السؤال الثالث :
ما هي في رأيك رسالة القاص ووظيفته الحقيقية؟
لم يمر هذا السؤال في ذهني ، فقد بدأت الكتابة بدافع داخلي لم أتعرف على بواعثه ، واستمرت تجاربي في التطور دون أن أتجاسر بأن أسال نفسي عن معنى الكتابة ، ومغزاها.
لكن طالما السؤال طرح فلابد له من إجابة ، ويمكنني الزعم أنني حينما أمسكت القلم في صدر شبابي الأول كنت أعتقد أن الكتابة مهمة جدا لأنها الطريقة الوحيدة للثورة على الظلم والفساد والزيف .
كنا في نهاية الستينات نقرأ لمكسيم جوركي وتشيخوف وديستوفيسكي وتولستويوبوشكين وللتيار الروسي بعامة وهو بمثابة الصناعة الثقيلة في السرد العالمي ، وكانت الدراسات المواكبة للإبداع تأخذ هذا المنحى.
الكتابة هي ثورة حقيقية على فساد وظلم العالم ، هذا ما كنا نعتقده ونقدمه على كل الفروض الأخرى .
في مرحلة تالية رأيت الكتابة محاولة لاكتشاف العلاقات الحقيقية بين الأشياء . إنها بحث عن الماهية والكينونة ، وقد تحولت الكتابة في هذه المرحلة إلى نوع من مساءلة العالم حول طبيعة ما يحدث في فيه من تحولات عميقة . كان الأدب هو اليقين والقيمة الكبرى التي يمكن التغلب بها على اللامعنى.
في مرحلة أخيرة أعيشها الآن وجدت الكتابة ـ وأنا هنا لا أفصل القصة عن أشكال الكتابة الأخرى ـ هي الانغماس في تيار الحياة في مواجهة الموت.
نعم. إنت عندما تبدع قصتك وتحرك شخصياتك وتهيمن إلى حد كبير على دقائق عملك فأنت ابن الله ، ومسئوليتك مضاعفة لكي تروي سيرة الإنسان . بالحكي يمكنك أن توصل صوتك مهما كان ضعيفا أو مترددا أو خجولا.
هي إذن تصورات مختلفة لدور الكاتب في واقعه، وربما تجاورت تلك التصورات وانصهرت في ضفيرة واحدة تشير إلى أن الكتابة هي حياة أخرى موازية للحياة. هي لغة تتحرك في اتجاه الواقع فمرة تعلوه ومرة تكون أسفله ، ومرة ثالثة تخترقه. وفي كل الأحوال هي تحاول ألا تكون الحياة نفسها لكن ربما ضميره الحي الخلاق .
سأعود لوظيفة القاص فأقول أن الكتابة كمهنة دقيقة تحتاج إلى محترفين و" أسطوات " ، ومن وظائف الكاتب الأصيل أن يطور أدواته ، وأن يحاول كل مرة اختبار تلك الأدوات ، كما أن عليه الاجتراءعلى السائد والاتجاه لتخطى المألوف ،وهو هنا يعتبر الكتابة في حد ذاتها مغامرة تستحق كل جهد حقيقي ، أصيل . وسأضيف شيئا مهما جدا بالنسبة لي على الأقل ، وهو أن المتعة الفنية هي الشاهد في كل ما ذكرت.
فهناك كتاب يحملون نوايا حسنة وضمائر نقية لكنهم غير قادرين على الخلق وتحريك الساكن وهؤلاء أقرب لموظفي الأرشيف الذين لديهم أكداس معلومات لكنهم لا يعرفون كيف يستفيدون من الكنوز التي تحت أيديهم. أليس كذلك ؟!