هدام والحملة الإيمانية والهالكي واللاحكيم وحملة الكاولية لقد شاء الله أن يبتلي العراقيين وارض العراق بالحكام الفَجرة الظَلمة الفاسقين على مر التاريخ، ولعب كل منهم دوره كما أفرزت أفعاله وكما أمره هواه، من ظلم وتنكيل وقتل للأخيار من الناس ومن وقفوا بوجه هؤلاء الحكام لسبب أو لأخر، وإذا كان هناك الكثير ممن مر بأرض العراق من الأنبياء والمرسلين عبر التاريخ وممن عينهم الله حكاما وأئمة يهدون بأمره، فأنهم مع كونهم معينين من الله ونتيجة لعدم تمكين الناس لهم لم يمارسوا هذا الدور كما أرادوا وأراد الله، وبذلك وفي كل مرة يفشل الناس في الامتحان الإلهي نرى آيات الله في استحقاق الناس للعذاب الإلهي، وخير مثال على ذلك الطوفان الذي أرسله الله على قوم نوح عليه ألسلام، بعد أن بالغ لهم نبي الله نوح عليه السلام في الوعظ والنصيحة ليأخذ بأيديهم إلى الله، وينجيهم مما هم فيه، ولكن النتيجة كانت أن كذبوا داعي الله ولم يؤمنوا به، بل استهزؤوا به وبمن امن به (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) (الذريات:46) ولولا أن القرآن قص علينا إنباء المرسلين لما عرفنا ظلم الناس للأنبياء والمرسلين، ولما استطعنا أن نميز الدور الفاسد الذي لعبه وجهاء القوم والحكام الفاسدين ضد أولياء الله، إذ لو تُركَ الأمر لمن يكتب التاريخ لما نقل لنا وعاظ السلاطين إلا ما يريده الفاسدين من الحكام أن يُكتب وهم لا يتوانون عن تزيين صورة أسيادهم وقلب الحقائق ليظهروهم للناس من المحسنين، بل إن هذه الطغمة من الحكام وبعونٍ من وعاظها الفاسدين كانت تسعى دائما لان تصبغ أفعالها بصبغة الدين لتضفي عليها الشرعية والعدالة وتكسب بذلك قلوب الرعاع والسفهاء من القوم الذين لا يميزون بين الحق والباطل ولا ينصرون الحق أبدا، إذ تعودوا أن يعتاشوا من موائد السلطان. من جانب أخر فإن الناس بقبليتهم يميلون للتفاخر بتاريخهم وان كان اسودا منحرفا عن جادة الصواب، ولا يميزون أفعال السابقين إلا من خلال ألأثر المادي للتاريخ وبه يحكمون على مدى رقيهم وحضارتهم، فترى العراقيين والعرب جميعا يفتخرون بالحضارة البابلية بدرجة كبيرة وخاصة مسألة كسرهم لشوكة اليهود، متناسين بذلك أن اليهود موحدين والبابليين وثنيين، وكذلك أن البابليين اسَروا وسجنوا أنبياء اليهود في معاركهم كما حصل مع نبي الله دانيال عليه السلام، فالذي يخاف الله لا يتشرف بموقف البابليين من أولياء الله وعباده الموحدين، ولا ينسى ذلك الموقف ألمسيء للأنبياء ويتنكر له إمام عصبيته لموقف الإسرائيليين حاليا من قضايا العرب والمسلمين واحتلالهم لأرض المسلمين، فالموقفان مختلفان. ولكن المتعلق بما كتبه التاريخ لا يملك أمام الحقائق التي نطّلع عليها اليوم في ما خَطّه وعاظ السلاطين إلا أن نرى علوا شأنهم وعظيم أثرهم وتقديس الناس لهم، وهي في الحقيقة خلاف الواقع الذي كان سائداً، والقرآن يثبت ذلك. وبحكم كونه احد القادة الفاسدين المنحرفين الذين مروا على ارض العراق، فإن (هــدام)، صنيعة البغايا وشوارع الفساد، قد استوعب حقيقة الدور الذي يلعبه وعاظ السلاطين في كتابة التاريخ، وسعى لان يستفاد من ذلك بأبعد أشكاله، فأطلق لنفسه العنان بممارسة الفساد استجابة لملذّاته وتحقيقاً لرغباته الدنيوية وكذلك إشباعاً لشهوة القتل لديه ضد الذين وقفوا بوجهه من العراقيين، ولم يغفل أن يجمّل صورته ببعض الأفعال التي لا وزن لها سوى أن الأبواق الإعلامية تطبل لها في كل حين لتقلب الحقائق وتُري الناس صورة مغايرة لفساد الواقع الذي يعيشونه تحت حكم الطاغية، وهكذا انطلقت الحملة الإيمانية في عصر الفاسد (هـــدام)، وأخذت هذه الحملة إبعادا شتى، منها دروس دينية في التلفزيون الرسمي، يُطبّل من خلالها رموز النظام لحكم الطغاة وأعوانهم الفاسدين، وامتدت إلى تدريس طرق التلاوة في المدارس (علما أن حوزة النجف لا تُدرّس تلاوة القرآن لطلبتها... يا للعار لقد غلبهم هـدام الفاسد) وما تطلبه ذلك من طبع القرآن الكريم في ايطاليا ليتناسب مع درس التلاوة، ولكم أن تتخيلوا حجم المشروع الذي يمتد لكل المراحل الدراسية، هذا كله وصدام يعلم أن الحملة التي أطلقها هي لتحسين صورته أمام التاريخ فقط لأنه يعلم حجم الفساد الذي بثه في المجتمع وحجم الظلم الذي يمارسه على الناس، ولكنه ومن خلال تحليل فعله هذا، كان يعير بعض الأهمية لان يترك لكتبة التاريخ من وعاظ السلاطين العذر في تحسين صورته وإظهاره بمظهر الرئيس المؤمن، وكل الرؤساء العرب (مؤمنون) بفضل وعاظ السلاطين وتصرفهم بالمال العام لمصالحهم الشخصية، إلا الهالكي واللاحكيم الذي يقف وراءه ويتخذه مطية لتحقيق مصالحه، فلقد عاثوا في الأرض فساداً، لينتهي بهم الأمر بإباحة بيع الخمور وعودة (الكاولية) والفساد في البصرة، ليشيروا بفعلهم هذا إلى انتهاء عصر جيش المهدي الذين كانوا يحكمون الشارع البصري بيد من حديد وخاصة لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (سيئة الصيت). لقد ابتدأ الهالكي مشواره السياسي على عكس (هدام) كداعية ديني يعمل في سبيل الله (كما يدّعون) ضمن تنظيمات حزب الدعوة الذي عرفه الناس في بداياته (كحركة عقائدية) تعمل على رفض الظلم والاستعباد الذي كان يمليه الطغاة على أبناء الشعب العراقي، ولقد كان ظاهر حزب الدعوة حتى تشكيل مجلس الحكم انه حزب ديني يعمل تحت (الشرعية الإلهية) (على حد ما عرفناه عنه لحينه)، ولقد انحرف الهالكي بنفسه إلى الهاوية بظلمه للناس وإباحة القتل للأخر ما أن يكون ضده في الرأي، وبكونه مطيةً للفاسد المفسد سفياني العصر (اللاحكيم)، لكن المصيبة التي ستناله انه حتى لم يترك مجالاً لوعاظ السلاطين من أزلامه أن يُجَمّلوا صورته في كتابتهم للتاريخ من خلال تظاهره على الأقل بالورع والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كما كان يفعل هـدام)، وإلا كيف نفسر اباحة الخمور وإطلاق يد (الكاولية) والمفسدين في شوارع البصرة ممن يسمي نفسه داعية وينتمي إلى حزب ديني في توجهه، فإذا كان يريد أن يعبر عن انتصاره على جيش المهدي من خلال محو أي اثر لهم في المجتمع، فعليه أن لا ينسى إن الشريعة من الله وليس من جيش المهدي (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة:13) إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم