . يصحبها عياد ، أو تذهب بمفردها .
استقبلت حفاوة الجارات بحيرة : هل تبدّل ما ألفته من عزلة فى فيلا الزيتون ؟ أو تخالط من عرضن الصداقة ؟
الصحن الفسيح ، الأضواء العالية ، فى المواجهة ، تمثال من الرخام للسيدة العذراء ، وصينية من الفضة يتوسطها شمعدان ، بداخله شمعة مطفأة . وثمة الوجه الجميل ، المتعب ، المكلل بتاج الشوك ، الشموع المتراصة المشتعلة تحت تمثال العذراء ، المجمرة التى يتضوع منها البخور ، الأيقونات المحيطة بالمكان ، الدكك الخشبية ، الماء المصلى عليه ، اختلاف لون العباءة من البنى إلى الأسود ، يضاف إلى الثانية عمامة سوداء مستديرة ، تراتيل الشمامسة .
تأملت العمم السوداء ، والطيلسانات المطرزة بالصلبان الذهبية ، صحن الكنيسة الواسع ، العالى الجدران ، المنقوش الأسقف والأفاريز . الأيقونات ، القناديل المذهبة ، المتدلية من السقف العالى ، الشمعدانات النحاسية ، النجف الكريستال .
أنصتت لقرع الأجراس ، وضرب الصنوج ، والصلوات ، والدعوات لأم النور ، والمزامير ، يرتلها الشمامسة بأصوات متناغمة ، بالعربية والقبطية ، تتوزع فى صحن الكنيسة .
مدت لسانها بعد أن مضغت اللقمة الصغيرة . أحست بلذعة قطرة النبيذ الأحمر على طرف اللسان .
أربكها الفارق بين طقوس الكاثوليكية وطقوس الأرثوذكس . حاكت عياد الواقف جانبها فى كل ما فعله .
ثانى يوم أحد ، أهملت التردد على أى من الكنيستين ، حتى تعى طقوس مذهبها الجديد . ثم تناست الأمر تماماً ، فلم تعد تتردد على الكنيسة .