السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته
ليس هناك أجمل من براءة الطّفولة...
ذكريات الطذفولة ألصق بنا من ذكريات كلّ الأحداث الّتي تمرّ بنا مهما كانت أهمّيتها.
ولدت سنة 1949 لعائلة متواضعة نازحة من الجنوب التّونسيّ-من واحة توزر على وجه التّحديد-.و ككلّ النّازحين استقرّ والدي بحي شعبيّ في العاصمة التّونسيّة حيث رأت عيناي النّور لأوّل مرّة .ترعرعت بين أزقّة هذا الحيّ الشّعبيّ و واكبت ألعاب الأطفال ،غير أنّي لم أكن شريكا فاعلا فيه،نظرا لخوف الوالد آنذاك من التّأثير السّلبيّ على تربيتي و سلوكي.نشأت كهلا و أنا طفل.كانت علاقتي بالكبار أكثر منها بالأطفال من أترابي.و قد ترك ذلك في نفسي أثرا عميقا.و رغم ذلك كنت أتفهّم أسباب خوف الوالد رحمه اللّه من تركي حرّا أمارس طفولتي بين أطفال الحيّ.و بحكم كوني الابن الوحيد مع أربع بنات في العائلة ، كنت قريبا جدّا من الوالد و الوالدة.و كانا لي بمثابة المدرسة الأولي الّتي تلقّيت فيها أرقى القيم و أعلى المثل.
لقد كنت ألقى من الوالد التّشجيع المعنويّ الكامل للإقبال على الأدب و مختلف فروع الثّقافة رغم أنّي كنت ممنوعا من ممارستها أو المشاركة فيها للأسبات الّتي أسلفت.و في ذلك تناقض كبير بين آمال الوالد رحمه اللّه و واقع تعامله معي كطفل.استمرّ هذا إلى وقت متأخر من فترة الشّباب.و لمّا توفّي الوالد رحمه اللّه سنة 1994.كتبت و نشرت أوائل قصائدي و منذ ذلك التّاريخ أصبح إقبالي على حضور الأمسيات الشّعرية و الملتقيات و المهرجانات ،مكثّفا.و قد حفلت قصائدي بذكريات الطّفولة ،بل كان الطّفل حاضرا في أغلبها.و آخر قصيدة لي في هذا الاتّجاه كانت منذ فترة قريبة جدّا.
و إليكم نصّ هذه القصيدة و قد نشرت في العديد من المواقع الإلكترونيّة.و ترجمها الشّاعر و المترجم منير مزيد و ستنشر ضمن مجموعة هامّة من القصائد المترجمة من العربيّة إلى الأنجليزيّة في كتاب ورقيّ :
------------------------------------------------------------
طفلا أنا كنت
مرسومة أحلامي
على أجنحة الفراش
موشومة ذكرياتي
على الأبواب و الجدران
موقّعة اناشيدي
على سقسقة البلابل
طفلا أنا كنت/
أسابق أحلامي على قارعة الزّمن
أداعب الأمنيات…
طفلا أنا كنت
ألعب مع الرّيح...
و عندما يأتي الظّلام
أحدّق في المدى ...
أمدّ يدي إلى قمر لا يأتي...
أحنّ إلى حضن أمّي
إلى لعبتي الأولى ...
ستون حلما قد مضى...
أجدني بعد طفلا...
أرصد عرائس البحر
أبني قصور الرّمال
طفلا أنا ما زلت
عنيدا كما الموج
تبعثر الرّيح ما أبني
ألاحقها ...تلاحقني ...
أيّها الزّمن...
متى ترى تنتهي الّلّعبة؟
إلى متى نظلّ نلد للأحزان
و نبني للضّياع
إلى متى نظلّ نقبض على الرّيح
و تذوب عرائس الشّمع
تحت شمس الحقيقة
إلى متى نظلّ نحمل صحرة أحلامنا
بين السّفح و القمّة...
أيّها الطّفل المقيم بين الضّلوع
اليوم ...
تولد البسمة مصلوبة
على شفاه الأطفال
و ينتعش الطّفل فينا
و يكبر ...و لا يكبر
و حدك أيّها الزّمن تولد طفلا
و تبقى طفلا على الدّوام
و حدك أيّها الزّمن
ما تزال تمارس لعبتك الأولى…
15/03/2007
محمد الصالح الغريسي